الي بلوجر

الي بلوجر في أي شريعة تهدر حقي كمدون بحذفك من مدونات {12} صفحة وبأي حق تسلك هذا المسلك في كل مدوناتي  كف عن ذلك وخاف من الله العلي القدير  وكفي اهدار لجهودي بغير وجه حق// To blogger, in what law do you waste my right as a blogger by deleting you from the blogs of {12} pages, and by what right do you take this path in all my blogs?

الاثنين، 28 مارس 2022

مجلد: 1 ومجلد 2.-عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير - دار ابن كثير المؤلف ابن سيد الناس

عيون الاثر مجلد: 1
ـ 1 ـ
السيرة النبوية المسمى عيون الاثر ـ 3 ـ السيرة النبوية
المسمى عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير لمحمد بن عبد الله بن يحي ابن سيد الناس/671 ه - 734 ه
   
المجلد الاول
 

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
تنفيذا للعهد الذي قطعته مؤسستنا على نفسها ، وانسجاما مع الخط
الذي رسمته لمسيرتها في خدمة لغة الضاد وقراء العربية ، وتحقيقا لغايتها في العمل على نشر امهات الكتب والذخائر العربية والاسلامية ، وخدمة التراث الانساني . وتحقيقا لهذه الاهداف فقد رأينا العمل على اصدار كتاب السيرة
النبوية الجليلة المسمى عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير . لما
لهذا السفر النفيس من قيمة علمية وتاريخية واسلامية كبيرة ، تتضح جلية ويبرز من خلالها الجهد المضني والبحث الدقيق الذي قدمه مؤلفه الامام الحافظ ابوالفتح محمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن يحيى المعروف بابن
سيد الناس المتوفى سنة 734 ه .
ويتضمن هذا الكتاب بحثا دقيقا وشاملا لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مبينا
شمائله ونسبه ومولده ورضاعته ومعجزاته منذ الصغر مرورا بدقائق حياته في طفولته وشبابه وزواجه ودعوته حتى وفاته . كما يتضمن الكثير من اخباره ومغازيه وبعوثه . كما يتطرق الحديث إلى ذكر اعمامه وازواجه واولاده وحليته وغيرها كثير مما ذكره العلماء .
وقد عمدنا إلى طبع هذا الكتاب بطريقة التصوير الطباعي ـ 6 ـ الاوفست - حرصا على قيمة الكتاب العلمية وتحاشيا للتصحيف والتحريف والاغلاط والتشويه ، وحرصا على روح الطبعة التي اخذناها عنها ، سيما وانها نسخة محققة ومقابلة على عدة نسخ بواسطة المشاهير ذوي الباع الطويل في هذا الحقل ومنهم السيدان المبارك والتنوخي .
هذا ولم نألو جهدا او نقصر في العمل على اخراجه بطباعة انيقة فاخرة بحلة قشيبة ممتازة . ولا نجد بدا من التنويه بما لهذه السيرة من مزايا على ما سبقها من مؤلفات تبحث في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهي تعتبر من امهات السير المعتمدة على وثيق الاخبار ، وفيها وفي مقدمتها وشهرتها ما يغني عن التعريف بها .
واذ تفخر مؤسستنا بنشر هذا السفر النفيس فانها تعد لتقديم المزيد من كتب التراث ونفائس الحضارة العربية والاسلامية ، وتعاهد القراء الكرام
على المثابرة وبوضع الجهد وا لامكانيات في العمل على اغناء المكتبة العربية
بالمزيد من النفائس والذخائر خدمة للتراث الانساني .
والله من وراء القصد مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر
ـ 7 ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ـ 9 ـ
(
ترجمة المؤلف )
قال ابن العماد في كتابه " شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج 6 ص
108 " :
وفيها " أى سنة 734 " توفى فتح الدين أبوالفتح محمد بن محمد بن محمد
ابن عبدالله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعى الامام الحافظ اليعمرى
الاندلسى الاشبيلى المصرى المعروف بابن سيد الناس . قال ابن قاضى شهبة :
ولد في ذى القعدة - وقيل في ذى الحجة - سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة ،
وسمع الكثير من الجم الغفير ، وتفقه على مذهب الشافعى ، وأخذ علم الحديث
عن والده وابن دقيق العيد ، ولازمه سنين كثيرة وتخرج عليه وقرأ عليه أصول
الفقه ، وقرأ النحو على ابن النحاس ، وولى دار الحديث بجامع الصالح ، وخطب
بجامع الخندق . وصنف كتبا نفيسة : منها السيرة الكبرى سماها ( عيون الاثر )
في مجلدين ، واختصره في كراريس وسماه نور العيون ، وشرح قطعة من كتاب
الترمذى إلى كتاب الصلاة في مجلدين ، وصنف في منع بيع أمهات الاولاد مجلدا
ضخما يدل على علم كثير .
وذكره الذهبى في معجمه المختص وقال : أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه
المليح كثيرا ، وخرج وصنف وصحح وعلل وفرع وأصل وقال الشعر البديع ،
وكان حلو النادرة حسن المحاضرة جالسته وسمعت قراءته وأجاز لى مروياته . . . .
وقال ابن كثير : اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث
والفقة والنحو وعلم السير والتاريخ وغير ذلك ، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين .
ـ 10 ـ
وقد حرر وحبر واجاد وافاد ولم يسلم من بعض الانتقاد ، وله الشعر والنثر الفائق
وحسن التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة
السلفية والاقتداء بالاحاديث النبوية . . ، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ
الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار و الحكايات . . .
وقال ابن ناصر الدين : كان اماما حافظا عجيبا مصنفا بارعا شاعرا اديبا دخل
عليه واحد من الاخوان يوم السبت حادى عشر شعبان فقام لدخوله ثم سقط
من قامته فلقف ثلاث ومات من ساعته . ودفن بالقرافة عند ابن ابي جمرة
رحمهما الله تعالى . انتهى ما ذكره صاحب الشذرات باختصار بعضه .
وقال الحسينى " في ذيل تذكرة الحفاظ ص 16 " : ابن سيد الناس الامام
العلامة المفيد الاديب البارع المتقن فتح الدين ابوالفتح محمد بن الامام الحجة ابي عمرو
محمد ابن حافظ المغرب ابى بكر محمد بن احمد بن عبدالله بن سيد الناس الاندلسى
اليعمرى المصرى الشافعى . ولد سنة احدى وسبعين وستمائة . واجاز له النجيب عبد
اللطيف وجماعة ، وسمع من العز الحرانى وغازى الحلاوى وابن الانماطى وخلق ، وقدم
دمشق ليالى وفاة ابن البخارى فلم يدركه ، وسمع ابن المجاور ومحمد بن مؤمن والتقى
الواسطى وخلق ، قال الذهبى : هو احد ائمة هذا الشأن كتب بخطه المليح كثيرا وخرج
وصنف وعلل وفرع واصل وقال الشعر البديع وكان حلو النادرة كيس المحاضرة
جالسته وسمعت بقراءته واجاز لى مروياته . مات فجأة في حادى عشر شعبان سنة
اربع وثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرافة ، وكان اثريا في المعتقد يحب الله تعالى ورسوله .
وقال السيوطى " في ذيل طبقات الحفاظ ص 350 " : الامام العلامة المحدث
الحافظ الاديب البارع ابوالفتح محمد بن محمد بن محمد بن احمد بن عبدالله بن
محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن ابى القاسم بن محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز
ابن سيد الناس بن ابي الوليد بن منذر بن عبدالجبار بن سليمان اليعمرى الاندلسى
ـ 11 ـ
الاصل المصرى . ولد في ذى القعدة سنة احدى وسبعين وستمائة ، وسمع من غازى
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 11 سطر 1 الى ص 20 سطر 23
الاصل المصرى . ولد في ذى القعدة سنة احدى وسبعين وستمائة ، وسمع من غازى
والعز وخلائق نحو الالف ، ولازم ابن دقيق العيد وتخرج عليه واعاد عنده وكان
يحبه ويثنى عليه ، واخذ العربية عن البهاء بن النحاس وكتب الخط المغربى والمصرى
فأتقنهما ، وكان احد الاعلام الحفاظ اماما في الحديث ناقدا في الفن خبيرا بالرجال
والعلل والاسانيد عالما بالصحيح والسقيم له حظ من العربية . حسن التصنيف صحيح
العقيدة اديبا شاعرا بارعا متفننا في البلاغة ناظما ناثرا مترسلا ، ولى درس الحديث
بالظاهرية وغيرها . وصنف السيرة الكبرى والصغرى وشرح الترمذى لم يكمله فأتمه الحافظ
ابوالفضل العراقى . مات في شعبان سنة اربع وثلاثين وسبعمائة ولم يخلف في مجموعه مثله .
ـ 12 ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله محلى محاسن السنة المحمدية بدرر اخبارها . ومجلى ميامن السيرة
النبوية عن غرر آثارها . ومؤيد من اقتبس نور هدايته من مشكاة انوارها .
ومسدد من التمس عز حمايته من ازرق سنانها وابيض بتارها . ومسهل طريق الجنة
لمن اتبع مستقيم صراطها واهتدى بضياء منارها . ومذلل سبيل الهداية لمن اقتفى
سرائر سيرها وسير اسرارها . احمده على ما اولى من نعم قعد لسان الشكر عن
القيام بمقدارها . واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغنا من
ميادين القبول غاية مضمارها وتسوغنا من مشارع الرحمة اصفى مواردها واعذب
انهارها واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذى ابتعثه وقد طمت ( 1 ) بحار الكفر بتيارها
وطغت شياطين الضلال بعنادها واصرارها . وعتت طائفة الاوثان وعبدة الاصنام
على خالقها وجبارها . فقام بأمره حتى تجلت غياهب ظلمها عن سنا ابدارها . وجاهد
في الله حق جهاده حتى اسفر ليل جهلها عن صباح نهارها . صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه الذين حازت نفوسهم الابية من مراضيه غاية اوطارها . وفازت من سماع مقاله
ورواية احواله ورؤية جلاله بملء مسامعها وافواهها وابصارها . وسلم تسليما كثيرا . * ( هامش ) * ( 1 ) اى ارتفعت وزادت ( * )
ـ 13 ـ
وبعد فلما وقفت على ما جمعه الناس قديما وحديثا من المجاميع في سير النبى صلى
الله عليه وسلم ومغازيه وايامه إلى غير ذلك مما يتصل به . لم ار الا مطيلا مملا او
مقصرا باكثر المقاصد مخلا . والمطيل اما معتن بالاسماء والانساب . والاشعار
والآداب او آخر يأخذ كل مأخذ في جمع الطرق و الروايات . ويصرف إلى ذلك
ما تصل اليه القدرة من العنايات . والمقصر لا يعدو المنهج الواحد . ومع ذلك فلا
بد وان يترك كثيرا مما فيه من الفوائد ، وان كانوا رحمهم الله هم القدوة في ذلك .
ومما جمعوه يستمد من اراد ما هنالك . فليس لى في هذا المجموع الا حسن الاختيار
من كلامهم . والتبرك بالدخول في نظامهم . غير ان التصنيف يكون في عشرة
انواع كما ذكره بعض العلماء فأحدها جمع ا لمتفرقات وهو ما نحن فيه فانى ارجو ان
الناظر في كتابى هذا لا يجد ما ضمنته اياه في مكان ولا مكانين ولا ثلاثة ولا اكثر
من ذلك الا بزيادة كثيرة تتعب القاصد وتتعذر بها على اكثر الناس المقاصد
فاقتضى ذلك ان جمعت هذه الاوراق وضمنتها كثيرا مما انتهى إلى من نسب سيدنا
ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومولده . ورضاعه . وفصاله . واقامته في
بنى سعد . وما عرض له هنالك من شق الصدر وغيره . ومنشائه وكفالة ع بدالمطلب
جده اياه إلى ان مات . وانتقاله إلى كفالة عمه ابى طالب بعد ذلك . وسفره إلى
الشام . ورجوعه منه . وما وقع له في ذلك السفر من اظلال الغمامة اياه واخبار
الكهان والرهبان عن نبوته . وتزويجه خديجة عليها السلام . ومبدأ البعث والنبوة
ونزول الوحى . وذكر قوم من السابقين الاولين في الدخول في الاسلام . وما كان
من الهجرتين إلى ارض الحبشة ، وانشقاق القمر ، وما عرض له بمكة من الحصار
بالشعب . وامر الصحيفة وخروجه إلى الطائف . ورجوعه بعد ذلك إلى مكة وذكر
ـ 14 ـ
العقبة . وبدء اسلام الانضار . والاسراء . والمعراج . وفرض الصلاة واخبار الهجرة
إلى المدينة ودخوله عليه السلام المدينة . ونزوله حيث نزل . وبناء المسجد واتخاذ
المنبر . وحنين الجذع . ومغازيه وسيره وبعوثه . وما نزل من الوحى في ذلك . وعمره
وكتبه إلى الملوك . واسلام الوفود . وحجة الوداع . ووفاته صلى الله عليه وسلم وغير
ذلك . ثم اتبعت ذلك بذكر اعمامه وعماته وازواجه واولاده وحليته وشمائله وعبيده
وامائه ومواليه وخيله وسلاحه وما يتصل بذلك مما ذكره العلماء في ذلك على سبيل
الاختصار والايجاز سالكا في ذلك ما اقتضاه التاريخ من ايراد واقعة بعد اخرى
لا ما اقتضاه الترتيب من ضم الشئ إلى شكله ومثله حاشا ذكر ازواجه واولاده
عليه السلام فانى لم اسق ذكرهم على ما اقتضاه التاريخ بل دخل ذلك كله فيما اتبعت
به باب المغازى والسير من باب الحلى والشمائل ولم استثن من ذلك الا ذكر تزويجه
عليه السلام خديجة عليها السلام لما وقع في امرها من اعلام النبوة .
وقد اتحفت الناظر في هذا الكتاب من طرف الاشعار بما يقف الاختيار
عنده . ومن نتف الانساب بما لا يعدو التعريف حده ومن عوالى الاسانيد بما
يستعذب الناهل ورده . ويستنجح الناقل قصده . وارحته من الاطالة بتكرار
ما يتكرر منها وذلك انى عمدت إلى ما يتكرر النقل منه من كتب الاحاديث
والسنن و المصنفات على الابواب والمسانيد وكتب المغازى والسير وغير ذلك مما
يتكرر ذكره فاذكر ما اذكره من ذلك باسانيدهم إلى منتهى ما في مواضعه واذكر
اسانيدى إلى مصنفى تلك الكتب في مكان واحد عند انتهاء الغرض من هذا
المجموع . واما ما لا يتكرر النقل منه الا قليلا او ما لا يتكرر منه نقل فما حصل من
الفوائد الملتقطة والاجزاء المتفرقة فانى اذكر تلك الاسانيد عند ذكر ما اورده بها
ليحصل بذلك الغرض من الاختصار وذكر الاسانيد مع عدم التكرار . فاما
الانساب فمن ذكرته استوعبت نسبه إلى ان يصل إلى فخذه او بطنه المشهور
ـ 15 ـ
او ابعد من ذلك من شعبه او قبيلته بحسب ما يقتضيه الحال ان وجدته فان تكرر
ذكره لم ارفع في نسبه واكتفيت بما سلف من ذلك غير انى انبه على المكان
الذى سبق فيه نسبه مرفوعا بعلامة ارسمها بالحمرة فمن ذكر في السابقين الاولين
اعلمت له " 3 " و للمهاجرين الاولين إلى ارض الحبشة " ها " وللثانية " هب "
ولمهاجرة المدينة " ه " ولاهل العقبة الاولى " عا " والثانية " عب " و للمذكورين في
النقباء " ق " ولاهل العقبة الثالثة " عج " وللبدريين " ب " ولاهل احد " ا " .
وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن اسحق اذ هو العمدة في هذا الباب
لنا ولغيرنا غير انى قد اجد الخبر عنده مرسلا وهو عند غيره غير مسندا فاذكره من
حيث هو مسند ترجيحا لمحل الاسناد . وان كانت في مرسل ابن اسحق زيادة
اتبعته بها ولم اتتبع اسناد مراسيله وانما كتبت ذلك بحسب ما وقع لى ، وكثيرا
ما انقل عن الواقدى من طريق محمد بن سعد وغيره اخبارا ولعل كثيرا منها
لا يوجد عند غيره فالى محمد بن عمر انتهى علم ذلك ايضا في زمانه ، وان كان قد
وقع لاهل العلم كلام في محمد بن اسحق وكلام في محمد بن عمر الواقدى اشد منه
فسنذكر نبذة مما انتهى إلى من الكلام فيهما جرحا وتعديلا فاذا انتهى ما انقله
من ذلك اخذت في الاجوبة عن الجرح فصلا فصلا بحسب ما يقتضيه النظر ويؤدى
اليه الاجتهاد والله الموفق : فأما ابن اسحق فهو محمد بن اسحق بن يسار بن خيار
ويقال ابن يسار بن كوثان ( 1 ) المدينى مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ابو
بكر وقيل ابو عبدالله رأى انس بن ملك وسعيد بن المسيب وسمع القاسم بن محمد
ابن ابى بكر الصديق وابان بن عثمان بن عفان ومحمد بن على بن الحسن بن على بن
ابى طالب وابا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف و عبدالرحمن بن هرمز الاعرج ونافعا
مولى ابن عمر والزهرى وغيرهم ، وحدث عنه ائمة العلماء منهم يحيى بن سعيد الانصارى
* (
هامش ) * ( 1 ) بضم الكاف وثاء مثلثة وآخره نون ( * )
ـ 16 ـ
وسفيان الثورى وابن جريج وشعبة والحمادان وابراهيم بن سعد وشريك
ابن عبدالله النخعى وسفيان بن عيينة ومن بعدهم . ذكر ابن المدينى عن سفيان
ابن عيينة انه سمع ابن شهاب يقول لا يزال بالمدينة علم ما بقى هذا يعنى ابن اسحق
وروى ابن ابى ذئب عن الزهرى انه رآه مقبلا فقال لا يزال بالحجاز علم كثير
ما بقى هذا الاحول بين اظهرهم ، وقال ابن علية : سمعت شعبة يقول محمد
ابن اسحق صدوق في الحديث ، من رواية يونس بن بكير عن شعبة : محمد بن اسحق
امير المحدثين وقيل له لم قال لحفظه ، وقال ابن ابي خيثمة حدثنا ابن المنذر عن
ابن عيينة انه قال ما يقول اصحابك في محمد بن اسحق قال قلت يقولون انه كذاب
قال لا تقل ذلك قال ابن المدينى سمعت سفيان بن عيينة سئل عن محمد بن اسحق
فقيل له ولم يرو اهل المدينة عنه قال جالسته منذ بضع وسبعين سنة وما يتهمه احد
من اهل المدينة ولا يقولون فيه شيئا ، وسئل ابوزرعة عنه فقال من تكلم في محمد بن
اسحق هو صدوق . وقال ابوحاتم يكتب حديثه وقال ابن المدينى مدار حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة فذكرهم ثم قال وصار علم الستة عند اثنى
عشر احدهم ابن اسحق . وسئل ابن شهاب عن المغازى فقال هذا اعلم الناس بها
يعنى ابن اسحق . وقال الشافعى من اراد ان يتبحر في المغازى فهو عيال على
ابن اسحق ، وقال احمد بن زهير سألت يحيى بن معين عنه فقال قال عاصم بن عمر
ابن قتادة لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن اسحق ، وقال ابن ابي خيثمة حدثنا
هرون بن معروف قال سمعت ابا معوية يقول كان ابن اسحق من احفظ الناس
فكان اذا كان عند الرجل خمسة احاديث او اكثر جاء فاستودعها محمد بن اسحق
فقال احفظها على فان نسيتها كنت قد حفظتها على . وروى الخطيب باسناد له إلى
ابن نفيل ثنا عبدالله بن فائد قال كنا اذا جلسنا إلى محمد بن اسحق فأخذ في
ـ 17 ـ
فن من العلم قضى مجلسه في ذلك الفن . وقال ابوزرعة عبدالرحمن بن عمر والنصرى ( 1 ) .
محمد بن اسحق قد اجمع الكبراء من اهل العلم على الاخذ عنه منهم سفيان
وشعبة وابن عيينة والحمادان وابن المبارك وابراهيم بن سعد وروى عنه من
الاكابر يزيد بن ابى حبيب . وقد اختبره اهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا
مع مدحة ابن شهاب له . وقد ذاكرت دحيما قول ملك يعنى فيه فرأى ان ذلك
ليس للحديث انما هو لانه اتهمه بالقدر ، وقال ابراهيم بن يعقوب الجوزجانى الناس
يشتهون حديثه وكان يرمى بغير نوع من البدع . وقال ابن نمير كان يرمى بالقدر
وكان ابعد الناس منه ، وقال البخارى ينبغى ان يكون له الف حديث ينفرد بها
لا يشاركه فيها احد وقال على بن المدينى عن سفيان ما رأيت احدا يتهم محمد بن اسحق
وقال ابوسعيد الجعفى كان ابن ادريس معجبا بابن اسحق كثير الذكر له ينسبه
إلى العلم والمعرفة والحفظ ، وقال ابراهيم الحربى حدثنى مصعب قال كانوا يطعنون
عليه بشئ من غير جنس الحديث ، وقال يزيد بن هارون ولو سود احد في الحديث
لسود محمد بن اسحق . وقال شعبة فيه امير المؤمنين في الحديث . وروى يحيى بن
آدم ثنا ابوشهاب قال قال لى شعبة بن الحجاج عليك بالحجاج بن ارطاة ( 2 ) وبمحمد بن
اسحق ، وقال ابن علية قال شعبة اما محمد بن اسحق وجابر الجعفى فصدوقان وقال يعقوب
ابن شيبة سألت ابن المدينى كيف حديث محمد بن اسحق صحيح ؟ قال نعم
حديثه عندى صحيح قلت له فكلام مالك فيه قال لم يجالسه ولم يعرفه ثم قال على
ابن اسحق اى شئ حدث بالمدينة قلت له فهشام بن عروة قد تكلم فيه قال على
الذى قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها وسمعت عليا
يقول ان حديث محمد بن اسحق ليتبين فيه الصدق يروى مرة حدثنى ابوالزناد ومرة ذكر
* (
هامش ) * ( 1 ) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة .
( 2 )
في الاصل " ارطاط " وهو غلط ظاهر . ( * )
ـ 18 ـ
أبوالزناد وروى عن رجل عن من سمع منه يقول حدثنى سفيان بن سعيد عن سالم أبى
النضر عن عمر " صوم يوم عرفة " وهو من أروى الناس عن أبى النضر ويقول حدثنى الحسن
ابن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في " سلف وبيع " وهو من أروى الناس عن
عمرو بن شعيب وقال على لم أجد لابن إسحق الا حديثين منكرين نافع عن ابن
عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة " والزهرى عن عروة
عن زيد بن خالد " إذا مس أحدكم فرجه " هذين لم يروهما عن أحد والباقون يقول ذكر
فلان ولكن هذا فيه ثنا ، وقال مرة وقع إلى من حديثه شئ فما انكرت منه إلا أربعة
أحاديث ظننت ان بعضه منه وبعضه ليس منه ، وقال البخارى رأيت على بن المدينى
يحتج بحديثه وقال لى نظرت في كتابه فما وجدت عليه الا حديثين ويمكن ان يكونا
صحيحين ، وقال العجلى ثقة ، وروى المفضل بن غسان عن يحيى بن معين ثبت في
الحديث ، وقال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معين عنه في نفسك شئ من
صدقه قال لا هو صدوق . وروى ابن أبى خيثمة عن يحيى ليس به بأس وقال ابن
المدينى قلت لسفيان كان ابن إسحق جالس فاطمة بنت المنذر فقال أخبرنى أنها
حدثته وأنه دخل عليها ، فاطمة هذه هى زوج هشام بن عروة وكان هشام ينكر على
ابن إسحق روايته عنها ويقول لقد دخلت بها وهى بنت تسع سنين وما رآها
مخلوق حتى لحقت بالله ، وقال الاثرم سألت أحمد بن حنبل عنه فقال هو حسن الحديث .
ـ 19 ـ
(
ذكر الكلام في محمد بن إسحق والطعن عليه )
روينا عن يعقوب بن شيبة قال سمعت محمد بن عبدالله بن نميرو ذكر ابن إسحق
فقال إذ حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتى
من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة ، وقال أبوموسى محمد بن المثنى ما سمعت
يحيى القطان يحدث عن ابن إسحق شيئا قط ، وقال الميمونى ثنا ابوعبد الله
احمد بن حنبل بحديث استحسنه عن محمد بن إسحق وقلت له يا أبا عبدالله
ما أحسن هذه القصص التى يجئ بها ابن إسحق فتبسم إلى متعجبا ، وروى
ابن معين عن يحيى بن القطان أنه كان لا يرضى محمد بن إسحق ولا يحدث
عنه ، وقال عبد الله بن أحمد وسأله رجل عن محمد بن أسحق فقال كان أبى يتتبع
حديثه ويكتبه كثيرا بالعلو والنزول ويخرجه في المسند وما رأيته اتقى حديثه
قط قيل له يحتج به قال لم يكن يحتج به في السنن ، وقيل لاحمد يا أبا عبدالله :
اذا تفرد بحديث تقبله قال لا والله إنى رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد
ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا وقال ابن المدينى مرة هو صالح وسط وروى الميمونى
عن ابن معين ضعيف . وروى عنه غيره ليس كذلك وروى الدورى عنه ثقة
ولكنه ليس بحجة ، وقال ابوزرعة عبدالرحمن بن عمرو قلت ليحيى بن معين
وذكرت له الحجة فقلت محمد بن اسحق منهم فقال كان ثقة إنما الحجة عبيد الله
ابن عمر وملك بن أنس وذكر قوما آخرين ، وقال أحمد بن زهير سئل يحيى عنه مرة
فقال ليس بذاك ضعيف قال وسمعته مرة اخرى يقول هو عندى سقيم ليس بالقوى وقال
النسائى ليس بالقوى وقال البرقانى سألت الدارقطنى عن محمد بن إسحق بن يسار
ـ 20 ـ
عن أبيه فقال جميعا لا يحتج بهما وإنما يعتبر بهما ، وقال على قلت ليحيى بن سعيد
كان ابن إسحق بالكوفة وأنت بها قال نعم قلت تركته متعمدا قال نعم ولم أكتب
عنه حديثا قط ، وروى ابوداود عن حماد بن سلمة قال لولا الاضطرار ما حدثت
عن محمد بن اسحق وقال احمد قال ملك وذكره فقال دجال من الدجاجلة ، وروى الهيثم
ابن خلف الدورى ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا ابوداود صاحب الطيالسة قال حدثني
من سمع هشام بن عروة وقيل له إن ابن إسحق يحدث بكذا وكذا عن فاطمة
فقال كذب الخبيث ، وروى القطان عن هشام أنه ذكره فقال العدو لله الكذاب
يروى عن امرأتى من أين رآها وقال عبدالله بن أحمد فحدثت أبى بذلك
فقال وما ينكر لعله جاء فاستأذن عليها فأذنت له احسبه قال
ولم يعلم ، وقال مالك كذاب وقال ابن ادريس قلت لمالك وذكر المغازى
فقلت له قال ابن إسحق أنا بيطارها فقال نحن نفيناه عن المدينة ، وقال
مكى بن ابراهيم جلست إلى محمد بن اسحق وكان يخضب بالسواد فذكر
أحاديث في الصفة فنفرت منها فلم أعد اليه وقال مرة تركت حديثه وقد سمعت
منه بالرى عشرين مجلسا . وروى الساجى عن المفضل بن غسان حضرت يزيد
ابن هرون وهو يحدث بالبقيع وعنده ناس من أهل المدينة يسمعون منه حتى حدثهم
عن محمد بن إسحق فأمسكوا وقالوا لا تحدثنا عنه نحن أعلم به فذهب يزيد
يحاولهم فلم يقبلوا فأمسك يزيد ، وقال أبوداود سمعت أحمد بن حنبل ذكره فقال
كان رجلا يشتهى الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه ، وسئل أبو عبدالله
ايما أحب اليك موسى بن عبيدة الربذى أو محمد بن إسحق قال لا محمد بن إسحق
وقال أحمد كان يدلس إلا ان كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعا قال حدثنى
وإذا لم يكن قال قال ، وقال ابو عبدالله قدم محمد بن إسحق إلى بغداد فكان
لا يبالى عمن يحكى عن الكلبى وغيره وقال ليس بحجة ، وقال الفلاس كنا عند
ـ 21 ـ
وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال أين كنتم فقلنا كنا
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 21 سطر 1 الى ص 30 سطر 23
وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال أين كنتم فقلنا كنا
عند وهب بن جرير يعنى نقرأ عليه كتاب المغازى عن أبيه عن ابن إسحق فقال
تنصرفون من عنده بكذب كثير ، وقال عباس الدورى سمعت أحمد بن حنبل
وذكر محمد بن إسحق فقال أما في المغازى وأشباهه فيكتب وأما في الحلال والحرام
فيحتاج إلى مثل هذا ومديده وضم أصابعه ، وروى الاثرم عن أحمد كثير التدليس جدا
أحسن حديثه عندى ما قال أخبرنى وسمعت ، وعن ابن معين ما أحب ان أحتج به في
الفرائض . وقال ابن أبى حاتم ليس بالقوى ضعيف الحديث وهو أحب إلى من افلح
ابن سعيد يكتب حديثه ، وقال سليمان التيمى كذاب وقال يحيى القطان ما تركت حديثه
إلا لله أشهد أنه كذاب وقد قال يحيى بن سعيد قال لى وهيب بن خالد أنه كذاب
قلت لوهيب ما يدريك قال قال لى مالك أشهد أنه كذاب قلت لمالك ما يدريك
قال قال لى هشام بن عروة أشهد أنه كذاب قلت لهشام ما يدريك قال حدث
عن امرأتى فاطمة الحديث . قلت والكلام فيه كثير جدا وقد قال أبوبكر
الخطيب قد احتج بروايته في الاحكام قوم من أهل العلم وصدف عنها آخرون
وقال في موضع آخر قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحق غير واحد من
العلماء لاسباب منها أنه كان يتشيع وينسب إلى القدر ويدلس وأما الصدق
فليس بمدفوع عنه إنتهى كلام الخطيب . وقد استشهد به البخارى . وأخرج له
مسلم متابعة واختار أبوالحسن بن القطان أن يكون حديثه من باب الحسن لاختلاف
الناس فيه . وأما روايته عن فاطمة فروينا عن أبى بكر الخطيب قال أنا القاضى
ابوبكر أحمد بن الحسن الحرشى ثنا ا بوالعباس محمد بن يعقوب الاصم ثنا أبو
زرعة عبدالرحمن بن عمرو بدمشق ثنا أحمد بن خالد الوهبى ثنا محمد بن إسحق
عن فاطمة بنت المنذر عن اسماء بنت أبى بكر قالت سمعت امرأة وهى تسأل
النبى صلى الله عليه وسلم فقالت ان لى ضرة وأنى اتشبع من زوجى بمالم يعطنيه
ـ 22 ـ
لتغيظها بذلك قال " المتشبع بمالم يعط كلابس ثوبى زور " وقال ابوالحسن بن القطان
الحديث الذى من أجله وقع الكلام في ابن إسحق من روايته عن فاطمة حتى قال
هشام إنه كذاب وتبعه في ذلك مالك وتبعه يحيى بن سعيد وتابعوا بعدهم تقليدا لهم
حديث " فلتقرصه ولتنضح ( 1 ) مالم ترو لتصل فيه " وقد روينا من حديثه عنها غير ذلك .
(
ذكر الاجوبة عما رمى به )
قلت أما ما رمى به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب رد روايته ولا يوقع
فيها كبير وهن وأما التدليس فمنه القادح في العدالة وغيره ولا يحمل ما وقع هاهنا
من مطلق التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة ، وكذلك القدر والتشيع
لا يقتضى الرد إلا بضميمة أخرى ولم نجدها هاهنا . وأما قول مكى بن ابراهيم
أنه ترك حديثه ولم يعد اليه فقد علل ذلك بأنه سمعه يحدث أحاديث في الصفات
فنفر منه وليس في ذلك كبير أمر فقد ترخص قوم من السلف في رواية المشكل
من ذلك وما يحتاج إلى تأويله لا سيما إذا تضمن الحديث حكما أو أمرا آخرا وقد تكون
هذه الاحاديث من هذا القبيل . وأما الخبر عن يزيد بن هرون أنه حدث أهل
المدينة عن قوم فلما حدثهم عنه أمسكوا فليس فيه ذكر لمقتضى الامساك واذا لم
يذكر لم يبق إلا ان يحول الظن فيه وليس لنا ان نعارض عدالة مقبولة بما قد تظنه
جرحا ، وأما ترك يحيى القطان حديثه فقد ذكرنا السبب في ذلك وتكذيبه إياه رواية
عن وهيب بن خالد عن مالك عن هشام فهو ومن فوقه في هذا الاسناد تبع
لهشام وليس ببعيد من ان يكون ذلك هو المنفر لاهل المدينة عنه في الخبر السابق
* (
هامش ) * ( 1 ) النضح : الرش ، ويأتى بمعنى الغسل . ( * )
ـ 23 ـ
عن يزيد بن هارون وقد تقدم الجواب عن قول هشام فيه عن احمد بن حنبل
وعلى بن المدينى بما فيه مغنى . وأما قول ابن نمير انه يحدث عن المجهولين أحاديث
باطلة فلو لم ينقل توثيقه وتعديله لتردد الامر في التهمة بما بينه وبين من نقلها عنه
وأما مع التوثيق والتعديل فالحمل فيها على المجهولين المشار اليهم لا عليه ، وأما الطعن
على العالم بروايته عن المجهولين فغريب قد حكى ذلك عن سفيان الثورى وغيره
وأكثر ما فيه التفرقة بين بعض حديثه وبعض فيرد ما رواه عن المجهولين ويقبل
ما حمله على المعروفين . وقد روينا عن أبى عيسى الترمذى قال سمعت محمد بن
بشار يقول سمعت عبدالرحمن بن مهدى يقول ألا تعجبون من سفيان بن عيينة
لقد تركت لجابر الجعفى لما حكى عنه أكثر من الف حديث ثم هو يحدث عنه قال
الترمذى وقد حدث شعبة عن جابر الجعفى وإبراهيم الهجرى ومحمد بن عبيد الله
العرزمى وغير واحد ممن يضعف في الحديث وأما قول أحمد يحدث عن جماعة
بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا وقد تتحد الفاظ الجماعة وان
تعددت اشخاصهم وعلى تقدير أن لا يتحد اللفظ فقد يتحد المعنى روينا عن واثلة
ابن الاسقع قال إذا حدثتكم على المعنى فحسبكم . وروينا عن محمد بن سيرين قال
كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد ، وقد تقدم من كلام ابن
المدينى أن حديثه ليتبين فيه الصدق يروى مرة حدثنى أبوالزناد ومرة ذكر أبوالزناد
الفصل إلى آخره ما يصلح لمعارضة هذا الكلام ، واختصاص ابن المدينى سفيان
معلوم كما علم اختصاص سفيان بمحمد بن إسحق . وأما قوله كان يشتهى الحديث
فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه فلا يتم الجرح بذلك حتى ينفى ان تكون
مسموعة له ويثبت أن يكون حدث بها ثم ينظر بعد ذلك في كيفية الاخبار فان
كان بألفاظ لا تقتضى السماع تصريحا فحكمه حكم المدلسين ولا يحسن الكلام معه
إلا بعد النظر في مدلول تلك الالفاظ وان كان يروى ذلك عنهم مصرحا بالسماع
ـ 24 ـ
ولم يسمع فهذا كذب صراح واختلاق محض لا يحسن الحمل عليه إلا إذا لم يجد
للكلام مخرجا غيره . وأما قوله لا يبالى عمن يحكى عن الكلبى وغيره فهو أيضا
إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء لمحل ابن الكلبى من التضعيف والراوى
عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلسه
فان صرح به فليس فيه كبير أمر روى عن شخص ولم يعلم حاله أو علم وصرح به
ليبرأ من العهدة . وان دلسه فاما ان يكون عالما بضعفه أولا فان لم يعلم فالامر في
ذلك قريب وان علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره واخفائه ترويج الخبر حتى
يظن أنه من أخبار أهل الصدق وليس كذلك فهذه جرجة من فاعلها وكبيرة من
مرتكبها وليس في اخبار أحمد عن ابن إسحق ما يقتضى روايته عن الضعيف
وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبنى على ذلك قدح أصلا . وجواب ثان محمد بن
إسحق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ فقد يميز من حديث الكلبى وغيره مما
يجرى مجراه ما يقبل مما يرد فيكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه وقد قال يعلى بن
عبيد قال لنا سفيان الثورى اتقوا الكلبى فقيل له فانك تروى عنه فقال أنا أعرف
صدقه من كذبه ثم غالب ما يروى عن الكلبى أنساب واخبار من أحوال الناس
وأيام العرب وسيرهم وما يجرى مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن
لا تحمل عنه الاحكام وممن حكى عنه الترخص في ذلك الامام أحمد وممن حكى
عنه التسوية في ذلك بين الاحكام وغيرها يحيى بن معين وفى ذلك بحث ليس
هذا موضعه . وأما قول عبدالله عن أبيه لم يكن يحتج به في السنن فقد يكون
لما أنس منه التسامح في غير السنن التى هى جل علمه من المغازى والسير طرد
الباب فيه وقاس مروياته من السنن على غيرها وطرد الباب في ذلك يعارضه تعديل
من عدله ، وأما قول يحيى ثقة وليس بحجة فيكفينا التوثيق ولو لم يكن يقبل الامثل
العمرى ومالك لقل المقبولون . وأما ما نقلناه عن يحيى بن سعيد من طريق ابن المدينى
ـ 25 ـ
ووهب بن جرير فلا يبعد ان يكون قلد مالكا لانه روى عنه قول هشام فيه وأما قول يحيى
ما أحب ان احتج به في الفرائض فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الامام
أحمد رحمهم الله على أن المعروف عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين
المرويات من أحكام وغيرها والقبول مطلقا أو عدمه من غير تفصيل
وأما ما عدا ذلك من الطعن فأمور غير مفسرة ومعارضة في الاكثر من
قائلها بما يقتضى التعديل وممن يصحح حديثه ويحتج به في الاحكام أبو عيسى
الترمذى رحمه الله وأبوحاتم بن حبان ولم نتكلف الرد عن طعن الطاعنين
فيه الا لما عارضه من تعديل العلماء له وثنائهم عليه ولولا ذلك لكان اليسير
من هذا الجرح كافيا في رده اخباره اذ اليسير من الجرح المفسر منه وغير
المفسر كاف في رد من جهلت حاله قبله ولم يعدله معدل وقد ذكره ابوحاتم
ابن حبان في كتاب الثقات له فاعرب عما في الضمير فقال تكلم فيه رجلان
هشام ومالك فاما هشام فأنكر سماعه من فاطمة ، والذى قاله ليس مما يجرح به
الانسان في الحديث وذلك ان التابعين كالاسود وعلقمة سمعوا من عائشة
من غير أن ينظروا اليها بل سمعوا صوتها وكذلك ابن اسحق كان يسمع
من فاطمة والستر بينهما مسبل قال وأما مالك فانه كان ذلك منه مرة واحدة
ثم عاد له إلى ما يحب وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس
وأيامهم من ابن اسحق وكان يزعم أن مالك من موالى ذى أصبح وكان مالك
يزعم أنه من أنفسها فوقع بينهما لذلك مفاوضة فلما صنف مالك الموطأ قال ابن
اسحق إئتونى به فأنا بيطاره فنقل ذلك إلى مالك فقال هذا دجال من الدجاجلة
يروى عن اليهود ، وكان بينهما ما يكون بين الناس حتى عزم محمد
على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ وأعطاه عند الوداع خمسين دينارا
ونصف ثمرته تلك السنة . ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث انما كان
ـ 26 ـ
ينكر عليه تتبعه غزوات النبى صلى الله عليه وسلم من اولاد اليهود الذين أسلموا
وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغرائب عن اسلافهم .
وكان بن اسحق يتتبع ذلك عنهم ليعلم ذلك من غير ان يحتج بهم وكان مالك
لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق . قلت ليس ابن اسحق أبا عذرة هذا القول في
نسب مالك فقد حكى شئ من ذلك عن الزهرى وغيره ، والرجل أعلم بنسبه
وتأبى له عدالته وامامته ان يخالف قوله علمه ، وأما قول ابن اسحق أنا جهبذها فقد
أتى أمرا إمرا وارتقى مرتقى وعرا ولم يدر ما هنالك من زعم أنه في الاتقان كمالك
وقد القته آماله في المهالك من انفه في الثرى وهو يطاول النجوم الشوابك .
وأما الواقدى فهو محمد بن عمر بن واقد أبو عبدالله المدينى سمع ابن أبى ذئب
ومعمر بن زاشد ومالك بن أنس ومحمد بن عبدالله ابن أخى الزهرى ومحمد بن عجلان
وربيعة بن عثمان وابن جريج وأسامة بن زين وعبد الحميد بن جعفر والثورى وأبا
معشر وجماعة ، روى عنه كاتبه محمد بن سعد وأبوحسان الزيادى ومحمد بن إسحق
الصاغانى وأحمد بن الخليل البرجلانى و عبدالله بن الحسين الهاشمى وأحمد بن
عبيد بن ناصح ومحمد بن شجاع الثلجى والحرث بن أبى أسامة وغيرهم . ذكره
الخطيب أبوبكر وقال هو ممن طبق شرق الارض وغربها ذكره ولم يخف على
احد عرف أخبار الناس أمره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازى
والسير والطبقات وأخبار النبى صلى الله عليه وسلم والاحداث التى كانت في وقته
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك
وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء ، وقال ابن سعد : محمد بن عمر بن واقد أبوعبد
الله مولى عبدالله بن بريدة الاسلمى كان من أهل المدينة قدم بغداد في سنة
ثمانين ومائة في دين لحقه فلم يزل بها وخرج إلى الشام والرقة ثم رجع إلى بغداد
فلم يزل بها إلى أن قدم المامون من خراسان فولاه القضاء بعسكر المهدى فلم يزل قاضيا
ـ 27 ـ
حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لاحدى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع
ومائتين ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة وذكر انه
ولد سنة ثلاثين ومائة في آخر خلافة مروان بن محمد . وكان عالما بالمغازى واختلاف
الناس واحاديثهم ، وقال محمد بن خلاد سمعت محمد بن سلام الجمحى يقول : محمد بن
عمر الواقدى عالم دهره . وقال ابراهيم الحربى : الواقدى آمن الناس على اهل الاسلام
وقال الحربى ايضا كان الواقدى اعلم الناس بأمر الاسلام فأما الجاهلية فلم يعمل
فيها شيئا ، وقال يعقوب بن شيبة لما انتقل الواقدى من الجانب الغربى إلى ها هنا
يقال انه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر وقيل كانت كتبه ستمائة قمطر ( 1 ) وقال
محمد بن جرير الطبرى قال ابن سعد كان الواقدى يقول ما من احد الا وكتبه
اكثر من حفظه وحفظى اكثر من كتبى . وروى غيره عنه قال ما ادركت
رجلا من ابناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته هل سمعت احدا من
أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل فاذا أعلمنى مضيت إلى الموضع فأعاينه
ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت اليها ، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى
الموضع حتى أعاينه او نحو هذا الكلام ، وقال ابن منيع سمعت هرون الفروى يقول
رأيت الواقدى بمكة ومعه ركوة فقلت اين تريد قال اريد أن أمضى إلى
حنين حتى أرى الموضع والوقعة ، وقال ابراهيم الحربى سمعت المسيبى يقول رأيت
الواقدى يوما جالسا إلى اسطوانة في مسجد المدينة وهو يدرس فقلنا له أى شئ
تدرس فقال حزبى من المغازى . وروينا عن أبى بكر الخطيب قال وأنا الازهرى
قال أنا محمد بن العباس قال أنا أبوأيوب قال سمعت ابراهيم الحربى يقول وأخبرنى
إبراهيم بن عمر البرمكى ثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبرى ثنا محمد
ابن أيوب بن المعافى قال قال ابراهيم الحربى سمعت المسيبى يقول قلنا للواقدى
* (
هامش ) * ( 1 ) الوقر بالكسر : الحمل النقيل ، والقمطر : ما تصان فيه الكتب . ( * )
ـ 28 ـ
هذا الذى تجمع الرجال تقول ثنا فلان وفلان وجئت بمتن واحد لو حدثتنا بحديث
كل رجل على حدة قال يطول فقلنا له قد رضينا قال فغاب عنا جمة ثم أتانا بغزوة
احد عشرين جلدا وفى حديث البرمكى مائة جلد فقلنا له ردنا إلى الامر الاول .
معنى اللفظين متقارب ، وعن يعقوب بن شيبة قال ومما ذكر لنا ان مالكا سئل عن
قتل الساحرة فقال أنظروا هل عند الواقدى في هذا شئ فذاكروه ذلك فذكر شيئا
عن الضحاك بن عثمان فذكروا أن مالكا قنع به . وروى أن مالكا سئل عن المرأة التى
سمت النبى صلى الله عليه وسلم بخيبر ما فعل بها فقال ليس عندى بها علم وسأسأل
أهل العلم قال فلقى الواقدى قال يا ابا عبدالله ما فعل النبى صلى الله عليه وسلم
بالمرأة التى سمته بخيبر فقال الدى عندنا انه قتلها فقال مالك قد سألت اهل العلم فأخبرونى
انه قتلها . وقال ابوبكر الصاغانى لولا انه عندى ثقة ما حدثت عنه ، حدث عنه
اربعة ائمة ابوبكر بن ابى شيبة وابوعبيد واحسبه ذكر ابا خيثمة ورجلا آخر . وقال
عمرو الناقد قلت للدراوردى الواقدى فقال ذلك امير المؤمنين في الحديث
وسئل ابوعامر العقدى عن الواقدى فقال نحن نسأل عن الواقدى انما يسأل هو ( 1 )
عنا ما كان يفيدنا الاحاديث والشيوخ بالمدينة الا الواقدى . وقال الواقدى لقد كانت
الواحى تضيع فأؤتى بها من شهرتها بالمدينة يقال هذه الواح ابن واقد . وقال مصعب
الزبيرى والله ما رأينا مثله قط قال مصعب وحدثنى من سمع عبدالله بن المبارك
يقول كنت اقدم المدينة فما يفيدنى ولا يدلنى على الشيوخ الا الواقدى . وقال
مجاهد بن موسى ما كتبت عن احد احفظ منه . وسئل عنه مصعب الزبيرى فقال
ثقة مأمون وكذلك قال المسيبى . وسئل عنه معن بن عيسى فقال انا اسأل عنه
هو يسأل عنى . وسئل عنه ابويحيى الزهرى فقال ثقة مأمون . وسئل عنه ابن
* (
هامش ) * ( 1 ) في نسخة دار الكتب " الواقدى " مكان " هو " . ( * )
ـ 29 ـ
نمير فقال اما حديثه عنا فمستو واما حديث اهل المدينة فهم اعلم به . وقال يزيد
ابن هارون ثقة . وقال عباس العنبرى هو احب إلى من عبدالرزاق . وقال ابوعبيد
القاسم بن سلام ثقة . وقال ابراهيم واما فقه ابى عبيد فمن كتاب محمد بن عمر
الواقدى الاختلاف والاجماع كان عنده . وقال ابراهيم الحربى من قال ان مسائل
مالك بن انس وابن ابى ذئب تؤخذ عمن هو اوثق من الواقدى فلا يصدق لانه يقول
سألت مالكا وسألت ابن ابى ذئب . وقال ابراهيم بن جابر : حدثنى عبدالله بن
احمد بن حنبل قال كتب ابى عن ابى يوسف ومحمد ثلاثة قماطر قلت له كان
ينظر فيها قال كان ربما نظر فيها وكان اكثر نظره في كتب الواقدى . وسئل
ابراهيم الحربى عما انكره احمد على الواقدى فقال انما انكر عليه جمعه الاسانيد
ومجيئه بالمتن واحدا . وقال ابراهيم وليس هذا عيبا فقد فعل هذا الزهرى وابن
اسحق . قال ابراهيم لم يزل احمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن اسحق إلى
محمد بن سعد فيأخذ له جزءين من حديث الواقدى فينظر فيهما ثم يردهما ويأخذ
غيرهما ، وكان احمد بن حنبل ينسبه لتقليب الاخبار كأنه يجعل ما لمعمر لابن
اخى الزهرى وما لابن اخى الزهرى لمعمر ، واما الكلام فيه فكثير جدا قد
ضعف ونسب إلى وضع الحديث وقال احمد هو كذاب وقال يحيى ليس بثقة .
وقال البخارى والرازى والنسائى متروك الحديث وللنسائى فيه كلام اشد
من هذا وقال الدارقطنى ضعيف ، وقال ابن عدى احاديثه غير محفوظة والبلاء منه .
قلت سعة العلم مظنة لكثرة الاغراب وكثرة الاغراب مظنة للتهمة والواقدى
غير مدفوع عن سعة العلم فكثرت بذلك غرائبه . وقد روينا عن على بن المديني
انه قال . للواقدى عشرون ألف حديث لم نسمع بها . وعن يحيى بن معين اغرب
الواقدى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين ألف حديث وقد روينا عنه من تتبعه
آثار مواضع الوقائع وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال
ـ 30 ـ
سلفهم ما يقتضى انفرادا بروايات وأخبار لا تدخل تحت الحصر وكثيرا ما يطعن في
الراوى برواية وقعت له من انكر تلك الرواية عليه واستغربها منه ثم يظهر له
أو لغيره بمتابعة متابع أو سبب من الاسباب براءته من مقتضى الطعن فيتخلص
بذلك من العهدة . وقد روينا عن الامام أحمد رحمه الله ورضى عنه أنه قال ما زلنا
ندافع أمر الواقدى حتى روى عن معمر عن الزهرى عن نبهان عن أم سلمة عن
النبى صلى الله عليه وسلم " افعمياوان انتما " فجاء بشئ لا حيلة فيه والحديث حديث يونس لم
يروه غيره . وروينا عن احمد بن منصور الرمادى قال قدم على بن المدينى بغداد سنة
سبع ومائتين والواقدى يومئذ قاض علينا وكنت أطوف مع على على الشيوخ
الذين يسمع منهم فقلت أتريد أن تسمع من الواقدى ثم قلت له بعد ذلك
لقد أردت ان اسمع منه فكتب إلى أحمد بن حنبل كيف تستحل الرواية عن رجل
روى عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة وهذا حديث يونس تفرد به قال
أحمد بن منصور الرمادى فقدمت مصر بعد ذلك فكان ابن أبى مريم يحدثنا به
عن نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن نبهان ، قود رواه أيضا يعقوب
ابن سفيان عن سعيد بن أبى مريم عن نافع بن يزيد كرواية الرمادى قال الرمادى
فلما فرغ ابن أبى مريم من هذا الحديث ضحكت فقال مم تضحك ؟ فأخبرته
بما قال على وكتب اليه أحمد فقال لى ابن ابى مريم إن شيوخنا المصريين
لهم عناية بحديث الزهرى وكان الرمادى يقول هذا مما ظلم فيه الواقدى : فقد ظهر
في هذا الخبر أن يونس لم ينفرد به وإذ قد تابعه عقيل فلا مانع من أن يتابعه
معمر وحتى لو لم يتابعه عقيل لكان ذلك محتملا وقد يكون فيما رمى به من تقليب
الاخبار ما ينحو هذا النحو . قد أثبتنا من كلام الناس في الواقدى ما يعرف به
حاله والله الموفق . وربما حصل إعلام في بعض الاحيان بغريبة توجد في الخبر وتنبيه على
مشكل يقع فيه متنا أو اسنادا على وجه الايماء والاشارة لا على سبيل التقصى وبسط العبارة .
ـ 31 ـ
وسميته بعيون الاثر في فنون المغازى والشمائل والسير . والله المسؤل أن يجعل
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 31 سطر 1 الى ص 40 سطر 23
وسميته بعيون الاثر في فنون المغازى والشمائل والسير . والله المسؤل أن يجعل
ذلك لوجهه الكريم خالصا وأن يؤوينا إلى ظله اذا الظل أضحى في القيامة قالصا
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى .
ـ 33 ـ
(
ذكر نسب سيدنا ونبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم )
محمد بن عبدالله بن ع بدالمطلب ويدعى شيبة الحمد بن هاشم وهو عمرو العلى
ابن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصى ويسمى زيدا ويدعى مجمعا أيضا قال الشاعر :
أبوكم قصى كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر
ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
هذا هو الصحيح المجمع عليه في نسبه ، وما فوق ذلك مختلف فيه . ولا خلاف
ان عدنان من ولد اسماعيل نبى الله بن ابراهيم خليل الله عليهما السلام وانما الخلاف
في عدد من بين عدنان واسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذلك من ابراهيم إلى
آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله : روينا عن ابن سعد أخبرنا
هشام أخبرنى أبى أبوسلمة عن ابى صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى
صلى الله عليه وسلم كان اذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك ويقول كذب
النسابون قال الله عزوجل وقرونا بين ذلك كثيرا . وقال ابن عباس لو شاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لعلمه . وعن عائشة رضى الله عنها ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء
عدنان ولا قحطان إلا تخرصا . وقد روى نحو ذلك عن عمر وعكرمة وغير واحد .
والذى رجحه بعض النسابين في نسب عدنان انه ابن أد بن أدد بن اليسع بن
الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن الذبيح اسماعيل بن الخليل
ابراهيم بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ
ـ 34 ـ
ابن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبى
عليه السلام بن يارد بن مهلاييل بن قنيان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم
عليهما أفضل الصلاة والسلام .
أخبرنا أحمد بن ابراهيم القاروثى الامام بدمشق انبأ الحسين بن على العلوى
ببغداد انبأ ابن ناصر قراءة عليه وانا أسمع انبأ أبوطاهر بن أبى الصقر الانبارى
أنبأ القاضى أب والبركات احمد بن عبدالواحد بن الفضل الفراء انبأ الشريف
ابوجعفر محمد بن عبدالله بن ظاهر الحسينى ثنا ابوسليمان احمد بن محمد بن
المكى بالمدينة سنة تسع وتسعين ومائتين ثنا ابراهيم بن حمزة الزبيرى ثنا عبد
العزيز بن محمد الدراوردى عن ابن ابى ذئب عمن لا يتهم عن عمرو بن العاصى فذكر
حديثا وفيه قال يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اختار العرب على الناس واختارنى
على من انا منه ثم انا محمد بن عبدالله حتى بلغ النضر بن كنانة ثم قال فمن قال
غير هذا فقد كذب . وبه عن عبدالعزيز بن محمد عن ابن أبى ذئب عن جبير بن
أبى صالح عن ابن شهاب عن سعد بن ابى وقاص قال قيل يا رسول الله قتل فلان
لرجل من ثقيف فقال أبعده الله انه كان يبغض قريشا . وروينا من طريق مسلم
ثنا محمد بن مهران الرازى ومحمد بن عبدالرحيم بن سهم جميعا عن الوليد بن مسلم
ثنا ابن مهران ثنا الاوزاعى عن أبى عمار شداد أنه سمع واثلة بن الاسقع يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل
واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم .
والعرب على ست طبقات : شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة . وسميت
الشعوب لان القبائل تشعبت منها . وسميت القبائل لان العمائر تقابلت عليها
فالشعب تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن تجمع
ـ 35 ـ
الافخاذ ، والفخذ تجمع الفصائل : فيقال مضر شعب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنانة قبيلته
وقريش عمارته وقصى بطنه وهاشم فخذه وبنو العباس فصيلته . هذا قول الزبير ،
وقيل بنو ع بدالمطلب فصيلته وعبد مناف بطنه وسائر ذلك كما تقدم . وقيل بعد
الفصيلة العشيرة وليس بعد العشيرة شئ . وقيل الفصيلة هى العشيرة وقيل غير ذلك .
(
ذكر تزويج عبد الله بن ع بدالمطلب )
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
وكانت في حجر عمها وهيب بن عبد مناف
قال الزبير : وكان عبدالله أحسن رجل رؤى في قريش قط وكان أبوه عبد
المطلب قد مر به فيما يزعمون على امرأة من بنى أسد بن عبدالعزى وهى أخت
ورقة بن نوفل وهى عند الكعبة فقالت له اين تذهب يا عبدالله قال مع ابى قالت
لك مثل الابل التى نحرت عنك وكانت مائة وقع على الآن قال أنا مع ابى ولا
استطيع خلافه ولا فراقه وانشد بعض اهل العلم في ذلك لعبد الله بن ع بدالمطلب ( 1 )
أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه
كيف بالامر الذى تبغينه
أخبرنا الامام العلامة أ بوالعباس احمد بن ابراهيم الواسطى سماعا بدمشق
انبأ الامير أبومحمد الحسن بن على العلوى ببغداد سماعا عليه قال أخبرنا الحافظ
* (
هامش ) * ( 1 ) هنا في هامش نسخة دار الكتب المصرية : بلغ . ( * )
ـ 36 ـ
أبوالفضل محمد بن ناصر بن محمد بن على السلامى قراءة عليه وانا اسمع قال أنبأ أبو
طاهر بن أبى الصقر أنبأ القاضى أب والبركات احمد بن ع بدالوهاب الفراء أنبأ
الشريف أبوجعفر محمد بن عبدالله الحسينى ثنا ابوبكر الخضر بن داود بمكة ثنا
الزبير بن بكار حدثنى سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال ( لقد
جاءكم رسول من أنفسكم ) قال أحدكم من أنفسكم لم يصبه شئ من ولادة الجاهلية
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خرجت من نكاح ولم أخرج من
سفاح " . وروينا عن ابن سعد قال انبأ هشام بن محمد بن السائب الكلبى عن ابيه
قال كتبت للنبى صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من
أمر الجاهلية . وروينا مرفوعا من حديث ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما ان
النبى صلى الله عليه وسلم قال " خرجت من نكاح غير سفاح " .
رجع إلى الاول : فخرج به ع بدالمطلب حتى أتى به وهيب بن عبد مناف
ابن زهرة وهو يومئذ سيد بنى زهرة سنا وشرفا فزوجه آمنة بنت وهب وهى يومئذ
أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه
ووقع عليها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها فأتى المرأة التى عرضت
عليه ما عرضت فقال لها مالك لا تعرضين على اليوم ما عرضت بالامس فقالت له
فارقك النور الذى كان معك بالامس فليس لى بك اليوم حاجة وقد كانت سمعت
من أخيها ورقة بن نوفل انه كائن في هذه الامة نبى . قال ابوعمر كان تزوجها
وعمره ثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وقيل بينهما ثمانية وعشرون عاما . وتزوج
ع بدالمطلب في ذلك المجلس هالة بنت وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة
والمقوم وحجلا وصفية أم الزبير . قال محمد بن السائب الكلبى : لما تزوج عبدالله
ابن ع بدالمطلب آمنة أقام عندها ثلاثا وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل
الرجل على امرأته في أهلها .
ـ 37 ـ
(
ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم )
قال ابن اسحاق ويزعمون فيها يتحدث الناس والله أعلم أن أمه كانت تحدث أنها
أتيت حين حملت به فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الامة فاذا وقع إلى الارض
فقولى أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا . ومن طريق محمد بن عمر
عن على بن زيد عن عبدالله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت كنا نسمع
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول
ما شعرت بأنى حملت به ولا وجدت له ثقلة ( 1 ) كما يجد النساء إلا أنى أنكرت
رفع حيضتى ، وربما كانت تقول وأتانى آت وأنا بين النائم واليقظان فقال
هل شعرت أنك حملت فكأنى أقول ما أدرى فقال إنك قد حملت بسيد هذه
الامة ونبيها وذلك يوم الاثنين الحديث وأمهلنى حتى دنت ولادتى أتانى فقال
قولى أعيذه بالواحد . وعن الزهرى قال قالت آمنة لقد علقت به فما وجدت
له مشقة حتى وضعته .
* (
هامش ) * ( 1 ) في نسخة " ثقلا " . ( * )
ـ 38 ـ
(
ذكر وفاة عبدالله بن ع بدالمطلب )
قال ابن إسحق ثم لم يلبث عبدالله بن ع بدالمطلب أن هلك وأم رسول
الله صلى الله عليه وسلم حامل به . هذا قول ابن اسحق . وغيره يقول إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان في المهد حتى توفى أبوه ، رويناه عن الدولابى . وذكر ابن أبى
خيثمة انه كان ابن شهرين وقيل ابن ثمانية وعشرين شهرا . وقبره في المدينة
في دار من دور بنى عدى بن النجار كان خرج إلى المدينة يمتار تمرا وقيل بل خرج
به إلى أخواله زائرا وهو ابن سبعة أشهر . وفى خبر سيف بن ذى يزن : مات أبوه
فكفله جده وعمه . وروى ابن وهب عن يونس بن ابن شهاب قال بعث عبد
المطلب ابنه عبدالله يمتار له تمرا من يثرب فمات بها وهو شاب عند أخواله ولم
يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والذى رجحه الواقدى وقال هو أثبت الاقاويل عندنا في موت عبد الله
وسنه أنه كان خرج إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات
ففرغوا من تجاراتهم وانصرفوا فمروا بالمدينة و عبدالله بن ع بدالمطلب يومئذ مريض
فقال أنا أتخلف عند أخوالى بنى عدى بن النجار وأقام عندهم مريضا شهرا
ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم ع بدالمطلب عن عبدالله فقالوا خلفناه عند
أخواله بنى عدى بن النجار وهو مريض فبعث اليه ع بدالمطلب أكبر ولده
الحرث فوجده قد توفى ودفن في دار النابغة قيل كان بينه وبين ابنه عليه السلام
ثمانية عشر عاما . وقد تقدم في تزويج عبدالله آمنة ما حكى عن السلف في ذلك .
ـ 39 ـ
(
ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وولد سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتى عشرة
ليلة مضت من شهر ربيع الاول عام الفيل قيل بعد الفيل بخمسين يوما . وقال الزبير
حملت به أمه صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق في شعب أبى طالب عند الجمرة
الوسطى . وولد صلى الله عليه وسلم في الدار التى تدعى لمحمد بن يوسف أخى
الحجاج يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وقيل بل يوم الاثنين
في ربيع الاول لليلتين خلتا منه . قال أبوعمر وقد قيل لثمان خلون منه وقيل إنه أول
اثنين من ربيع الاول وقيل لاثنتى عشرة ليلة خلت منه عام الفيل وقيل إنه ولد
في شعب بنى هاشم . وروى عن ابن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الفيل : أخبرناه أ بوالمعالى احمد بن إسحق فيما قرأت عليه قلت قال أخبركم
الشيخان أبوالفرج الفتح بن عبدالله بن محمد بن على بن عبدالسلام وأ بوالعباس
أحمد بن أبى الحسين بن أبى الفتح بن صرما " ح " ( 1 ) قال وقرأت على الامام أبى إسحق
ابراهيم بن على بن احمد الحنبلى الزاهد بسفح قاسيون قال قلت له أخبركم أب والبركات
داود بن احمد بن محمد البغدادى قالوا أنا أبوالفضل محمد بن عمر بن يوسف
الاموى سماعا عليه قال أنا أبوالحسين احمد بن محمد بن النقور قال أنا أبو
الحسين على بن عمر السكرى قال أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا يحيى بن
معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبى اسحق عن أبى اسحق عن سعيد بن جبير عن
* (
هامش ) * ( 1 ) هذه الحاء توضع لتحويل السند من راو إلى آخر . ( * )
ـ 40 ـ
ابن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل . وعن قيس بن مخرمة قال ولدت أنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل فنحن لدان . وقيل بعد الفيل بشهر وقيل
بأربعين يوما وقيل بخمسين يوما . وذكر ابوبكر محمد بن موسى الخوارزمى قال
كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم . وقد قال ذلك غير
الخوارزمى وزاد يوم الاحد قال وكان اول المحرم تلك السنة يوم الجمعة قال الخوارزمى
وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يوما يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع
الاول وذلك يوم عشرين من نيسان قال وبعث نبينا يوم الاثنين لثمان خلت
من ربيع الاول سنة احدى واربعين من عام الفيل فكان من مولده إلى ان بعثه
الله اربعون سنة ويوم ، ومن مبعثه إلى اول المحرم من السنة التى هاجر فيها اثنتا
عشرة سنة وتسعة اشهر وعشرون يوما وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام
الفيل . وذكر ابن السكن من حديث عثمان بن ابى العاص عن امه فاطمة بنت عبدالله
انها شهدت ولادة النبى صلى الله عليه وسلم ليلا قالت فما شئ انظر اليه من
البيت الا نور وانى لانظر إلى النجوم تدنو حتى انى لاقول لتقعن على . ويقال
وضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين فكان ذلك من مبادئ امارات النبوة
في نفسه . وذكر ابن ابى خيثمة عن ابى صالح السمان قال قال كعب انا لنجد في
كتاب الله عزوجل محمد مولده بمكة . وعن عبدالملك بن عمير قال قال كعب
انى اجد في التوراة عبدى احمد المختار مولده بمكة . وحكى ابوالربيع بن سالم ان
بقى بن مخلد ذكر في تفسيره ان ابليس لعنه الله رن اربع رنات رنة حين لعن
ورنة حين اهبط ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورنة حين نزلت
فاتحة الكتاب . اخبرنا الشيخ ابوالحسن على بن محمد الدمشقى بقراءتى عليه
قلت له اخبركم الشيخان ابو عبدالله محمد بن نصر بن عبدالرحمن بن محمد بن
محفوظ القرشى والامير سيف الدولة ابو عبدالله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد
ـ 41 ـ
الانصارى قراءة عليهما وانت حاضر في الرابعة قالا انا الفقيه ابوالقاسم على بن
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 41 سطر 1 الى ص 50 سطر 23
الانصارى قراءة عليهما وانت حاضر في الرابعة قالا انا الفقيه ابوالقاسم على بن
الحسن الحافظ قراءة عليه ونحن نسمع قال انا المشائخ ابوالحسن على بن المسلم
ابن محمد بن الفتح بن على الفقيه وابوالفرج غيث بن على بن عبدالسلام بن
محمد بن جعفر بن الارمنازى الصورى الخطيب وابومحمد عبدالكريم بن حمزة
ابن الخضر بن العباس الوكيل بدمشق قالوا انا ابوالحسن احمد بن عبدالواحد
ابن محمد بن احمد بن عثمان بن ابى الحديد السلمى قال انا جدى ابوبكر
محمد بن احمد قال انا ابوبكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل الخرائطى
ثنا على بن حرب ثنا ابوايوب يعلى بن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلى
قال حدثنى مخزوم بن هانئ المخزومى عن ابيه واتت له خمسون ومائة سنة قال
لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس ( 1 ) ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة
شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة
ورأى الموبذان ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها
فلما اصبح كسرى افزعه ذلك فصبر عليه تشجعا ثم رأى ان لا يدخر - وقال الفقيه انه
لا يدخر - ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث اليهم
فلما اجتمعوا عنده قال : تدرون فيما بعثت اليكم قالوا لا الا ان يخبرنا الملك فبينما
هم كذلك اذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران فازداد غما إلى غمه ثم اخبرهم
ما رأى وما هاله فقال الموبذان ( 2 ) وانا اصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة
رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الابل فقال اى شئ يكون هذا يا موبذان قال : حدث
يكون في ناحية العرب وكان اعلمهم في انفسهم فكتب عند ذلك : من كسرى
ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر اما بعد فوجه إلى برجل عالم بما اريد ان اسأله
عنه فوجه اليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بعيلة الغسانى فلما ورد عليه قال
* (
هامش ) * ( 1 ) اى اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت . ( 2 ) هو قاضى القضاة بالفرس . ( * )
ـ 42 ـ
له الك علم بما اريد ان اسألك عنه قال ليخبرنى الملك او ليسئلنى عما احب فان
كان عندى منه علم والا اخبرته بمن يعلمه فأخبره بالذى وجه اليه فيه قال علم ذلك
عند خال لى يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال فأته فاسأله عما سألتك عنه
ثم ائتنى بتفسيره فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد اشفى على الضريح
فسلم عليه وكلمه فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ يقول * أصم أم يسمع غطريف
اليمن * في ابيات ذكرها . قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول عبد المسيح على
جمل مشيح إلى سطيح وقد اشفى على الضريح بعثك ملك بنى ساسان لارتجاس
الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت
دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح اذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة
وفاض وادى السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح
شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى
سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول :
شمر فانك ماضى الهم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير -
ان يمس ملك بنى ساسان افرطهم * فان ذا الدهر اطوار دهارير -
فربما ربما اضحوا بمنزلة * تهاب صولهم الاسد المهاصير -
منهم اخو الصرح بهرام واخوته * والهرمزان وسابور وسابور -
والناس اولاد علات فمن علموا * ان قد اقل فمحقور ومهجور -
وهم بنو الام اما ان رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور -
والخير والشر مقرونان في قرن * فالخير متبع والشر محذور -
فلما قدم المسيح على كسرى اخبره بما قال له سطيح فقال كسرى إلى ان
يملك منا اربعة عشر ملكا كانت امور وامور فملك منهم عشرة في اربع سنين
وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضى الله عنه . قال ابن اسحق فلما وضعته امه
ـ 43 ـ
ارسلت إلى جده ع بدالمطلب انه قد ولد لك غلام فانظر اليه فأتاه ونظر اليه وحدثته
بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما امرت ان تسميه فيزعمون ان عبد
المطلب اخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله ويتشكر له ما اعطاه ثم خرج به
إلى امه فدفعه اليها . وولد صلى الله عليه وسلم معذورا مسرورا اى مختونا مقطوع السرة ووقع إلى
الارض مقبوضة اصابع يده مشيرا بالسباحة كالمسبح بها . حكاه السهيلى ( 1 ) . روينا
عن ابن جميع ثنا عمر بن موسى بالمصيصة ثنا جعفر بن عبدالواحد قال قال لنا صفوان
ابن هبيرة ومحمد بن البرسانى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ولد
النبى صلى الله عليه وسلم مختونا .
* (
هامش ) * ( 1 ) زاد في نسخة دار الكتب الظاهرية : اخبرنا ابوحفص عمر بن عبد المنعم
الدمشقى بقراءتى عليه بعربيل - قرية بغوطة دمشق - اخبركم ابوالقاسم بن الحرستانى
قراءة عليه وانت حاضر في الرابعة فأقر به . اخبرنا جمال الاسلام ابوالحسن
على بن مسلم السلمى اخبرنا اببو نصر الحسين بن محمد بن طلاب حدثنا ابن جميع . ( * )
ـ 45 ـ
(
ذكر تسمية محمدا واحمد صلى الله عليه وسلم )
روينا عن ابى جعفر محمد بن على من طريق ابن سعد قال امرت آمنة وهى
حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم ان تسميه احمد . وروينا عن ابن اسحق فيما سلف انها
اتيت حين حملت به فقيل لها انك قد حملت بسيد هذه الامة وفيه ثم سميه محمدا .
وروينا من طريق الترمذى ثنا سعيد بن عبدالرحمن المخزومى ثنا سفيان عن
الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان لى اسماء انا محمد وانا احمد وانا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر وانا الحاشر
الذى يحشر الناس على قدمى وانا العاقب الذى ليس بعدى نبى ، وصححه وقال في
الباب عن حذيفة . وروى حديث جبير البخارى ومسلم والنسائى وسيأتى الكلام
على بقية الاسماء ان شاء الله تعالى . وذكر ابوالربيع بن سالم قال ويروى ان عبد
المطلب انما سماه محمدا لرؤيا رآها زعموا انه رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت
من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الارض وطرف في المشرق وطرف في
المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور واذا اهل المشرق والمغرب
يتعلقون بها فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه اهل المشرق والمغرب
ويحمده اهل السماء والارض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به امه . وروينا عن ابى
القاسم السهيلى رحمه الله قال لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه وسلم
الا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وبقرب زمانه وانه
يبعث بالحجاز ان يكون ولدا لهم ، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول وهم محمد
ـ 46 ـ
ابن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر والآخر محمد بن احيحة بن الجلاح بن
الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمر بن عوف بن مالك بن الاوس
والآخر محمد بن حمران وهو من ربيعة وذكر معهم محمدا رابعا انسيته وكان آباء هؤلاء
الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الاول وكان عنده علم بالكتاب الاول فأخبرهم
بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم وباسمه وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا فنذر كل
واحد منهم ان ولد له ولد ذكر ان يسميه محمدا ففعلوا ذلك . وروينا عن القاضى
ابى الفضل عياض رحمه الله في تسميته عليه السلام محمدا واحمد قال في هذين
الاسمين من بدائع آياته وعجائب خصائصه ان الله جل اسمه حمى ان يسمى بهما
احد قبل زمانه اما احمد الذى اتى في الكتب وبشرت به الانبياء فمنع الله تعالى
بحكمته ان يسمى به احد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على
ضعيف القلب او شك وكذلك محمد ايضا لم يسم به احد من العرب ولا غيرهم إلى
ان شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم وميلاده ان نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من
العرب ابناءهم بذلك رجاء ان يكون احدهم هو والله اعلم حيث يجعل رسالاته ،
وهم محمد بن احيحة بن الجلاح الاوسى ومحمد بن مسلمة الانصارى ومحمد بن براء
البكرى ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمران الجعفى ومحمد بن خزاعى السلمى
لا سابع لهم ويقال ان اول من سمى به محمد بن سفيان واليمن تقول محمد بن اليحمد
الازدى ثم حمى الله كل من سمى به ان يدعى النبوة او يدعيها احد له حتى تحققت
السمتان له ولم ينازع فيهما والله اعلم .
ـ 47 ـ
(
ذكر الخبر عن رضاعه صلى الله عليه وسلم )
وما يتصل بذلك من شق الصدر
روينا عن ابن سعد قال انا محمد بن عمر بن واقد الاسلمى قال حدثنى موسى
( 1 )
ابن شيبة عن عميرة بنت عبدالله بن كعب بن مالك عن برة بنت ابى تجراة
قالت اول من ارضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح اياما
قبل ان تقدم حليمة وكانت قد ارضعت قبله حمزة بن ع بدالمطلب وبعده ابا
سلمة بن عبدالاسد . اخبرنا ا بوالعباس الساوى بقراءة والدى عليه قال انا ابو
روح المطهر بن ابى بكر البيهقى سماعا عليه قال انا ابوبكر الطوسى قال انا ابوعلى
الخشنامى قال انا احمد بن الحسن ا لنيسابورى قال انا محمد بن احمد قال انا محمد
ابن يحيى ثنا محمد بن عبيد ثنا الاعمش عن سعد بن عبيدة عن ابى عبدالرحمن
عن على قال قلت يا رسول الله مالك لا تنوق في قريش ولا تتزوج منهم قال وعندك
قلت نعم ابنة حمزة قال تلك ابنة اخى من الرضاعة . قرأت على ابى النور اسمعيل
ابن نور بن قمر الهيتى بسفح قاسيون اخبرك ابونصر موسى بن عبد القادر الجيلى
قراءة عليه وانت تسمع قال انا ابوالقاسم سعيد بن احمد بن البناء قال انا ابو
نصر محمد بن محمد الزينبى قال انا ابوبكر محمد بن عمر بن على الوراق ثنا ابوبكر
عبد الله بن سليمان بن الاشعث ثنا ابوموسى عيسى بن حماد زغبة قال انا الليث
عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت ابى سلمة عن ام حبيبة انها قالت
* (
هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل : بلغ المقابلة ولله الحمد . ( * )
ـ 48 ـ
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هل لك في اختى ابنة ابى سفيان ، وفيه قالت
فوالله لقد انبئت انك تخطب درة بنت ابى سلمة قال ابنة ابى سلمة قالت نعم
قال فوالله لو لم تكن ربيبتى في حجرى ما حلت لى انها لابنة اخى من الرضاعة
ارضعتنى واياها ثويبة فلا تعرضن على بناتكن ولا اخواتكن الحديث . وذكر
الزبير ان حمزة اسن من النبى صلى الله عليه وسلم بأربع سنين . وحكى ابوعمر نحوه وقال
وهذا لا يصلح عندى لان الحديث الثابت ان حمزة و عبدالله بن عبدالاسد ارضعتهما
ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان تكون ارضعتهما في زمانين . قلت واقرب من
هذا ما روينا عن ابن اسحق من طريق البكائى انه كان اسن من رسول الله
صلى الله عليه وسلم بسنتين والله اعلم . واسترضع له من بنى سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة
بنت ابى ذؤيب وكانت تحدث انها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها ترضعه
في نسوة من بنى سعد بن بكر قالت وفى سنة شهباء لم تبق لنا شيئا قالت فخرجت
على أتان لى قمراء معنا شارف لنا والله ما تبض ( 1 ) بقطرة لبن وما ننام ليلتنا اجمع مع
صبينا الذى معنا من بكائه من الجوع ما في ثديى ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه
ولكنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على اتانى تلك فلقد اذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة الا وقد
عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه اذا قيل لها انه يتيم وذلك انا انما كنا نرجو
المعروف من ابى الصبى فكنا نقول يتيم ما عسى ان تصنع امه وجده فكنا
نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معى الا اخذت رضيعا غيرى فلما اجمعنا
الانطلاق قلت لصاحبى والله انى لاكره ان ارجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا
والله لاذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك ان تفعلى عسى الله ان يجعل
لنا فيه بركة قالت فذهبت اليه فأخذته وما حملنى على اخذه الا انى لم اجد غيره
* (
هامش ) * ( 1 ) بض الماء يبض بضيضا اى سال قليلا قليلا . ( * )
ـ 49 ـ
فلما اخذته رجعت به إلى رحلى فلما وضعته في حجرى اقبل ثدياى بما شاء من لبن
وشرب حتى روى وشرب معه اخوه حتى روى ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك
فقام زوجى إلى شارفنا تلك فاذا انها الحافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى
انتهينا ريا وشبعا فبتنا بخير ليلة يقول صاحبى حين اصبحنا تعلمى والله يا حليمة
لقد اخذت نسمة مباركة قلت والله انى لارجو ذلك ، ثم خرجت وركبت
اتانى وحملته عليها معى فوالله لقطعت بالركب ما يقدر على شئ من حمرهم
حتى ان صواحبى ليقلن لى يا بنت ابى ذؤيب ويحك اربعى ( 2 ) علينا ألست
هذه أتانك التى كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله انها لهى فيقلن والله
ان لها لشأنا قالت ثم قدمنا منازلنا من بنى سعد ولا اعلم ارضا من ارض الله اجدب
منها فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما
يحلب انسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون
لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى بنت ابى ذؤيب فتروح اغنامهم
جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمى شباعا لبنا فلم يزل نتعرف من الله الزيادة
والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه
حتى كان غلاما جفرا ( 1 ) فقدمنا به على امه ونحن احرص شئ على مكثه فينا لما نرى من
بركته فكلمنا امه وقلت لها لو تركت بنى عندى حتى يغلظ فانى اخشى عليه
وباء مكة فلم نزل به حتى ردته معنا فرجعنا به فوالله انه بعد مقدمنا به بأشهر
مع اخيه لفى بهم لنا خلف بيوتنا اذ اتانا اخوه يشتد فقال لى ولابيه ذاك اخى
القرشى عبدالله قد اخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما
يسوطانه قالت فخرجت انا وابوه نحوه فوجدنا قائما منتقعا لوجهه قال فالتزمته
* (
هامش ) * ( 1 ) اى اقتصرى وارفقى .
( 2 )
استجفر الصبى اذا قوى على الاكل . ( * )
ـ 50 ـ
والتزمه ابوه فقلنا مالك يا بنى قال جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى
فشقا بطنى فالتمسا فيه شيئا لا ادرى ما هو قالت فرجعنا به إلى خيامنا وقال لى
ابوه يا حليمة لقد خشيت ان يكون هذا الغلام قد اصيب فألحقيه بأهله قبل ان
يظهر ذلك به قالت فاحتملناه فقدمنا به على امه فقالت ما أقدمك به يا ظئر ( 1 ) ولقد
كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك قلت قد بلغ الله بابنى وقضيت الذى على
وتخوفت الاحداث عليه فأديته عليك كما تحبين قالت ما هذا شأنك فأصدقينى
خبرك قالت فلم تدعنى حتى اخبرتها قالت أفتخوفت عليه الشيطان قلت نعم
قالت كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وان لبنى شأنا أفلا اخبرك خبره قلت بلى
قالت رأيت حين حملت به انه خرج منى نور اضاء له قصور بصرى من ارض
الشام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان اخف منه ولا ايسر منه ووقع
حين ولدته وانه لواضع يديه بالارض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقى
راشدة . قال السهيلى وذكر غير ابن اسحق في حديث الرضاع ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان لا يقبل الا على ثديها الواحد وتعرض عليه الآخر فيأباه كأنه
قد اشعر ان معه شريكا في لبانها وكان مفطورا على العدل مجبولا على جميل المشاركة
والفضل صلى الله عليه وسلم . ويروى ان نفرا من اصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا له يا رسول الله اخبرنا عن نفسك قال نعم انا دعوة ابى ابراهيم
وبشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام ورأت امى حين حملت بى انه
قد خرج منها نور اضاء له قصور الشام واسترضعت في بنى سعد بن بكر فبينا انا مع اخ
لى خلف بيوتنا نرعى بهما لنا اتانى رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة
ثلجا فأخذانى فشقا بطنى ثم استخرجا قلبى فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها
ثم غسلا قلبى وباطنى بذلك الثلج حتى انقياه ثم قال احدهما لصاحبه زنه بعشرة
* (
هامش ) * ( 1 ) الظئر : المرضع . ( * )
ـ 51 ـ
من امته فوزننى بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من امته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 51 سطر 1 الى ص 60 سطر 6
من امته فوزننى بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من امته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه
بألف من أمته فوزننى بهم فوزنتهم فقال دعه عنك فلو وزنته بأمة ( 1 ) لوزنها . وفى رواية
فاستخرجا منه مغمز الشيطان وعلق الدم . وفيها وجعل الخاتم بين كتفى كما هو الآن .
قوله في هذا الخبر وما في شارفنا ما يغديه قيل بالدال المهملة من الغداء وقيل بالمعجمة
وقال ابوالقاسم وهو اتم من الاقتصار على ذكر الغداء دون العشاء . وعند بعض الناس
يعذبه ومعناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه وينقطع عن الرضاع يقال منه عذبته واعذبته اذا
قطعته عن الشرب ونحوه والعذوب وجمعه عذوب بالضم ولا يعرف فعول جمع
على فعول غيره قاله ابوعبيد انتهى كلام السهيلى رحمه الله وانشدنى ابى رحمه
الله لبعض العرب يهجو قوما بات ضيفهم :
بتنا عذوبا وبات البق يلبسنا * نشوى القراح ( 2 ) كأن لاحى بالوادى -
وذكر في فعول غير عذوب وحكى ذلك عن " كتاب ليس " لابن خالويه .
وقوله أدمت بالركب حبستهم وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف . ويروى
أذمت اى الاتان اى جاءت بما تذم عليه او يكون من قولهم بئر ذمة اى قليلة الماء .
وقوله يسوطانه يقال سطت اللبن او الدم او غيرهما اسوطه اذا ضربت بعضه
ببعض والمسوط عود يضرب به . وقوله مغمز الشيطان هو الذى يغمزه الشيطان من
كل مولود الا عيسى بن مريم وامه لقول امها حنة انى اعيذها بك وذريتها من
الشيطان الرجيم ولانه لم يخلق من منى الرجال وانما خلق من نفخة روح القدس
قال السهيلى ولا يدل هذا على فضله عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لان محمدا عندما نزغ ذلك منه ملئ حكمة وايمانا بعد ان غسله روح القدس بالثلج والبرد . وقد
روى انه عليه السلام ليلة الاسراء أتى بطست من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا فأفرغ
في قلبه وانه غسل قلبه بماء زمزم فوهم بعض اهل العلم من روى ذلك ذاهبا في ذلك
* (
هامش ) * ( 1 ) في نسخة " بأمته " . ( 2 ) اى الماء الذى لا يخالطه شئ . ( * )
ـ 52 ـ
إلى انها واقعة متقدمة التاريخ على ليلة الاسراء بكثير . قال السهيلى وليس
الامر كذلك بل كان هذا التقديس وهذا التطهير مرتين الاولى في حال الطفولية لينقى
قلبه من مغمز الشيطان والثانية عندما اراد ان يرفعه إلى الحضرة المقدسة وليصلى
بملائكة السموات ومن شأن الصلاة الطهور فقدس باطنا وظاهرا وملئ قلبه حكمة وايمانا
وقد كان مؤمنا ولكن الله تعالى قال ( ليزداد الذين آمنوا ايمانا ) .
رجع إلى الاول : وانطلق به ابوطالب وكانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه ان
يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه حتى تجده مع اخته فقالت
في هذا الحر فقالت اخته يا أمه ما وجد اخى حرا رأيت غمامة تظل عليه اذا وقف
وقفت واذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع تقول امها أحقا يا بنية قالت
اى والله قال تقول حليمة اعوذ بالله من شر ما نحذر على ابنى فكان ابن عباس
يقول رجع إلى امه وهو ابن خمس سنين وكان غيره يقول رد اليها وهو ابن اربع
سنين وهذا كله عن الواقدى وقال ابوعمر ردته ظئره حليمة إلى امه بعد خمس
سنين ويومين من مولده وذلك سنة ست من عام الفيل واسلمت حليمة بنت ابى
ذؤيب وهو عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قبيصة
ابن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن . قال ابوعمر روى زيد بن اسلم عن عطاء
ابن يسار قال جاءت حليمة ابنة عبدالله ام النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبى
صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام اليها وبسط لها رداءه فجلست عليه . روت عن
النبى صلى الله عليه وسلم روى عنها ابنها عبدالله بن جعفر . قرئ على ابى العباس احمد
ابن يوسف الصوفى وانا اسمع سنة ست وسبعين قال انا ابوروح البيهقى سماعا
عليه سنة خمس وستمائة قال انا الامام ابوبكر محمد بن على الطوسى قراءة عليه
ونحن نسمع قال انا ابوعلى نصر الله بن احمد بن عثمان الخشنامى قال انا ابوبكر
احمد بن الحسن ا لنيسابورى قال انا ابوعلى محمد بن احمد الميدانى قال انا ابو
ـ 53 ـ
عبدالله محمد بن خالد بن فارس ثنا ابوعاصم النبيل عن جعفر بن يحيى بن ثوبان
عن عمه عمارة عن ابى الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة
وانا غلام شاب فأقبلت امرأة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها
رداءه فقعدت عليه فقال من هذه قال امه التى ارضعته . هكذا روينا في هذا الخبر
وكذا حكى ابوعمر بن عبدالبر عن حليمة بنت ابى ذؤيب انها اسلمت وروت
ومن الناس من ينكر ذلك . وحكى السهيلى انها كانت وفدت على النبى صلى الله عليه وسلم
قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو اليه السنة ( 1 ) وان قومها قد أسنتوا فكلم لها
خديجة فأعطتها عشرين رأسا من غنم وبكرات . وذكر ابواسحق بن الامين في
استدراكه على ابى عمر خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش التى ارضعت
النبى صلى الله عليه وسلم . وذكر غيره فيهن ايضا ام ايمن بركة حاضنته عليه السلام .
* (
هامش ) * ( 1 ) اى الجدب ، وأسنتوا اى اجدبوا . ( * )
ـ 55 ـ
(
ذكر الخبر عن وفاة امه آمنة بنت وهب )
وحضانة ام ايمن له وكفالة ع بدالمطلب اياه
قال ابن اسحق فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع امه آمنة وجده
عبد المطلب في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت امه آمنة بالابواء بين
مكة والمدينة قال ابوعمر بن عبدالبر وقيل ابن سبع سنين قال وقال محمد بن حببب
في الخبر توفيت امه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقال وتوفى جده
ع بدالمطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهرا سنة تسع من عام الفيل وقيل انه توفى
جده ع بدالمطلب وهو ابن ثمان سنين . رجع إلى ابن اسحق قال وكانت قد قدمت به
على اخواله من بنى عدى بن النجار تزيره اياهم فماتت وهى راجعة إلى مكة فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده ع بدالمطلب وكان يوضع لعبد المطلب
فراش في ظل الكعبة فكان بنوه يجلسون حول ذلك الفراش حتى يخرج اليه
لا يجلس عليه احد من بنيه اجلالا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى وهو
غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه اعمامه ليؤخروه عنه فيقول ع بدالمطلب اذا
رأى ذلك منهم : دعوا بنى فوالله ان له لشأنا ثم يجلسه معه عليه ويمسح ظهره
بيده ويسره ما يراه يصنع . قرأت على احمد بن محمد المقدسى الزاهد اخبرك ابو
اسحق ابراهيم بن عثمان عن محمد بن عبدالباقي عن احمد بن الحسن قال ابواسحق
وانا احمد بن محمد بن على بن صالح قال انا ابوبكر احمد بن الحسين قالا انا ابو
على بن شاذان قال انا ابن درستويه قال انا يعقوب بن سفيان ثنا ابوالحسن مهدى
ابن عيسى قال انا خالد بن عبدالله الواسطى عن داود بن ابى هند عن العباس
ـ 56 ـ
ابن عبدالرحمن عن كندير ( 1 ) بن سعيد عن ابيه قال حججت في الجاهلية فبينا انا
اطوف بالبيت اذا رجل يقول :
رد إلى راكبى محمدا * اردده رب واصطنع عندى يدا -
قال قلت من هذا قال ع بدالمطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في ابل له ضلت
وما بعثه في شئ الا جاء به قال فما برحت حتى جاء بالابل معه قال فقال يا بنى حزنت
عليك حزنا لا يفارقنى بعده ابدا قالوا وكانت ام ايمن تحدث تقول كنت احضن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما فلم أدر الا بعبد المطلب قائما على
رأسى يقول يا بركة قلت لبيك قال اتدرى اين وجدت ابنى قلت لا ادرى قال
وجدته مع غلمان قريبا من السدرة لا تغفلى عن ابنى فان اهل الكتاب يزعمون
ان ابنى نبى هذه الامة وانا لا آمن عليه منهم وكان لا يأكل طعاما الا قال على
بابنى فيؤتى به اليه . وروينا عن ابن سعد قال انا هشام بن محمد بن السائب الكلبى
قال حدثنى الوليد بن عبدالله بن جميع الزهرى عن ابن لعبد الرحمن بن موهب
ابن رباح الاشعرى حليف بنى زهرة عن ابيه قال حدثنى مخرمة بن نوفل قال
الزهرى قال سمعت امى رقيقة ( 2 ) بنت صيفى بن هاشم بن عبد مناف تحدث
وكانت لدة ع بدالمطلب قال تتابعت على قريش سنون ذهبن بالاموال وأشفين
على الانفس قالت فسمعت قائلا يقول في المنام يا معشر قريش ان هذا النبى
المبعوث منكم وهذا ابان خروجه وبه يأتيكم بالحيا والخصب فانظروا رجلا من
اوسطكم نسبا طوالا عظاما ابيض مقرون الحاجبين اهدب الاشفار جعدا سهل
الخدين رقيق العرنين فليخرج هو وجميع ولده وليخرج منكم من كل بطن رجل فتطهروا
وتطيبوا ثم استلموا الركن ثم ارقوا إلى رأس ابى قبيس ثم يتقدم هذا الرجل
* (
هامش ) * ( 1 ) بكسر الكاف وسكون النون وكسر الدال وآخره راء مهملة .
( 2 )
بضم الراء وسكون الياء وقافين مفتوحتين ( * )
ـ 57 ـ
فيستسقى وتؤمنون فانكم ستسقون فأصبحت فقصت رؤياها عليهم فنظروا فوجدوا
هذه الصفة صفة ع بدالمطلب فاجتمعوا اليه وخرج من كل بطن منهم رجل ففعلوا
ما امرتهم به ثم علوا على ابى قبيس ومعهم النبى صلى الله عله وسلم وهو غلام
فتقدم ع بدالمطلب وقال لاهم ( 1 ) هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك واماؤك وبنات امائك
وقد نزل بنا ما ترى وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف واشفت
على الانفس فأذهب عنا الجدب وائتنا بالحيا والخصب فما برحوا حتى سالت الاودية
وبرسول صلى الله عليه وسلم سقوا فقالت رقيقة بنت ابى صيفى بن هاشم بن عبد مناف :
بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا * وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر -
فجاد بالماء جونى له سبل * دان فعاشت به الانعام والشجر -
منا من الله بالميمون طائره * وخير من بشرت يوما به مضر -
مبارك الامر يستسقى الغمام به * ما في الانام له عدل ولا خطر -
* (
هامش ) * ( 1 ) اى : اللهم ( * )
ـ 59 ـ
(
ذكر وفاة ع بدالمطلب )
وكفالة ابى طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم ان ع بدالمطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها قال ابوالربيع
ابن سالم ادناها فيما انتهى إلى ووقفت عليه خمس وتسعون سنة ذكره الزبير واعلاها
فيما ذكره الزبير ايضا عن نوفل بن عمارة قال كان عبيد بن الابرص ترب ( 1 ) عبد
المطلب وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة وبقى ع بدالمطلب بعده عشرين سنة
وكانت وفاته سنة تسع من عام الفيل وللنبى صلى الله عليه وسلم يومئذ ثمان سنين
وقيل بل توفى ع بدالمطلب وهو ابن ثلاث سنين . حكاه ابوعمر . وبقى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد مهلك جده ع بدالمطلب مع عمه ابى طالب وكان ع بدالمطلب يوصيه
به فيما يزعمون وذلك ان عبدالله ابا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا طالب
اخوان لاب وام فكان ابوطالب هو الذى يلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد جده فكان اليه ومعه . وذكر الواقدى ان ابا طالب كان مقلا من المال وكانت
له قطعة من الابل تكون بعرنة فيبدو اليها فيكون فيها ويؤتى بلبنها اذا كان
حاضرا بمكة . فكان عيال ابى طالب اذا اكلوا جميعا وفرادى لم يشبعوا واذا
اكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا فكان ابوطالب اذا اراد ان
يغديهم او يعشيهم يقول كما انتم حتى يأتى ابنى فيأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل
معهم فيفضلون من طعامهم وان كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
اولهم ثم تناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد
* (
هامش ) * ( 1 ) اي : في سنه . ( * )
ـ 60 ـ
وان كان احدهم ليشرب قعبا وحده فيقول ابوطالب انك لمبارك . وكان الصبيان
يصبحون شعثا رمصا ( 1 ) ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا وقالت ام ايمن وكانت
تحضنه ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا جوعا قط ولا عطشا وكان
يغدو اذا اصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول انا شبعان .
* (
هامش ) * ( 1 ) الرمص : وسخ يجتمع في موق العين . ( * )
ـ 61 ـ
(
ذكر سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه ابى طالب إلى الشام )
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 61 سطر 1 الى ص 70 سطر 23
(
ذكر سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه ابى طالب إلى الشام )
وخبره مع بحيرا الراهب وذكر نبذة من حفظ الله تعالى لرسوله عليه السلام قبل النبوة
قال ابوعمر سنة ثلاث عشرة من الفيل وشهد بعد ذلك بثمان سنين
يوم الفجار سنة احدى وعشرين . وقال ابوالحسن الماوردى خرج به عليه السلام
عمه ابوطالب إلى الشام في تجارة له وهو ابن تسع سنين . وذكر ابن سعد باسناد
له عن داود بن الحصين انه كان ابن اثنتى عشرة سنة . قال ابن اسحق ثم ان ابا طالب
خرج في ركب إلى الشام فلما تهيأ للرحيل صب به ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما يزعمون فرق له ابوطالب وقال والله لاخرجن به معى ولا يفارقنى ولا افارقه
ابدا او كما قال فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من ارض الشام وبها
راهب يقال له بحيرا في صومعة له وكان اليه علم اهل النصرانية ولم يزل في تلك
الصومعة منذ ذط راهب اليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون
يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به
قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام فلما نزلوا به قريبا
من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا وذلك فيما يزعمون عن شئ رآه وهو في
صومعته يزعمون انه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركب حين اقبلوا
وغمامة تظله من بين القوم ثم اقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة
حتى اظلت الشجرة وتهصرت اغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع
* (
هامش ) * ( 1 ) اي : تعلق به . ( * )
ـ 62 ـ
ثم ارسل اليهم انى قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأحب ان تحضروا
كلكم صغيركم وكبيركم وعبيدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرا ان بك اليوم
لشانا ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا ما شأنك اليوم قال له بحيرا
صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت ان أكرمكم وأصنع لكم
طعاما فتأكلوا منه كلكم فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم
لحداثة سنه في رحال القوم فلما نزل بحيرا في القوم لم ير الصفة التى يعرف ويجد
عنده فقال يا معشر قريش لا يتخلفن احد منكم عن طعامى قالوا له يا بحيرا ما تخلف ( 1 )
أحد ينبغى له ان يأتيك الا غلام وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم قال
لا تفعلوا أدعوه فليحضر هذا الطعام معكم فقال رجل من قريش واللات والعزى ان
كان للؤما بنا ان يتخلف ابن عبد الله بن ع بدالمطلب عن طعام من بيننا ثم قام اليه فاحتضنه
واجلسه مع القوم فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى اشياء من
جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى اذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام
اليه بحيرا فقال له يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا ما أخبرتنى عما أسألك
عنه وانما قال له بحيرا ذلك لانه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لا تسألنى باللات والعزى شيئا فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما
فقال له بحيرا فبالله الا ما أخبرتنى عما أسألك عنه فقال له سلنى عما بدا لك فجعل
يسأله عن اشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره ويخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوافق
ذلك ما عند بحيرا من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على
موضعه من صفته التى عنده فلما فرغ اقبل على عمه ابى طالب فقال ما هذا الغلام
منك قال ابنى قال ما هو بابنك وما ينبغى لهذا الغلام ان يكون ابوه حيا قال فانه
ابن اخى قال فما فعل ابوه قال مات وأمه حبلى به قال صدقت فارجع بابن اخيك
إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فانه كائن
* (
هامش ) * ( 1 ) في نسخة دار الكتب الظاهرية زيادة " عن طعامك " . ( * )
ـ 63 ـ
لابن اخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه ابوطالب سريعا
حتى اقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا ان نفرا من اهل الكتاب
قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رأى بحيرا في ذلك السفر الذى كان فيه
مع عمه ابى طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرا في ذلك وذكرهم الله تعالى وما يجدون
في الكتاب من ذكره وصفاته وأنهم ان أجمعوا لما ارادوا لم يخلصوا اليه حتى
عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه . قوله فصب به رسول الله
صلى الله عليه وسلم الصبابة رقة الشوق وصببت أصب وعند بعض الرواة فضبث
به اى لزمه قاله السهيلى . وروينا من طريق الترمذى ثنا الفضل بن سهل ا بوالعباس
الاعرج البغوى ثنا عبد الرحمن بن غزوان ابونوح قال انا يونس بن ابى اسحق
عن ابى بكر بن ابى موسى عن ابيه قال خرج ابوطالب إلى الشام وخرج معه
النبى صلى الله عليه وسلم في اشياخ من قريش فلما اشرفوا على الراهب هبطوا
فحلوا رحالهم فخرج اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج اليهم ولا
يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين
فقال الاشياخ من قريش ما علمك فقال انكم حين اشرفتم على العقبة لم يبق
شجر ولا حجر الا خر ساجدا ولا يسجدان الا لنبى وانى لاعرفه بخاتم النبوة اسفل
من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في
رعية الابل قالوا ارسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد
سبقوه إلى فئ الشجرة فلما جلس مال فئ الشجرة عليه فقال انظروا إلى فئ
الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم ان لا يذهبوا به إلى الروم
فان الروم ان رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فاذا سبعة قد اقبلوا من الروم
فاستقبلهم فقال ما جاء بكم قالوا جئنا ان هذا النبى خارج في هذا الشهر فلم يبق
ـ 64 ـ
طريق الا بعث اليه بأناس وانا قد اخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال هل
خلفكم احد هو خير منكم قالوا انما اخبرنا خبره بعثنا لطريقك هذا قال افرأيتم امرا
اراد الله ان يقضيه هل يستطيع احد من الناس رده قالوا لا قال فبايعوه واقاموا
معه قال انشدكم بالله ايكم وليه قالوا ابوطالب فلم يزل يناشده حتى رده ابوطالب
وبعث معه ابوبكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت . قال ابوعيسى
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه . قلت ليس في اسناد هذا
الحديث الا من خرج له في الصحيح و عبدالرحمن بن غزوان ابو نوح لقبه فراد
انفرد به البخارى ويونس بن ابى اسحق انفرد به مسلم ومع ذلك ففى متنه نكارة
وهى ارسال ابى بكر مع النبى صلى الله عليه وسلم بلالا وكيف وابوبكر حينئذ
لم يبلغ العشر سنين فان النبى صلى الله عليه وسلم أسن من ابى بكر بأزيد من عامين وكانت
للنبى صلى الله عليه وسلم تسعة اعوام على ما قاله ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى
وغيره ، او اثنا عشر على ما قاله آخرون ، وايضا فان بلالا لم ينتقل لابى
بكر الا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما فانه كان لبنى خلف الجمحيين وعند
ما عذب في الله على الاسلام اشتراه ابوبكر رضى الله عنه رحمة له واستنقاذا له
من ايديهم وخبره بذلك مشهور . وقوله فبايعوه ان كان المراد فبايعوا بحيرا على
مسالمة النبى صلى الله عليه وسلم فقريب وان كان غير ذلك فلا ادرى ما هو .
رجع إلى خبر ابن اسحق وكان صلى الله عليه وسلم يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره انه قال
لقد رأيتنى في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد
تعرى وأخذ ازارا وجعله على رقبته يحمل عليها الحجارة فانى لاقبل معهم كذلك
وادبر اذ لكمنى لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك ازارك قال فأخذته فشددته
على ثم جعلت احمل الحجارة على رقبتى وازارى على من بين اصحابى . قال السهيلى
وهذه القصة انما وردت في الحديث الصحيح في بنيان الكعبة كان صلى الله عليه
ـ 65 ـ
وسلم يحمل الحجارة وازاره مشدود عليه فقال له العباس يابن اخى لو جعلت ازارك
على عاتقك ففعل فسقط مغشيا عليه ثم قال ازارى ازارى فشد عليه ازاره وقام يحمل
الحجارة . وفى حديث آخر انه لما سقط ضمه العباس إلى نفسه وسأله عن شأنه فأخبره
انه نودى من السماء ان اشدد عليك ازارك يا محمد قال وانه لاول ما نودى . قال
وحديث ابى اسحق ان صح محمول على ان هذا الامر كان مرتين في حال صغره
وعند بنيان الكعبة . وذكر البخارى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ما هممت
بسوء من امر الجاهلية الا مرتين . وقد قرأت على ابى عبدالله بن ابى الفتح الصورى
بمرج دمشق : اخبركم ابوالقاسم عبدالصمد بن محمد بن الحرستانى سماعا عليه قال انا
ابومحمد طاهر بن سهل بن بشر بن احمد الاسفراينى قال انا ابوالحسين محمد
ابن مكى بن عثمان الازدى قال انا القاضى ابوالحسن على بن محمد بن اسحق الحلبى
ثنا ابو عبدالله الحسين بن اسماعيل المحاملى ببغداد ثنا ابوالاشعث احمد بن المقدام ثنا
وهب بن جرير ثنا ابى عن محمد بن اسحق . وبه قال وحدثنى محمد بن عبدالله بن قيس
ابن مخرمة عن الحسن بن محمد بن على عن ابيه عن جده على بن ابى طالب رضى
الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما هممت بقبيح مما يهم
به اهل الجاهلية الا مرتين من الدهر كلتاهما عصمنى الله عزوجل منها قلت ليلة
لفتى كان معى من قريش بأعلى مكة في غنم لاهله يرعاها ابصر لى غنمى حتى
اسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال نعم فخرجت فلما جئت ادنى دار من
دور مكة سمعت غناء وصوت دفوف ومزامير فقلت ما هذا فقالوا فلان تزوج فلانة
لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت
حتى غلبتنى عينى فنمت فما أيقظنى الا مس الشمس فرجعت إلى صاحبى
فقال ما فعلت فأخبرته ثم فعلت الليلة الاخرى مثل ذلك فسمعت مثل ذلك
فقيل لى مثل ما قيل لى فسمعت كما سمعت حتى غلبتنى عينى فما أيقظنى الا مس الشمس
ـ 66 ـ
ثم رجعت إلى صاحبى فقال لى ما فعلت فقلت ما فعلت شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله ما هممت بغيرهما بسوء مما يعمله اهل الجاهلية حتى اكرمنى الله عزوجل
بنبوته . وذكر الواقدى عن ام ايمن قالت كانت بوانة صنما تحضره قريش وتعظمه
وتنسك له وتحلق عنده وتعكف عليه يوما إلى الليل في كل سنة فكان ابوطالب
يحضره مع قومه ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحضر ذلك العيد معهم
فيأبى ذلك قالت حتى رأيت ابا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن يومئذ
اشد الغضب وجعلن يقلن انا لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ويقلن ما تريد
يا محمد ان تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم
ما شاء الله ثم رجع مرعوبا فزعا فقلنا ما دهاك قال انى اخشى ان يكون بى لمم
فقلنا ما كان الله عزوجل ليببتليك بالشيطان وكان فيك من خصال الخير ما كان
فما الذى رأيت قال انى كلما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل ابيض طويل يصيح
بى وراءك يا محمد لا تمسه قالت فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلوات الله عليه وسلامه .
ـ 67 ـ
(
ذكر رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم )
روينا عن محمد بن سعد قال انا سويد بن سعيد واحمد بن محمد الازرقى قالا ثنا عمرو
ابن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشى عن جده سعيد يعنى ابن
عمرو عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله نبيا الا
راعى غنم قال له اصحابه وانت يا رسول الله قال وانا رعيتها لاهل مكة بالقراريط .
وروينا عن ابن سعد قال أنا احمد بن عبدالله بن يونس ثنا زهير ثنا ابواسحاق
قال كان بين اصحاب الابل واصحاب الغنم تنازع فاستطال أصحاب الابل قال
فبلغنا والله أعلم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال بعث موسى وهو راعى غنم وبعث داود
وهو راعى غنم وبعثت وأنا راعى غنم أهلى بأجياد .
(
شهوده صلى الله عليه وسلم يوم الفجار ثم حلف الفضول )
قال السهيلى والفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أنه
كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا فسمى الفجار وكانت للعرب فجارات
أربعة ذكرها المسعودى آخرها فجار البراض وهو هذا وكان لكنانة ولقيس فيه
أربعة أيام مذكورة يوم شمظة ويوم العيلاء ( 1 ) وهما عند عكاظ ويوم الشرب وهو
أعظمها يوما فيه قيد حرب بن أمية وسفيان وأبوسفيان ابنا أمية أنفسهم كى
لا يفروا فسموا العنابس ويوم الحريرة عند نخلة ويوم الشرب انهزمت قيس إلا
* (
هامش ) * ( 1 ) في الاصل " الفلاء " والتصحيح من النسخة الظاهرية والاقتباس . ( * )
ـ 68 ـ
بنى نصر منهم فانهم ثبتوا وكان انقضاء أمر الفجار على يدى عتبة بن ربيعة وذلك
أن هوازن تواعدوا مع كنانة للعام المقبل بعكاظ فجاءوا للوعد وكان حرب بن أمية
رئيس قريش وكنانة وكان عتبة بن ربيعة يتيما في حجره فضن به حرب وأشفق
من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا وهو على بعيره بين الصفين
ينادى يا معشر مضر علام تفانون فقالت له هوازن ما تدعو اليه قال الصلح على
أن ندفع لكم دية قتلاكم وتعفوا عن دمائنا قالوا وكيف قال ندفع لكم رهنا منا
قالوا ومن لنا بهذا قال أنا قالوا ومن انت قال انا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
فرضوا به رضيت به كنانة ودفعوا إلى هوازن اربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام
فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في ايديهم عفوا عن الدماء وأطلقوهم وانقضت
حرب الفجار وزعم أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقاتل فيها . وروينا عن ابن سعد أن النبى صلى الله
عليه وسلم شهدها وله عشرون سنة وقال قال عليه السلام قد حضرته مع عمومتى
ورميت فيه بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت . وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف
الفضول منصرف قريش من الفجار . قال محمد بن عمر وكان الفجار في شوال وهذا
الحلف في ذى القعدة وكان أشرف حلف كان قط وأول من دعا اليه الزبير بن
عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وبنو أسد بن عبدالعزى في دار ابن
جدعان فصنع لهم طعاما فتعاقدوا وتعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى
اليه حقه ما بل بحر صوفة وقال عليه السلام ما أحب أن لى بحلف حضرته في
دار ابن جدعان حمر النعم وأنى أغدر به بعينه . قال محمد بن عمر ولا نعلم أحدا
سبق بنى هاشم بهذا الحلف .
ـ 69 ـ
(
ذكر سفره عليه السلام إلى الشام مرة ثانية )
وتزويجه خديجة عليها السلام بعد ذلك
قال ابن إسحق ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة
بنت خويلد فيما ذكره غير واحد من أهل العلم . وقال ابن عبدالبر وخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس وعشرين وتزوج
خديجة بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما في عقب صفر سنة ست وعشرين
وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل . وقال الزهرى
كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة قال أبوعمر
وقال أبوبكر بن عثمان وغيره كان يومئذ ابن ثلاثين سنة قالوا وخديجة يومئذ
بنت اربعين سنة . وروينا عن أبى بشر الدولابى قال وحدثنى ابن البرقى أبوبكر
عن ابن هشام عن غير واحد عن أبى عمرو بن العلاء قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة . وروينا عن أبى الربيع بن سالم قال وذكر
الواقدى باسناد له له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قال وقد رويناه ايضا
من طريق أبى على بن السكن وحديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب
اللفظ وربما زاد أحدهما الشئ اليسير على الآخر وكلاهما ينمى إلى نفيسة قالت
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا
الامين لما تكاملت فيه من خصال الخير قال له ابوطالب يا ابن أخى أنا رجل
لا مال لى وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليس لنا مادة ولا
تجارة وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث
ـ 70 ـ
رجالا من قومك في عيرانها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع فلو جئتها
فوضعت نفسك عليها لاسرعت اليك وفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من
طهارتك وان كنت لاكره أن تأتى الشام وأخاف عليك من يهود ولكن لا نجد من
ذلك بدا وكانت خديجة بنت خويلد إمرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة وتبعث
بها إلى الشام فتكون عيرها كعامة عير قريش وكانت تستأجر الرجال وتدفع
اليهم المال مضاربة وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا من قريش فليس
عندهم بشئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلها ترسل إلى في ذلك فقال
أبوطالب إنى أخاف أن تولى غيرك فتطلب أمرا مدبرا فترقا وبلغ خديجة ما كان
من محاورة عمه له وقبل ذلك ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه
فقالت ما علمت أنه يريد هذا ثم أرسلت اليه فقالت إنه دعانى إلى البعثة اليك
ما بلغنى من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف
ما أعطى رجلا من قومك ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقى أبا طالب
فذكر له ذلك فقال ان هذا لرزق ساقه الله اليك فخرج مع غلامها ميسرة حتى
قدم الشام وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى
في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له نسطورا فاطلع الراهب إلى ميسرة
وكان يعرفه فقال يا ميسرة من هذا الذى نزل تحت هذه الشجرة فقال ميسرة رجل
من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى ثم قال له
في عينيه حمرة قال ميسرة نعم لا تفارقه قال الراهب هو هو وهو آخر الانبياء
وياليت أنى أدركه حين يؤمر بالخروج فوعى ذلك ميسرة ثم حضر رسول الله صلى
الله عليه وسلم سوق بصرى فباع سلعته التى خرج بها واشترى فكان بينه
وبين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل أحلف باللات والعزى فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة
ـ 71 ـ
وخلا به يا ميسرة هذا نبى والذى نفسى بيده وإنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 71 سطر 1 الى ص 80 سطر 23
وخلا به يا ميسرة هذا نبى والذى نفسى بيده وإنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم
فوعى دلك ميسرة ثم انصرف أهل العير جميعا وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله
عليه وسلم اذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو
على بعيره قال وكان الله عزوجل قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة
من ميسرة فكان كأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا وكانوا بمر الظهران ( 1 )
تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة
في علية لها معها نساء فيهن نفيسة بنت منية فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك
ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك فلما
دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت فقال لها ميسرة قد رأيت هذا منذ خرجنا من
الشام وأخبرها بقول الراهب نسطورا وقول الآخر الذى خالفه في البيع قالوا وقدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها فربحت ضعف ما كانت تربح وأضعفت له
ما سمت له فلما استقر عندها هذا وكانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله
بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا
وأكثرهن مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو يقدر عليه فعرضت عليه
نفسها فقالت له فيما يزعمون يا ابن عم إنى قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في
قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك فلما قالت له ذلك ذكر ذلك لاعمامه
فخرج مع عمه حمزة بن ع بدالمطلب رضى الله عنه حتى دخل على خويلد بن أسد
فخطبها اليه فتزوجها فقال أبوالربيع هكذا ذكر ابن اسحق وذ كرالواقدى وغيره
من حديث نفيسة أن خديجة أرسلتها اليه دسيسا فدعته إلى تزويجها . قلت وقد
روينا ذلك عن ابن سعد قال : أنا محمد بن عمر بن واقد الاسلمى ثنا موسى
* (
هامش ) * ( 1 ) هو واد بن مكة وعسفان . ( * )
ـ 72 ـ
ابن شيبة عن عميرة بنت عبدالله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن
الربيع عن نفيسة بنت منية قالت كانت خديجة بنت خويلد إمرأة حازمة جلدة
شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أوسط نساء قريش نسبا
وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك
قد طلبوها وبذلوا لها الاموال فأرسلتنى دسيسا إلى محمد بعد ان رجع من عيرها
من الشام فقلت يا محمد ما يمنعك ان تزوج قال ما بيدى ما أتزوج به قلت فان كفيت
ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن هى قلت
خديجة قال فكيف لى بذلك قالت قلت على قال فأنا أفعل فذهبت فأخبرتها
فأرسلت اليه أن ائت لساعة كذا وكذا فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها
فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوجه أحدهم فقال عمرو بن
أسد هذا الفحل لا يقدع أنفه ( 1 ) وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين
سنة وهى يومئذ بنت أربعين سنة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة . وذكر ابن إسحق
ان أباها خويلد بن أسد هو الذى أنكحها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك وجدته عن الزهرى
وفيه وكان خويلد أبوها سكران من الخمر فلما كلم في ذلك أنكحها فألقت عليه خديجة
حلة وضمخته بخلوق ( 2 ) فلما صحا من سكره قال ما هذه الحلة والطيب فقيل له أنكحت
محمدا خديجة وقد ابتنى بها فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه . وقال محمد بن عمر : الثبت
عندنا المحفوظ من أهل العلم ان أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار وأن عمها
عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورأيت ذلك عن غير الواقدى .
وقد قيل إن أخاها عمرو بن خويلد هو الذى أنكحها منه والله أعلم . وروينا عن
أبى بشر الدولابى ثنا يونس بن عبد الاعلى عن عبدالله بن وهب قال
أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهرى قال فلما استوى رسول الله صلى الله
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : انه كفء كريم لا يرد . ( 2 ) أى : طيبته بطيب . ( * )
ـ 73 ـ
عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كبير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق
حباشة وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا آخر من قريش فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنها ما رأيت من صاحبة لاجير خيرا من خديجة
ما كنا نرجع أنا وصاحبى إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا . وروينا عن
أبى بشر محمد بن احمد بن حماد قال وحدثنى ابوأسامة الحلبى ثنا حجاج بن أبى
منيع ثنا جدى عن الزهرى قال تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلين الاول منهما عتيق بن عايذ بن عبدالله بن عمر
ابن مخزوم فولدت له جارية وهى أم محمد بن صيفى المخزومى ، ثم خلف على خديجة
بعد عتيق بن عايذ أبوهالة التميمى وهو من بنى أسيد بن عمرو فولدت له هند بن
هند . كذا وقع في هذه الرواية عتيق بن عايذ والصواب عابد بالباء قاله الزبير
وسمى الزبير الجارية التى ولدتها منه هندا واسم أبى هالة هند بن زرارة بن النباش
ابن غذى بن خبيب بن صرد بن سلامة بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فيما
رويناه عن الدولابى : حدثنا ابوالاشعث احمد بن المقدام العجلى ثنا زهير بن العلاء
ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة بن دعامة فذكره . قال ابن اسحق وكانت
خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن اسد بن عبدالعزى وكان ابن عمها وكان نصرانيا
قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب
وما كان يرى منه إذا كان الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة
إن محمدا لنبى هذه الامة قد عرفت انه كائن بهذه الامة نبى ينتظر هذا زمانه
أو كما قال فجعل ورقة يستبطئ الامر . وله في ذلك أشعار منها ما رواه يونس بن
بكير عن ابن اسحق :
أتبكر أم أنت العشية رائح * وفى الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم * كأنك عنهم بعد يومين نازح
ـ 74 ـ
واخبار صدق خبرت عن محمد * يخبرها عنه إذا غاب ناصح
بأن ابن عبد الله احمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الاباطح
وظنى به ان ( 1 ) سوف يبعث صادقا * كما ارسل العبدان نوح وصالح
* (
هامش ) * ( 1 ) في الاصل " عن " بدل " ان " والتصحيح من النسخة الظاهرية . ( * )
ـ 75 ـ
(
ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى )
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة
قال موسى بن عقبة وانما حمل قريشا على بنائها ان السيل كان اتى من فوق الردم الذى
صنعوا فأخربه فخافوا ان يدخلها الماء وكان رجل يقال له مليح ( 1 ) سرق طيب
الكعبة فأرادوا ان يشيدوا بنيانها وان يرفعوا بابها حتى لا يدخل الا من شاءوا
وأعدوا لذلك نفقة وعمالا ثم عمدوا اليها ليهدموها على شفق وحذر من ان يمنعهم
الله الدى ارادوا . قال ابن اسحق ثم ان القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنيانها ( 2 )
كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل
قبيلة تريد ان ترفعه إلى موضعه دون الاخرى حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال
فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدى على الموت وأدخلوا
ايديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم فمكثت قريش على ذلك اربع
ليال او خمسا ثم انهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا فزعم بعض اهل
الرواية ان ابا امية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وكان يومئذ اسن
قريش كلها قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه اول من يدخل من
باب هذا المسجد يقضى بينكم ففعلوا فكان اول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه
قالوا هذا الامين رضينا هذا محمد فلما انتهى اليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله
عليه وسلم هلم إلى ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة
بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده
* (
هامش ) * ( 1 ) بضم الميم وسكون الهاء المثناة من تحتها . ( 2 ) في نسخة " لبنائها " . ( * )
ـ 76 ـ
صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه . وحكى السهيلى انها كانت تسع اذرع من عهد
اسمعيل يعنى ارتفاعها ولم يكن لها سقف فلما بنتها قريش قبل الاسلام زادوا فيها
تسع اذرع فكانت ثمان عشرة ذراعا ورفعوا بابها عن الارض فكان لا يصعد
اليها الا في درج او سلم وأول من عمل لها غلقا تبع ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها
تسع اذرع فكانت سبعا وعشرين ذراعا وعلى هذا هى إلى الآن . وكان بناؤها في
الدهر خمس مرات الاولى حين بناها شيث بن آدم عليهما السلام والثانية حين
بناها إبراهيم على القواعد الاولى والثالثة حين بنتها قريش قبل الاسلام بخمسة
أعوام والرابعة حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبى قبيس
فوقعت في أستارها فاحترقت وقيل ان إمرأة أرادت أن تجمرها فطارت شرارة من
المجمرة فاحترقت فشاور ابن الزبير في هدمها من حضر فهابوا هدمها وقالوا نرى أن
تصلح ما وهى ولا تهدم فقال لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح
ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها فهدمها حتى انتهى إلى قواعد ابراهيم وأمرهم أن يزيدوا
في الحفر فحركوا حجرا منها فرأوا تحته نارا وهو لا أفزعهم فأمرهم أن يغروا القواعد وان
يبنوا من حيث انتهى الحفر . وفى الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد فطاف الناس
بتلك الاستار فلم تخل من طائف حتى لقد ذكر ان يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب
واشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها . فلما استتم بنيانها ألصق
بابها بالارض وعمل لها خالفا أى بابا آخر من ورائها وأدخل الحجر فيها وذلك لحديث
حدثته به خالته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألم ترى قومك حين بنوا الكعبة
اقتصروا على قواعد ابراهيم حين عجزت بهم النفقة . ثم قال عليه السلام لولا حدثان
قومك بالجاهلية لهدمتها وجعلت لها خلفا وألصقت بابها بالارض ولادخلت الحجر
فيها أو كما قال عليه السلام . قال ابن الزبير فليس بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها
على مقتضى حديث عائشة . فلما قام عبدالملك بن مروان قال لسنا من تخليط
ـ 77 ـ
أبى خبيب بشئ فهدمها وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
فرغ من بنائها جاءه الحارث بن أبى ربيعة المعروف بالقباع وهو أخو عمر بن أبى
ربيعة الشاعر ومعه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث
المتقدم فندم وجعل ينكث في الارض بمخصرة في يده ويقول وددت أنى تركت
أبا خبيب وما تحمل من ذلك . فهذه المرة الخامسة . فلما قام أبوجعفر المنصور أراد
أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير وشاور في ذلك فقال له مالك بن أنس أنشدك
الله يا أمير المؤمنين وأن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك لا يشاء أحد منهم أن
يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه . وقد قيل
إنه نبى في أيام جرهم مرة او مرتين لان السيل كان قد صدع حائطه ولم يكن ذلك
بنيانا وإنما كان صلاحا لما وهى منه وجدارا يبنى بينه وبين السيل بناه عامر
الجادر . وكانت الكعبة قبل ان يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء
يطوف بها آدم ويأنس بها لانها أنزلت اليه من الجنة وكان قد حج إلى موضعها
من الهند . وقد قيل أيضا إن آدم هو أول من بناها . ذكره ابن اسحق في غير
رواية البكائى . وفى الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل ان يخلق الله
السموات والارض فلما بدأ الله يخلق الاشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق
السماء وقضاهن سبع سموات دحى الارض أى بسطها وذلك قوله سبحانه وتعالى
(
والارض بعد ذلك دحاها ) وإنما دحاها من تحت مكة ولذلك سميت أم القرى .
وفى التفسير أن الله سبحانه حين قال للسموات والارض ( ائتيا طوعا أو كرها قالتا
أتينا طائعين ) لم يجبه بهذه المقالة إلا أرض الحرم فلذلك حرمها . وفى الحديث أن
الله حرم مكة قبل أن يخلق السموات والارض الحديث .
ـ 79 ـ
(
ذكر ما حفظ من الاحبار والرهبان والكهان )
وعبدة الاصنام من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما تقدم
قال ابن اسحق وكانت الاحبار من يهود والرهبان من النصارى والكهان من
العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه
أما الاحبار من يهود والرهبان من النصارى فعما وحدوا في كتبهم من صفته وصفة
زمانه وما كان من عهد أنبيائهم اليهم فيه . وأما الكهان من العرب فأتتهم به
الشياطين فيما تسترق من السمع إذ كانت لا تحجب عن ذلك وكان الكاهن والكاهنة
لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره ولا تلقى العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله
ووقعت تلك الامور التى كانوا يذكرون فعرفوها فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد
التى كانت تقعد فيها لاستراقه فرموا بالنجوم فعرف الجن أن ذلك لامر حدث من
أمر الله في العباد يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه يقص
عليه خبرهم إذ حجبوا ( قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا
قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا
ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن
تقول الانس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من
الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء
فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع
الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندرى أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم
ربهم رشدا ) . فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك
ـ 80 ـ
لئلا يشكل الوحى بشئ من خبر السماء فيلبس على أهل الارض ما جاءهم من الله
فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة فآمنوا به وصدقوا ثم ولوا إلى قومهم منذرين قالوا
يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق
وإلى طريق مستقيم . وقول الجن ( وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال
من الجن ) الآية هو ان الرجل من العرب من قريش وغيرهم كان إذا سافر فنزل
بطن واد من الارض ليبيت فيه قال إنى أعوذ بعزيز هذا الوادى من الجن
الليلة من شر ما فيه . وذكر أن أول العرب فزع للرمى بالنجوم حين رمى بها
ثقيف وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بنى علاج وكان
أدهى العرب وأنكرها رأيا فقالوا له يا عمرو ألم تر ما حدث في السماء من القذف
بهذه النجوم قال بلى فانظروا فان كانت معالم النجوم التى يهتدى بها في البر والبحر
ويعرف بها الانواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هى التى يرمى
بها فهو والله طى هذه الدنيا وهلاك هذا الخلق الذى فيها وان كانت نجوما غيرها
وهى ثابتة على حالها فهذا لامر أراد الله بهذا الخلق . وقد روى أبوعمر النمرى من
طريق أبى داوود ثنا وهب بن بقية عن خالد . وبه قال وحدثنا محمد بن العلاء
عن ابن إدريس كلاهما عن حصين عن عامر الشعبى قال لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم
رجمت الشياطين بنجوم لم يكن يرجم بها قبل فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفى فقالوا
إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم فقال
لهم وكان رجل أعمى لا تعجلوا وانظروا فان كانت النجوم التى تعرف فهى عند
فناء الناس وان كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فاذا هى نجوم لا تعرف
فقالوا هذا من حدث فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبى صلى الله عليه وسلم . وروينا
من طريق مسلم ثنا الحسن بن على الحلوانى وعبد بن حميد قال حسن ثنا
يعقوب وقال عبد حدثنى يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن صالح عن
ـ 81 ـ
ابن شهاب قال حدثنى على بن حسين ابن عبدالله بن عباس قال أخبرنى رجل
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 81 سطر 1 الى ص 90 سطر 23
ابن شهاب قال حدثنى على بن حسين ابن عبدالله بن عباس قال أخبرنى رجل
من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من الانصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم رمى بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون في
الجاهلية إذا رمى بمثل هذا عبد . حدثنى يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن
صالح عن ابن شهاب قال قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول ولد الليلة رجل
عليم ومات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته
ولكن ربنا تبارك اسمه اذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين
يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش
لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ماذا قال فيسخبر بعض أهل السموات
بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم
ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون . أخبرنا
أبومحمد بن اسماعيل المسكى قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا ابو عبدالله بن أبى المعالى
ابن محمد بن الحسين نزيل الاسكندرية سماعا قال أنا أحمد بن محمد الشافعى قراءة
عليه وأنا أسمع قال أنا أحمد بن على بن الحسين قال أنا الحسن بن أحمد قال أنا
عبدالله بن جعفر قال أنا يعقوب بن سفيان ثنا يوسف بن حماد المعنى ثنا عبد
الاعلى عن محمد بن اسحق . وروينا من طريق البكائى عن ابن اسحق ومعناهما
واحد وهذا اللفظ للبكائى عن ابن سحق . قال وحدثنى صالح بن ابراهيم عن
محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال كان لنا جار
من يهود من بنى عبد الاشهل فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار
فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا
له ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا ان الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة
ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذى يحلف به ولود أن له بحظه من تلك النار
ـ 82 ـ
أعظم تنور في داره يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بان ينجو من تلك النار
غدا فقالوا له ويحك يا فلان وما آية ذلك قال نبى مبعوث من نحو هذه البلاد
وأشار بيده إلى مكة واليمن قالوا ومتى نراه ؟ فنظر إلى وأنا من أحدثهم سنا فقال
ان يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث
الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له
ويحك يا فلان ألست الذى قلت لنا فيه ما قلت قال بلى ولكن ليس به . وروينا
عن محمد بن سعد قال أنا محمد بن عمر قال حدثنى الحجاج بن صفوان عن أبى حسين
عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عنبسة السلمى قال رغبت عن آلهة قومى في
الجاهلية وذلك أنها باطل فلقيت رجلا من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت إنى
امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحى ليس معهم إله فيخرج الرجل منهم فيأتى
بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلها يعبده ثم لعله يجد ما هو
أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلا سواه فرأيت أنه إله
باطل لا ينفع ولا يضر فدلنى على خير من هذا فقال يخرج من مكة رجل يرغب عن
آلهة قومه ويدعو إلى غيرها فاذا رأيت ذلك فاتبعه فانه يأتى بأفضل الدين فلم
يكن لى همة منذ قال لى ذلك إلا مكة فآتى فأسأل هل حدث فيها حدث فيقال لا
ثم قدمت مرة فسالت فقالوا حدث فيها رجل يرغب عن الهة قومه ويدعو إلى
غيرها فشددت راحلتى برحلها ثم قدمت منزلى الذى كنت أنزل بمكة فسألت عنه
فوجدته مستخفيا ووجدت قريشا عليه أشداء فتلطفت له حتى دخلت عليه فسألته
فقلت أى شئ أنت قال نبى فقلت ومن أرسلك قال الله قلت وبم أرسلك قال
بعبادة الله وحده لا شريك له وبحقن الدماء وبكسر الاوثان وصلة الرحم وأمان
السبيل فقلت نعم ما أرسلت به قد آمنت بك وصدقتك أتأمرنى أن أمكث
معك أو أنصرف فقال ألا ترى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث
ـ 83 ـ
كن في أهلك فاذا سمعت بى قد خرجت مخرجا فاتبعنى فمكثت في أهلى حتى إذا
خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة فقلت يا نبى الله أتعرفنى قال نعم أنت
السلمى الذى أتيتنى بمكة وذكر باقى الحديث . وروينا عن ابن اسحق قال حدثنى
عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا ان مما دعانا إلى الاسلام مع رحمة
الله لنا وهداه لما كنا نسمع من احبار يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا
أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكان لا تزال بيننا وبينهم شرور فاذا لنا منهم
بعض ما يكرهون قالوا لنا إنه قد تقارب زمان نبى يبعث الآن يقتلكم قتل عاد
وارم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أجبناه
حين دعانا إلى الله عزوجل وعرفنا ما كانوا ي تواعدوننا به فبادرناهم اليه فآمنا
به وكفروا ففى ذلك نزلت هذه الآيات في البقرة ( ولما جاءهم كتاب من عند الله
مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا
كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) . وذكر الواقدى عن عطاء بن يسار قال
لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في التوراة قال أجل والله انه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن
يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين أنت عبدى
ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الاسواق ولا يدفع السيئة
بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا
لا إله إلا الله يفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا . قال عطاء ثم لقيت
كعب الاحبار فسألته فما اختلفا في حرف . وروينا عن ابن اسحق قال حدثنى
عاصم بن عمر عن شيخ من بنى قريظة قال قال لى هل تدرى عم كان اسلام ثعلبة
ابن سعية واسيد بن سعية واسيد بن عبيد نفر من هدل ( 1 ) اخوة قريظة كانوا معهم
في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الاسلام قال قلت لا قال فان رجلا من يهود من
* (
هامش ) * ( 1 ) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة . وذكره السهيلى بفتح الهاء والدال . ( * )
ـ 84 ـ
أهل الشام يقال له ابن الهيبان ( 2 ) قدم عليناقبل الاسلام بسنين فحل بين أظهرنا
لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلى الخمس افضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط
المطر قلنا له اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدى
نجواكم صدقة فنقول له كم فيقول صاعا من تمر او مدين من شعير فنخرجها ثم يخرج
بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقى لنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى
قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف انه
ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجنى من أمر الخمر والخمير إلى ارض البؤس
والجوع فقلنا أنت أعلم قال فانما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبى قد أظل زمانه
وهذه البلدة مهاجرة فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه قد أظلكم زمانه فلا تسبقن
اليه يا معشر يهود فانه يبعث بسفك الدماء وسبى الذرارى والنساء ومن خالفه فلا
يمنعنكم ذلك منه فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وحاصر بنى قريظة قال هؤلاء
الفتية وكانوا اشبانا أحداثا يا بنى قريظة والله انه للنبى الذى عهد إليكم فيه ابن الهيبان
قالوا ليس به قال بلى والله انه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم
وأهليهم . وذكر الواقدى عن النعمان السبائى قال وكان من أحبار يهود باليمن
فلما سمع بذكر النبى صلى الله عليه وسلم قدم عليه فسأله عن أشياء ثم قال إن أبى كان يختم
على سفر يقول لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبى قد خرج بيثرب فاذا سمعت به
فافتحه قال نعمان فلما سمعت بك فتحت السفر فاذا فيه صفتك كما أراك الساعة
وإذا فيه ما تحل وما تحرم وإذا فيه أنك خير الانبياء وأمتك خير الامم واسمك
أحمد صلى الله عليك وسلم وأمتك الحمادون قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم
لا يحضرون قتالا إلا وجبريل معهم يتحنن الله إليهم كتحنن الطير على أفراخه ثم
قال لى إذا سمعت به فاخرج اليه وآمن به وصدق به فكان النبى صلى الله عليه
* (
هامش ) * ( 2 ) بفتح الهاء وكسر الياء المثناة من تحت المشددة وفتح الباء الموحدة وآخره نون . ( * )
ـ 85 ـ
وسلم يجب أن يسمع أصحابه حديثه فأتاه يوما فقال له النبى صلى الله عليه وسلم
يا نعمان حدثنا فابتدأ النعمان الحديث من أوله فرئى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم
ثم قال اشهد أنى رسول الله . ويقال ان النعمان هذا هو الذى قتله الاسود العنسى
وقطعه عضوا عضوا وهو يقول أشهد أن محمدا رسول الله وأنك كذاب مفتر على الله
عزوجل ثم حرقه بالنار . أخبرنا الشيخان أبوالفضل عبدالرحيم بن يوسف بن يحيى
الموصلى وأ بوالهيجاء غازى بن أبى الفضل بن ع بدالوهاب قراءة على الاول وأنا
أسمع وبقراءتى على الثانى قالا أنا أبوحفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد الدارقزى
قراءة عليه قال الاول وأنا في الخامسة وقال الثانى وأنا أسمع قال أنا أبوالقاسم
هبة الله بن محمد بن عبدالواحد بن الحصين الشيبانى قال أنا أبوطالب محمد بن
محمد بن ابراهيم بن غيلان البزار قال أنا أبوبكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشافعى
ثنا محمد بن يونس ثنا يعقوب بن محمد الزهرى ثنا عبدالعزيز بن عمران عن عبد
الله بن جعفر عن أبى عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس
ابن ع بدالمطلب قال قال لى أبى ع بدالمطلب بن هاشم خرجت إلى اليمن في رحلة
الشتاء والصيف فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور فقال يا ع بدالمطلب بن هشام
ائذن لى أنظر في بعض جسدك قال قلت فانظر مالم يكن عورة قال فنظر في منخرى
قال أجد في إحدى منخريك ملكا وفى الاخرى نبوة فهل لك من شاعة قال قلت
وما الشاعة قال الزوجة قال قلت أما اليوم فلا قال فاذا قدمت مكة فتزوج قال فقدم عبد
المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن زهرة فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبدالله آمنة
بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت قريش تقول فلج عبدالله على أبيه ( 1 ) .
* (
هامش ) * ( 1 ) الفلج : الظفر والفوز . هنا في هامش الاصل " بلغ مقايلة " ( * )
ـ 87 ـ
(
خبر سلمان الفارسى رضى الله عنه )
روينا عن ابن إسحق قال حدثنى عاصم عن محمود عن ابن عباس قال
حدثنى سلمان الفارسى من فيه قال كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية
يقال لها جى وكان أبى دهقان قريته وكنت أحب خلق الله اليه لم يزل حبه إياى
حتى حبسنى في بيت كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن
النار الذى يوقدها لا يتركها تخبو ساعة وكانت لابى ضيعة عظيمة فشغل في بنيان
له يوما فقال لى يا بنى إنى قد شغلت في بنيانى هذا اليوم عن ضيعتى فاذهب اليها
فاطلعها وأمرنى فيها ببعض ما يريد ثم قال لى ولا تحتبس عنى فانك إن احتبست
عنى كنت أهم إلى من ضيعتى وشغلتنى عن كل أمر من أمرى فخرجت أريد
ضيعته التى بعثنى اليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم
فيها وهم يصلون وكنت لا أدرى ما أمر الناس لحبس أبى اياى في بيته فلما سمعت
أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتنى صلاتهم ورغبت في
أمرهم وقلت هذا والله خير من الذى نحن عليه فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس
وتركت ضيعة أبى فلم آتها ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فرجعت
إلى أبى وقد بعث في طلبى وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أى بنى أين كنت
ألم أكن عهدت اليك ما عهدت اليك قلت يا أبت مررت بالناس يصلون في
كنيسة لهم فأعجبنى ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس
قال أى بنى ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه فقلت له كلا
والله إنه لخير من ديننا قال فخافنى فجعل في رجلى قيدا ثم حبسنى في بيته وبعثت
ـ 88 ـ
إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبرونى بهم فقدم
عليهم تجار من النصارى فاخبرونى فقلت لهم اذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة
إلى بلادهم فآذنونى بهم قال فلما أرادوا الرجعة أخبرونى بهم فألقيت الحديد من
رجلى ثم قدمت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين
علما قالوا الاسقف في الكنيسة فجئته فقلت له إنى قد رغبت في هذا الدين وأحببت
أن أكون معك فأخدمك في كنيستك وأتعلم من علمك وأصلى معك قال أدخل
فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فاذا جمعوا اليه شيئا
منها إكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق
فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات واجتمعت النصارى ليدفنوه قلت
لهم ان هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فاذا جئتموه بها إكتنزها
لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا فقالوا لى وما علمك بذلك قلت أنا أدلكم
على كنزه فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا
والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ورموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت
رجلا لا يصلى الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا
أدأب ليلا ونهارا منه فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله فأقمت معه زمانا ثم حضرته
الوفاة فقلت له يا فلان إنى قد كنت معك وأحببتك حبا شديدا لم أحبه شيئا قبلك
وقد حضرك من الامر ما ترى فالى من توصى بى وبم تأمرنى فقال أى بنى والله
ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ولقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا
عليه إلا رجل بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فلما مات وغيب لحقت
بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانا أوصانى عند موته ان ألحق بك وأخبرنى
أنك على أمره فقال لى أقم عندى فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه
فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت يا فلان إن فلانا أوصى بى اليك وأمرنى
ـ 89 ـ
باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فالى من توصى بى وبم تأمرنى قال
يا بنى والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق
به فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبرى وما أمرنى به صاحبى
فقال أقم عندى فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه فأقمت مع خير رجل فوالله
ما لبث ان نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان ان فلانا كان أوصى بى إلى
فلان ثم أوصى بى فلان اليك فالى من توصى بى وبم تأمرنى قال يا بنى والله ما أعلم
بقى أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فأته فانه
على مثل ما نحن عليه فان أحببته فأته فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية
فأخبرته خبرى فقال أقم عندى فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه
وأمرهم واكتسبت حتى كانت لى بقرات وغنيمة ثم نزل به أمر الله فلما
حضر قلت له يا فلان إنى كنت مع فلان فأوصى بى إلى فلان ثم أوصى بى فلان
إلى فلان ثم أوصى بى فلان اليك فالى من توصى بى وبم تأمرنى قال أى بنى والله
ما أعلمه أصبح على مثل ماكنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أطل
زمان نبى مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره إلى أرض بين حرتين
بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم
النبوة فان استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات وغيب فمكثت
بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بى نفر من كلب تجار فقلت لهم إحملونى إلى
أرض العرب وأعطيكم بقراتى هذه وغنيمتى هذه فقالوا نعم ف أعطيتموها وحملونى
معهم حتى إذا بلغوا وادى القرى ظلمونى فباعونى من رجل يهودى فكنت عنده
فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلدة التى وصف لى صاحبى ولم يحق عندى
فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بنى قريظة من المدينة فابتاعنى منه
فحملنى إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبى فأقمت بها وبعث
ـ 90 ـ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم
هاجر إلى المدينة فوالله إنى لفى رأس عذق ( 1 ) لسيدى أعمل له فيه بعض العمل وسيدى
جالس تحتى إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه قال يا فلان قاتل الله بنى قيلة
والله إنهم الآن مجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبى
فلما سمعتها أخذتنى العرواء ( 2 ) حتى ظننت أنى ساقط على سيدى فنزلت عن النخلة
فجعلت أقول لابن عمه ذلك ما تقول فغضب سيدى ولكمنى لكمة شديدة ثم
قال مالك ولهذا أقبل على عملك فقلت لا شئ إنما أردت أن أستثبته عما قال ، وقد
كان عندى شئ جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له انه قد بلغنى انك رجل صالح ومعك
اصحاب لك غرباء ذووا حاجة وهذا شئ كان عندى للصدقة فرأيتكم أحق به
من غيركم فقربته اليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه كلوا وأمسك يده فلم
يأكل فقلت في نفسى هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته فقلت إنى رأيتك لا تأكل الصدقة
وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه فأكلوا معه فقلت
في نفسى هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد ( 3 )
قد تبع جنازة من اصحابه وعلى شملتان لى وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه
ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذى وصف لى صاحبى فلما رآنى رسول
الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أنى أستثبت في شئ وصف لى فألقى
الرداء عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكبت عليه أقبله وأبكى فقال لى
رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثى كما
حدثتك يابن عباس فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه
* (
هامش ) * ( 1 ) العذق بالفتح النخلة . ( 2 ) أى الرعدة . ( 3 ) مقبرة المدينة . ( * )
ـ 91 ـ
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 1 من ص 91 سطر 1 الى ص 100 سطر 20
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال
سلمان ثم قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبى
على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير ( 1 ) وأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أعينوا أخاكم فأعانونى بالنخل الرجل بثلاثين ودية ( 2 ) والرجل بعشرين ودية
والرجل بخمسة عشر والرجل بعشر والرجل ببقدر ما عنده حتى اجتمعت لى ثلاثمائة
ودية فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها فاذا فرغت فأتنى أكن
أنا أضعها بيدى ففقرت وأعاننى أصحابى حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج معى اليها
فجعلنا نقرب اليه الودى ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغت فوالذى نفس
سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل وبقى على المال فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال
ما فعل الفارسى المكاتب فدعيت له فقال خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان قلت
وأين تقع هذه يا رسول الله مما على قال خذها فان الله سيؤدى بها عنك فأخذتها
فوزنت لهم منها والذى نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم فشهدت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتنى معه مشهد . وذكر ابوعمر في
خبر سلمان من طريق يزيد بن الحباب قال حدثنى حسين بن واقد عن عبدالله
ابن بريدة عن أبيه أن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه فاشتراه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم من اليهود بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس
لهم كذا وكذا من النخل يعمل فيها سلمان حتى تدرك فغرس رسول الله صلى الله
عليه وسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة التى
غرسها عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غرسها قالوا : عمر فقلعها وغرسها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمت من عامها . وذكر البخارى رحمه الله
* (
هامش ) * ( 1 ) هو من الفقر وهو حفر البئر وقيل بئر لا ماء فيه أو ماؤه قليل . ( 2 ) أى نخلة صغيرة . ( * )
ـ 92 ـ
حديث سلمان كما ذكره ابن اسحق غير أنه ذكر ان سلمان غرس بيده ودية واحدة
وغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرها فعاشت كلها إلا التى غرس سلمان .
هذا معنى حديث البخارى رحمه الله . وعن سلمان أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أخبره خبره أن صاحب عمورية قال له إئت كذا وكذا من أرض الشام
فان بها رجلا بين غيضتين يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة
مستجيزا يعترضه ذوو الاسقام فلا يدعو لاحد منهم إلا شفى فسله عن هذا الدين
الذى تبتغى فهو يخبرك عنه قال سلمان فخرجت حتى جئت حيث وصف فوجدت
الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى
الغيضتين إلى الاخرى فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفى وغلبونى
عليه فلم أخلص اليه حتى دخل الغيضة التى يريد أن يدخل إلا منكبه فتناولته
فقال من هذا والتفت إلى فقلت يرحمك الله أخبرنى عن الحنيفية دين ابراهيم
قال إنك لتسأل عن شئ ما يسأل عنه الناس اليوم قد أظلك نبى يبعث بهذا
الدين من أهل الحرم فأته فهو يحملك عليه ثم دخل فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لئن كنت صدقتنى لقد لقيت عيسى بن مريم . رواه ابن اسحق عن داود
ابن الحصين قال حدثنى من لا أتهم عن عمر بن عبدالعزيز قال قال سلمان
فذكره . قيل ان الرجل المطوى الذكر في هذا الاسناد هو الحسن بن عمارة فان
يكنه فهو ضعيف عندهم قاله السهيلى . وقال وإن ضح هذا الحديث فلا نكارة
في متنه فقد ذكر الطبرى أن المسيح عليه السلام نزل بعد ما رفع وأمه وامرأة
أخرى عند الجذع الذى فيه الصليب يبكيان فكلمهما وأخبرهما أنه لم يقتل وأن
الله رفعه وأرسله إلى الحواريين ووجههم إلى البلاد واذا جاز ان ينزل مرة جاز أن
ينزل مرارا ولكن لا يعلم به انه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر الصليب
ويقتل الخنزير كما جاء في الصحيح والله أعلم . ويروى انه إذا نزل تزوج امرأة من
ـ 93 ـ
جذام ويدفن اذا مات في روضة النبى صلى الله عليه وسلم . وقوله فقر لثلثمائة ودية معناه حفر .
وقوله احييها له بالفقير قيل الوجه بالتفقير . وقطن النار خازن النار وخادمها . والعرواء
الرعدة . ورأيت بخط جدى رحمه الله فيما علقه على نسخته بكتاب السيرة الهشامية
من حواشى كتاب أبى الفضل عياض بن موسى وغيره قال الصدفى العرواء الحمى
النافض والبرحاء الحمى الصالب والرحضاء الحمى التى تأخذ بالعروق والمطواء التى
تأخذ بالتمطى والثوباء التى تأخذ بالتثاؤب . وذكر ابن إسحق في خبر زيد بن عمرو
ابن نفيل قال وكان زيد قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الارض يطلب
الحنيفية دين ابراهيم عليه السلام فكانت امرأته صفية بنت الحضرمى كلما رأته
تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل وكان الخطاب وكلها به فقال اذا
رأيتيه هم بأمر فآذنينى به ثم خرج يطلب دين ابراهيم عليه السلام ويسأل الرهبان
والاحبار حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل فجال الشام كلها حتى إذا انتهى إلى
راهب بميفعة ( 1 ) من الارض البلقاء كان ينتهى اليه علم النصرانية ( 2 ) فيما يزعمون فسأله
عن الحنيفية دين ابراهيم عليه السلام فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من
يحملك عليه اليوم ولكن قد أظلك زمان نبى يخرج من بلادك التى خرجت منها
يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق به فانه مبعوث الآن هذا زمانه . وقد كان زيد
شام اليهودية و النصرانية فلم يرض منها شيئا فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب
ما قال يريد مكة حتى اذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه . قال ابن اسحق وكان
فيما بلغنى عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله من الانجيل من صفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أثبت لهم يحنس ( 3 ) الحوارى حين نسخ لهم الانجيل من عهد
عيسى بن مريم اليهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أبغضنى فقد
* (
هامش ) * ( 1 ) الميفعة العالى من الارض . ( 2 ) في الظاهرية " علم أهل النصرانية " .
( 3 )
بضم الياء وفتح الحاء وتشديد النون ، ويجوز فيها الفتح والكسر معا . ( * )
ـ 94 ـ
بغض الرب ولولا انى صنعت بحضرتهم صنايع لم يصنعها أحد قبلى ما كانت لهم
خطيئة ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يغروننى وايضا للرب ولكن لابد أن
تتم الكلمة التى في الناموس انهم أبغضونى مجانا أى باطلا فلولا قد جاء المنحمنا
هذا الذى يرسله الله اليكم من عند الرب روح القسط هذا الذى من عند الرب
خرج فهو شهيد على وأنتم ايضا لانكم قديما كنتم معى على هذا قلت لكم لكى لا
تشكوا . والمنحمنا ب السريانية هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو بالرومية ا لبرقليطس .
قال ابن هشام وبلغنى أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم فكلما مات
رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التى
قبله ولم يكسرها فخرج الرئيس الذى كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يمشى فعثر فقال
ابنه تعس الابعد يريد النبى صلى الله عليه وسلم فقال له أبوه لا تفعل فانه نبى
واسمه في الوضائع يعنى الكتب فلما مات لم يكن له همة إلا أن شد فكسر الخواتم
فوجد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه فحج وهو الذى يقول :
إليك تغدو قلقا وضينها * معترضا في بطنها جنينها
مخالفا دين النصارى دينها
وقد روينا عن دحية بن خليفة الكلبى في توجهه بكتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملك
الروم وان ملك الروم قال لقومه هذا كتاب النبى الذى بشرنا به المسيح من ولد اسمعيل
ابن ابراهيم عليهما السلام . وسيأتى بسنده إن شاء الله تعالى عند ذكر كتب النبى
صلى الله عليه وسلم إلى الملوك . أخبرنا الامام أبو عبدالله محمد بن ابراهيم المقدسى حضورا
في الرابعة بقراءة والدى رحمة الله عليه بالقاهرة وأبوعبد الله محمد بن عبدالمؤمن
ابن أبى الفتح بقراءتى عليه بمرج دمشق قالا أنا أب والبركات داود بن أحمد بن
محمد بن ملاعب قال أنا أبوالفضل محمد بن عمر بن يوسف الارموى قال أنا أبو
القاسم يوسف بن أحمد بن محمد المهروانى بانتقاء أبى بكر الخطيب البغدادى الحافظ
ـ 95 ـ
عليه قال أنا أبوسهل محمود بن عمر العكبرى ثنا أبوصالح سهل بن اسمعيل الموسوى
ثنا ا بوالعباس عبدالله بن وهب الغزى بالرملة ثنا محمد بن أبى السرى العسقلانى
ثنا شيخ بن أبى خالد البصرى ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن
عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نقش خاتم سليمان بن داود
عليهما السلام لا إله إلا الله محمد رسول الله . وروينا عن محمد بن سعد قال أخبرنا
محمد بن عمر حدثنى العطاف بن خالد عن خالد بن سعيد قال قال تميم الدارى كنت
بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى بعض حاجتى فأدركنى الليل
فقلت أنا في جوار عظيم هذا الوادى فلما أخذت مضجعى إذا مناد ينادى لا أراه
عذ بالله فان الجن لا تجير أحدا على الله تعالى فقلت أيم تقول ؟ فقال قد خرج
رسول الاميين رسول الله وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه وذهب كيد
الجن ورميت بالشهب فانطلق إلى محمد فأسلم فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب
فسألت راهبا به وأخبرته الخبر فقال صدقوك نجده يخرج من الحرم ومهاجره الحرم
وهو خير الانبياء فلا تسبق اليه قال تميم فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأسلمت .
(
خبر قس بن ساعدة الايادى )
قرئ على الشيخة الاصيلة أمة الحق شامية ابنة الامام الحافظ أبى على الحسن
ابن محمد بن محمد بن محمد البكرى وأنا أسمع بالقاهرة قالت أنا أبومحمد عبدالجليل
ابن أبى غالب بن أبى المعالى بن مندوية الاصبهانى قراءة عليه وأنا أسمع سنة عشر
وستمائة قال أنا أ بوالمحاسن نصر بن المظفر بن الحسين البرمكى الجرجانى سماعا
عليه سنة تسع وأربعين وخمسمائة قال أنا أبوالحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن
ـ 96 ـ
النقور قال أنا أبوالحسن على بن عمر بن محمد بن الحسن الحربى ثنا أبوالقاسم
عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوى ثنا محمد بن حسان بن خالد السمتى أبو
جعفر سنة ثمان وعشرين ومائتين وفيها توفى ثنا محمد بن الحجاج اللخمى عن
مجالد عن الشعبى عن ابن عباس قال قدم وفد عبد قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أيكم يعرف قس بن ساعدة الايادى قالوا كلنا يا رسول الله يعرفه قال فما فعل
قالوا هلك قال ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر وهو يقول أيها الناس اجتمعوا
واسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا
وإن في الارض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم
قس قسما حتما لئن كان في الامر رضى ليكونن سخطا إن لله لدينا هو أحب اليه
من دينكم الذى أنتم عليه مالى أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام
فأقاموا أم تركوا فناموا . ثم قال أيكم يروى شعره فأنشدوه :
في الذاهبين الاولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومى نحوها * تمضى الاصاغر والاكابر
لا يرجع الماضى إلى * ولا من الباقين غابر
أيقنت انى لا محالة * حيث صار القوم صائر
وقرأت على أبى الفتح يوسف بن يعقوب الشيبانى بدمشق أخبركم أبواليمن
زيد بن الحسن الكندى قراءة عليه وأنتم تسمعون قال أنا الحافظ أبوالقاسم
اسمعيل بن أحمد بن عمر بن السمرقندى قراءة عليه وأنا اسمع قال أنا ابوصالح
احمد بن عبدالملك المؤذن ثنا أبو عبدالرحمن محمد بن الحسين السلمى ثنا أ بوالعباس
الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطى بمكة من حفظه وزعم أن له خمسا
وتسعين سنة في ذى الحجة سنة ست وستين وثلثمائة على باب ابراهيم قال ثنا
ـ 97 ـ
محمد بن عيسى بن محمد الاخبارى ثنا أبى عيسى بن محمد بن سعيد القرشى ثنا على بن
سليمان عن سليمان بن على عن على بن عبدالله عن عبدالله بن عباس قال قدم الجارود
ابن عبدالله وكان سيدا في قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذى بعثك بالحق
لقد وجدت صفتك في الانجيل ولقد بشر بك ابن البتول فأنا أشهد أن لا إله إلا
الله وأنك محمد رسول الله قال فآمن الجارود وآمن من قومه كل سيد فسر النبى
صلى الله عليه وسلم بهم وقال يا جارود هل في جماعة وفد عبدالقيس من يعرف لنا قسا قالوا
كلنا نعرفه يا رسول الله وأنا من بين يدى القوم كنت أقفو أثره كان من أسباط
العرب فصيحا عمر سبعمائة سنة أردك من الحواريين سمعان فهو أول من تأله من
العرب كأنى أنظر اليه يقسم بالرب الذى هو له ليبلغن الكتاب اجله وليوفين
كل عامل عمله ثم أنشأ يقول :
هاج للقلب من جواه ادكار * وليال خلالهن نهار
في أبيات آخرها : والذى قد ذكرت دل على الله * نفوسا لها هدى واعتبار
فقال النبى صلى الله عليه وسلم على رسلك يا جارود فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق ( 1 )
وهو يتكلم بكلام ما أظن انى احفظه فقال أبوبكر يا رسول الله فانى أحفظه كنت
حاضرا ذلك اليوم بسوق عكاظ فقال في خطبته : يا أيها الناس اسمعوا وعوا
وإذا وعيتم فانتفعوا انه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت مطر
ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات وآيات بعد
آيات إن في السماء لخبرا وان في الارض لعبرا ليل ذاج وسماء ذات أبراج وأرض
ذات رتاج وبحار ذات أمواج مالى أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام
فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسما لا حانثا فيه ولا آثما ان لله دينا هو أحب
اليه من دينكم الذى أنتم عليه ونبيا قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى لمن آمن
* (
هامش ) * ( 1 ) هو ما في لونه بياض إلى سواد . ( * )
ـ 98 ـ
به فهداه وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال تبا لارباب الغفلة من الامم الخالية والقرون
الماضية يا معشر إياد أين الآباء والاجداد وأين المريض والعواد وأين الفراعنة الشداد
أين من بنى وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى
وقال انا ربكم الاعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالا وأطول منكم آجالا وأبعد منكم
آمالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها
الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود ثم أنشأ يقول
في الذاهبين الاولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومى نحوها * تمضى الاصاغر والاكابر
لا يرجع الماضى إلى * ولا من الباقين غابر
أيقنت أنى لامحا * لة حيث صار القوم ضائر
قام ثم جلس وقام رجل اشدق اجش ( 1 ) الصوت فقا لقد رأيت من قس عجبا خرجت
أطلب بعيرا لى حتى اذا عسعس الليل وكاد الصبح ان يتنفس هتف بى هاتف يقول
يأيها الراقد في الليل الاحم * قد بعث الله نبيا في الحرم
من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجنات الليالى والبهم ( 2 )
قال فأدرت طرفى فما رأيت شخصا فأنشأت أقول
يأيها الهاتف في داجى الظلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم * من ذا الذى تدعو اليه تغتنم
قال فاذا أنا بنحنحة وقائل يقول ظهر النور وبطل الزور وبعث الله محمدا
صلى الله عليه وسلم بالحبور صاحب النجيب الاحمر والتاج المغفر والوجه الازهر والحاجب
الاقمر والطرف الاحور صاحب قول شهادة أن لا إله الا الله فذلك محمد المبعوث
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : غليظ . ( 2 ) دجنات اى : ظلمات ، واليهم جمع ليهم وهى السود . ( * )
ـ 99 ـ
إلى الاسود والاحمر أهل المدر والوبر ثم أنشأ يقول
الحمد لله الذى لم يخلق الخلق عبث * ولم يخلنا سدا من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا احمدا خير نبى قد بعث * صلى عليه الله ما حج له ركب وحث
قال ولاح الصباح واذا بالفنيق ( 1 ) يشقشق ( 2 ) إلى النوق فملكت خطامه وعلوت سنامه
حتى اذا لغب فنزل في روضة خضرة فاذا انا بقس بن ساعدة في ظل شجرة وبيده
قضيب من أراك ينكث به في الارض وهو يقول :
يا ناعى الموت والملحود في جدث * عليهم من بقايا بزهم حرق
دعهم فان لهم يوما يصاح بهم * فهم اذا انتبهوا من نومهم فرقوا
حتى يعودوا بحال غير حالهم خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها المنهج الخلق
قال فدنوت منه فسلمت عليه فرد على السلام فاذا أنا بعين حرارة في ارض
خوارة ومسجد بين قبرين وأسدين عظيمين يلوذان به واذا بأحدهما قد سبق
الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء فضربه بالقضيب الذى في يده وقال له ارجع
ثكلتك أمك حتى يشرب الذى ورد قبلك فرجع ثم ورد بعده فقلت له ما هذان
القبران قال هذان قبرا أخوين كانا لى يعبدان الله عزوجل معى في هذا المكان
لا يشركان بالله شيئا فأدركهما الموت فقبرتهما وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما
ثم نظر اليهما وجعل يقول
خليلى هبا طالما قد رقدتما * أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أنى بسمعان مفردا * ومالى فيه من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالى أو يجيب صداكما
* (
هامش ) * ( 1 ) بفتح الفاء وكسر النون وهو الجمل المكرم لا يركب ولا يهان لكرامته .
( 2 )
اى : يخرج شقشقته من جوفه فينفخها فتظهر من شقه عند هياجه . ( * )
ـ100ـ
أبكيكما طول الحياة وما الذى * يرد على ذى لوعة ان بكاكما
كأنكما والموت اقرب غائب * بروحى في قبريكما قد أتاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا * كأن الذى يسقى العقار ( 1 ) سقاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية * لجدت بنفسى ان تكون فداكما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله قسا إنى ارجو أن يبعثه الله عزوجل أمة وحده ( 2 )
(
خبر سواد بن قارب )
وكان يتكهن في الجاهلية وكان شاعرا ثم اسلم
قرأت على أبى عبدالله بن ابى الفتح بن وثاب الصورى ب الزعيزعية ( 3 ) بمرج دمشق
قلت له أخبركم الشيخان المؤيد هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادى نزيل
أصبهان وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة قالا : أنا أبوالفرج سعيد
ابن أبى الرجاء الصيرفى قراءة عليه ونحن نسمع بأصبهان قال أنا ابونصر ابراهيم بن
محمد بن على الاصبهانى الكسائى قال انا ابوبكر محمد بن ابراهيم بن على بن عاصم بن
المقرئ قال أنا ابويعلى أحمد بن على بن المثنى الموصلى ثنا يحيى بن حجر بن النعمان السامى
ثنا على بن منصور الانبارى عن عثمان بن عبدالرحمن الوقاصى عن محمد بن كعب
القرظى قال بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذات يوم جالسا إذ مر به رجل
فقيل يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المار قال ومن هذا قالوا هذا سواد بن قارب
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : الخمر . ( 2 ) قال الحافظ ابن كثير قصة قس لها طرق كلها ضعيفة وهى
مع ضعفها ك المتعاضدة على اثبات اصل القصة .
( 3 )
بضم ففتح فسكون فكسر فكسر ففتح بتشديد من قرى مرج دمشق .
المجلد الثاني



المجلد الثاني عيون الاثر
عيون الاثر مجلد: 2
ـ 1 ـ
السيرة النبوية
المسمى
عيون الاثر
ـ 3 ـ
السيرة النبوية
المسمى
عيون الاثر
في فنون المغازي والشمائل والسير
تأليف
محمد بن عبد الله بن يحي
ابن سيد الناس
671
ه - 734 ه
المجلد الثاني
ـ 4 ـ
ـ 5 ـ
ـ غزوة حمراء الاسد ـ
وهى صبيحة يوم الاحد عند ابن اسحق لست عشرة مضت من شوال
عند ابن سعد لثمان خلون من شوال من صبيحة أحد والخلاف عندهم في أحد
كما سبق . قال ابن اسحق وأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس
طلب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالامس
بكلمة ؟ ؟ جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام فقال يا رسول الله إن أبى كان خلفنى على
خوات لى سبع وقال يا بنى إنه لا ينبغى لى ولا لك ان نترك هؤلاء النسوة لا رجل
فيهن ؟ ؟ ولست بالذى أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف على
حواتك فتحلفت عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه
وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه خرج في
طلبة ليظنوا به قوة وان الذى أصابهم لم يوههم عن عدوهم فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الاسد - وهى من المدينة على ثمانية اميال -
واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام فأقام بها الاثنين والثلاثاء
والاربعاء ثم رجع إلى المدينة وقد مر به - كما حدثنى عبدالله بن أبى بكر - معبد بن
بى معبد الخزاعى وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله صلى
الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ
مشرك ؟ ؟ فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا ان الله قد
عافاك فيهم وكان معبد قد رأى خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين
لى حمراء الاسد ولقى أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول
ـ 6 ـ
الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ففت ( 1 ) ذلك في أعضاد قريش وقد كانوا أرادوا
الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه صلى الله عليه وسلم فتمادوا إلى مكة وظفر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخرجه ذلك بمعاوية بن المغيرة بن أبى العاص
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا ( 2 ) وهو والد عائشة أم عبد
الملك بن مروان . وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال وهو بحمراء الاسد
حين بلغه أنهم هموا بالرجعة " والذى نفسى بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا
بها لكانوا كأمس الذاهب " قال ابن هشام ويقال ان زيد بن حارثة وعمار بن
ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الاسد كان لجأ إلى عثمان بن عفان
فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه على أنه وجد بعد ثلاث
قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعثهما النبى صلى الله عليه وسلم وقال انكما ستجدانه
بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه . وقال ابن سعد ودعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه إلى على بن أبى طالب ويقال لى
أبى بكر الصديق وخرج وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيته
قد شظيت ( 3 ) وشفته السفلى قد كلمت ( 4 ) في باطنها وهو متوهن منكبه يعنى الايمن
من ضربة ابن قمئة وركبتاه مجحوشتان ( 5 ) وحشد أهل العوالى ونزلوا حيث أتاهم
الصريخ وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وخرج الناس معه فبعث
ثلاثة نفر من اسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد
قال وللقوم زجل ( 6 ) وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك فبصروا
بالرجلين فعطفوا عليهما فقتلوهما ومضوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الاسد وكان المسلمون يوقدون تلك الليالى خمسمائة
* (
هامش ) * أى اضعفهم .
( 2 )
القتل صبرا هو أن يمسك شئ من ذوات الروح فيرمى بشئ حتى يموت .
( 3 )
اى : كسرت .
( 4 )
أى جرحت
( 5 )
اى انخدش جلدهما
( 6 )
اى صوت .
ـ 7 ـ
نار حتى ترى من المكان البعيد . وذهب صوت معكسرهم ونيرانهم في كل
وجه فكبت الله تبارك وتعالى بذلك عدوهم . وكان دليله صلى الله عليه وسلم
إلى حمراء الاسد ثابت بن الضحاك بن ثعلبة من الخزرج وليس بأخى أبى جبيرة
ابن الضحاك ذاك أوسى من بنى عبدالاشهل وله حديث في النهى عن المزارعة
رواه مسلم ومن الناس من يجعل ذلك الحديث لثابت هذا وليس بشئ .
ـ 8 ـ
ـ سرية ابى سلمة بن عبدالاسد ـ
روينا عن ابن سعد قال ثم سرية أبى سلمة بن عبدالاسد المخزومى إلى قطن
وهو جبل بناحية فيد - ماء لبنى أسد بن خزيمة - في هلال المحرم على رأس خمسة
وثلاثين شهرا وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابنى
خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعونهم إلى حرب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة وعقد له لواء وبعث
معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار ، وقال سر حتى تنزل أرض بنى
أسد فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم . فخرج فأغذ ( 1 ) السير ونكب عن
سنن الطريق وسبق الاخبار وانتهى إلى أدنى قطن فأغار على سرح لهم فضمه
وعاء ؟ ؟ لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم فجاءوا جميعهم فحذروهم فتفرقوا في كل
ناحية ففرق أبوسلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء فآبوا اليه سالمين
قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر أبوسلمة بذلك كله إلى المدينة .
* (
هامش ) * ( 1 ) أى أسرع .
ـ 9 ـ
ـ سرية عبدالله بن انيس ـ
قال ابن سعيد ثم سرية عبدالله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى
العرنة ؟ ؟ : خرج من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة
وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه بلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان سفيان بن خالد الهذلى ثم اللحيانى وكان ينزل عرنة وما
والاها في ناس من قومه قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن انيس ليقتله فقال صفه لى يا رسول الله
فقال اذا رأيته هبته وفرقت ( 1 ) منه وذكرت الشيطان قال وكنت لا أهاب الرجال
فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم فأذن لى فأخذت سيفى وخرجت
اعتزى إلى خزاعة حتى اذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشى ووراءه الاحابيش ومن
ضوى ( 2 ) اليه فعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته فرأيتنى اقتر عرقا
فقلت صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال من الرجل فقلت رجل من
بنى خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لاكون معك فقال ؟ ؟ ؟ ؟ أجل انى لاجمع له
فمشيت معه ساعة وحدثته فاستحلى حديثى حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه
أصحابه حتى اذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم دخلت غارا
في الجبل وضربت العنكبوت على وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين
ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة فوجدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما رآنى قال أفلح الوجه قلت افلح
وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته حبرى فدفع إلى عصا فقال
* (
هامش ) * ( 1 ) اى خفت
( 2 )
أى أوى . ( * )
ـ 10 ـ
تخصر بهذه في الجنة فكانت عند ؟ فلما حضرته الوفاة أوصى أهله ان يدرجوها
في كفنه ففعلوا ، وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة وقدم يوم السبت لسبع بقين من
المحرم . وقال ابن عقبة جعلوها في كفنه بينجلده وثيابه . وقال موسى بن عقبة
أيضا فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بموته قبل قدوم عبدالله
ابن أنيس . قال ابن هشام وقال عبدالله بن أنيس في ذلك :
تركت ابن ثور كالحورا وحوله * نوائح تفرى كل جيب مقدد
تناولته والظعن خلفى وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند
أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن انيس فارسا غير قعدد
وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبى محمد
وكنت اذا هم النبى بكافر * سبقت اليه باللسان وباليد
قوله يعجم رأسه من قولهم فلان يعجم التمرة أى يلوكها ويعضها . والقعدد
والقعدد الجبان . قال ابن عقبة ولا ندرى من أين بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم عبدالله بن انيس إلى ابن نبيح أمن المدينة أم من غيرها .
ـ 11 ـ
ـ بعث الرجيع ـ
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 11 سطر 1 الى ص 20 سطر 25
ـ بعث الرجيع ـ
وكان في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن سعد
روينا من طريق البخارى قال حدثنى موسى بن اسمعيل فثنا ابراهيم
قال انا ابن شهاب قال أخبرنى عمرو بن أسيد بن جارية الثقفى حليف بنى
زهرة ، وكان من أصحاب أبى هريرة عن أبى هريرة قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الانصارى جد
عاصم بن عمر بن الخطاب ( 1 ) حتى اذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا
لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام
فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا
آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا
انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق وأن لانقتل منكم أحدا . فقال
عاصم بن ثابت أيها القوم أما أنا فلا انزل في ذمة كافر ثم قال اللهم أخبر عنا
نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما ونزل اليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم
خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر . فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم
فربطوهم بها فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم ان لى بهؤلاء
أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فانطلق بخبيب وزيد بن
الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا
وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى
أجمعوا قتله فاستعار خبيب من بعض بنات الحرث موسى يستحد بها فأعارته
* (
هامش ) * ( 1 ) كذا وقع في الصحيح ، قال بعض الحفاظ صوابه خاله لاجده . ( * )
ـ 12 ـ
مدرج ؟ ؟ ؟ بنى ( 1 ) لها وهى غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخده والموسى بيده
قالت ؟ ؟ ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين ان اقتله ما كنت لافعل ذلك
قالت والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا
من عنب في يده وانه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة وكانت تقول انه لرزق
رزقه الله خبيبا . فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب دعونى
أصلى ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع
لزدت ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول :
فلست أبالى حين أقتل مسلما * على أى شق كان لله مصرعى
وذلك في ذات الاله وان يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام اليه أبوسروعة غقبة بن الحارث فقتله . وكان خبيب هو سن لكل مسلم
قتل صبرا الصلاة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا
خبرهم وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا
شئ منه يعرف . وكان قتل عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من
لدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا . كذا روينا في هذا
لخبر من طريق البخارى في جامعه وفيه أن خبيبا هذا قتل الحارث بن عامر
وم بدر وليس ذلك عندهم بمعروف . وإنما الذى قتل الحرث بن عامر خبيب
بن اساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج .
خبيب بن عدى لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازى . وروينا عن ابن
سحق قال وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة قال وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله ان فينا إسلاما فابعث معنا نقرا
من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرؤننا القرآن ويعلموننا شرائع الاسلام
فبعث معهم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبى مرثد الغنوى حليف حمزة
* (
هامش ) * ( 1 ) اسم هذا الصبى ابوالحسين بن الحارث بن عامر بن نوفل ، ومن ولده
عبدالله بن عبدالرحمن بن أبى الحسن المحدث . ( * )
ـ 13 ـ
بن ع بدالمطلب وخالد بن البكير الليثى حليف بنى عدى بن كعب وعاصم بن
ثابت بن أبى الاقلح أخو بنى عمرو بن عوف وحبيب بن عدى أخو بنى جحجبا
ابن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة أخو بنى بياضة وعبدالله بن طارق
حليف بنى ظفر . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبى
مرثد الغنوى فحرجوا مع القوم حتى اذا كانوا على الرجيع - ماء لهذيل - غدروا
بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم
السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم فقالوا لهم انا والله لا نريد
قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من اهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه
ان لا نقتلكم فأبوا فأما مرثد وخالد وعاصم فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا
وقاتلوا حتى قتلوا . فلما قتل عاصم أرادت هذيل اخذ رأسه ليبيعوه من سلافة
بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين اصاب ابنيها يوم احد لئن قدرت
على رأس عاصم لتشربن فيه الخمر . قال ابوجعفر الطبرى وجعلت لمن جاءت
برأسه مائة ناقة .
رجع إلى خبر ابن اسحق : فمنعه الدبر فلما حالت بينهم وبينه قالوا دعوه حتى يمسى
فنأخذه فبعث الله الوادى فاحتمل عاصما فذهب به وقد كان عاصم اعطى الله
عهد ان لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا ابدا . واما زيد بن الدثنة وخبيب وابن
طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحيوة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا
بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى اذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق
يده من القرآن ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه
فقبر بالظهران يرحمه الله . وأما خبيب وزيد فقدموا بهما مكة فباعوهما من قريش
بأسيرين من هذيل كانا بمكة فابتاع خبيبا حجير بن أبى اهاب التميمى حليف
بنى نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه . وأما زيد بن الدثنة فابتاعه
صفوان بن أمية ليقتله بأبيه فأخرجه مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم
خارج الحرم ليقتله واجتمع رهط من قريش فيهم أبوسفيان بن حرب فقال له
ـ 14 ـ
أبوسفيان حين قدم ليقتل أنشدك بالله يازيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك
نضرب عنقه وانك في أهلك فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذى
هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وانى لجالس في أهلى قال يقول أبوسفيان ما رأيت
من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس يرحمه الله .
ورأيت في كتاب ذيل المذيل لابى جعفر محمد بن جرير الطبرى لحسان بن ثابت
يرثى أصحاب الرجيع الستة
ألا ليتنى فيها شهدت ابن طارق * وزيدا وما تغنى الامانى ومرثدا
ودافعت عن حبى خبيب وعاصم * وكان شفاء لو تداركت خالدا
وذكر ابن سعد أن البعث كانوا عشرة وذكر الستة الذين ذكرناهم وزاد ومعتب
ابن عبيد وهو أخو عبدالله بن طارق لامه ولم يذكر الباقين . وذكر ابن عقبة
أيضا معتب بن عبيد فيهم وذكر أن الذى قيل له أتحب ان محمدا مكانك هو
هو خبيب بن عدى حين رفع على الخشبة فقال لا والله فضحكوا منه . قال وقال
خبيب اللهم انى لا أجد إلى رسولك رسولا غيرك فابلغه منى السلام وزعموا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس في ذلك اليوم الذى قتلا فيه
وعليكما أو عليك السلام خبيب قتلته قريش ولا يدرون أذكر زيد بن الدثنة معه
أم لا . وزعموا أنهم رموا زيد بن الدثنة بالنبل وأرادوا فتلته فلم يزدد إلا ايمانا
وتثبيتا ، وزعموا أن عمرو بن أمية الضمرى دفن خبيبا . قال أبوعمر وروى
عمرو بن أمية الضمرى قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبيب بن
عدى لا نزله من الخشبة فصعدت خشبته ليلا فقطعت عنه وألقيته فسمعت وجبة ( 1 )
خلفى فالتفت فلم أر شيئا . وقال ابن عقبة واشترك في ابتياع خبيب زعموا
أبواهاب بن عزيز وعكرمة بن أبى جهل والاخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم
ابن الاوقص وأمية بن أبى عتبة وبنو الحضرمى وصفوان بن أمية بن خلف
* (
هامش ) * ( 1 ) اى صوتا ( * )
ـ 15 ـ
وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر ودفعوه إلى عقبة بن الحارث فسحنه في
داره - الحديث . وكان فيما أنزل الله تعالى في المنافقين الذين كانوايامز ونهم وفيهم
من القرآن ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) إلى أن ذكر هم فقال ( ومن
الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ) الآية . ومما قاله حسان يهجو هذيلا
لعمرى لقد شانت هذيل بن مدرك * أحاديث كانت في خبيب وعاصم
أحاديث لحيان صلوا بقبيحها * ولحيان ركابون شر الجرائم
هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت * أمانتهم ذا عفة ومكارم
قبيلة ليس الوفاء بهمهم * وان ظلموا لم يدفعوا كيف ظالم
اذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم * بمجرى مسيل الماء بين المخارم
محلهم دار البوار ورأيهم * اذا نابهم أمر كرأى البهائم
الدبر ذكر النحل . ( 1 )
* (
هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ 16 ـ
ـ قصة بئر معونة ـ
وكان في صفرعلى رأس أربعة أشهر من أحد عند ابن اسحق . قال وكان
من حديثهم كما حدثنى أبى اسحق بن يسار عن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث
ابن هشام وعبدالله بن محمد بن أبى بكر بن عمرو بن حزم ( 1 ) وغيرهم من اهل العلم
قالوا قدم أبوبراء عامر بن مالك بن مالك بن جعفر ملاعب الاسنة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فعرض عليه الاسلام ودعاه اليه فلم يسلم ولم يبعد عن الاسلام
وقال يا محمد لو بعثت رجالا من اصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت
أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى اخشى اهل نجد عليهم
قال ابوبراء انا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخى بنى ساعدة المعبق ليموت في اربعين
وعن غير ابن اسحق في سبعين رجلا من اصحابه من خيار المسلمين فساروا حتى
نزلوا بئر معونة وهى بين ارض بنى عامر وحرة بنى سليم كلا البلدين منها قريب
وهى إلى حرة بنى سليم اقرب فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه
حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بنى عامر فأبوا أن يجيبوه إلى
ما دعاهم اليه وقالوا لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ
عليهم قبائل من سليم عصية ورعلا فأجابوه إلى ذلك ثم خرجوا حتى غشوا
القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى
آخرهم رحمهم الله إلا كعب بن زيد أخا بنى دينار بن النجار فانهم تركوه وبه
* (
هامش ) * ( 1 ) لعله عبدالله بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم . ( * )
ـ 17 ـ
رمق فارتث ( 1 ) من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا رحمه الله . وكان
في سرح القوم عمرو بن أمية الضمرى ورجل آخر من الانصار أحد بنى عمرو
ابن عوف . قال ابن هشام هو المنذر بن محمد بن عقبة بن احيحة بن الجلاح .
قال ابن اسحق فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا
والله ان لهذه الطير لشأنا فأقبلا ينظر ان فاذا القوم في دمائهم واذا الخيل التى
أصابتهم واقفة فقال الانصارى لعمرو بن أمية ماذا ترى قال نرى أن نلحق
برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الانصارى لكنى ما كنت
لارغب بنفسى عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه
الله وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبر هم انه من مضر أخذه عامر بن الطفيل
وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه . فحرج عمرو بن أمية حتى
اذا كان بالقرقوة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر حتى نزلا معه في ظل
هو فيه فكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم
يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا ممن أنتما فقالا من بنى عامر فأمهلهما
حتى اذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى ان قد أصاب بهما تؤرة من بنى عامر
فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن أمية
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد قتلت قتيلين لادينهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبى
براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه اخفار عامر إياه
وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه . وقال حسان بن ثابت
يحرض بنى أبى براء على عامر بن الطفيل :
بنى أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبى براء * ليخفره وما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعى * فما أحدثت في الحدثان بعدى
أبوك أ بوالحروب أبوبراء * وخالك ماجد حكم بن سعد
* (
هامش ) * ( 1 ) ارتث مبنيا للمجهول اى حمل من المعركة رثيثا اى جريحا وبه رمق . ( * )
ـ 18 ـ
أم البنين هى أم ابى البراء من بنى عامر بن صعصعة فحمل ربيعة بن أبى براء
على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه ( 1 ) ووقع عن فرسه فقال
هذا عمل ابى براء إن انامت فدمى لعمى فلا يتبعن به وان اعش فسأرى رأيى .
قال أبوعمر ذكر عبدالرزاق عن معمر عن ثمامة بن عبدالله بن انيس عن انس بن
مالك ان حرام بن ملحان وهو خال انس طعن يوم بئر معونة في رأسه فتلقى دمه
بكفه ثم نضحه ( 2 ) على رأسه ووجهه وقال فزت ورب الكعبة . وقيل ان حرام بن
ملحان ارتث يوم بئر معونة فقال الضحاك بن سفيان الكلابى وكان مسلما يكتم
إسلامه لامرأة من قومه هل لك في رجل ان صح كان نعم المراعى فضمته اليها
فعالجته فسمعته يقول :
أتت عامر ترجو الهوادة بيننا * وهل عامر إلا عدو مداجن
اذا ما رجعنا ثم لم تك وقعة * بأسيافنا في عامر أو نطاعن
فلا ترجونا ان تقاتل بعدنا * عشائرنا و المقربات الصوافن
فوثبوا عليه فقتلوه والاول اصح . وقتل يومئذ عامر بن فهيرة قتله عامر بن الطفيل
من طريق يونس بن بكير عن ابن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم
عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له من الرجل الذى لما قتل
رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع فقال له هو عامر بن
فهيرة . وروى ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب قال زعم عروة بن الزبير أن
عامر بن فهيرة قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوا يرون ان الملائكة دفنته
رحمه الله والله اعلم بالصواب .
* (
هامش ) * ( 1 ) يقال رمى فأشوى اذا لم يصب المقتل
( 2 )
اى : رشه .
ـ 19 ـ
ـ وممن استشهد يوم بئر معونه ـ
عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصديق وهو ابن اربعين سنة قديم الاسلام
سلم قبل ان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن ابى
الارقم . والحكم بن كيسان مولى بنى مخزوم . والمنذر بن محمد بن عقبة بن
احيحة بن الجلاح . وابوعبيدة بن عمرو بن محصن . والحارث بن الصمة بن
عمرو ابنا عتيك بن عمرو بن مبذول . وابى بن معاذ بن انس بن قيس بن
عبيد بن زيد بن معاوية بن مالك بن النجار واخوه انس . وابن
اسحق وابن عقبة يسميانه اوسا ، والواقدى يقول ان انسا هذا مات في خلافة
عثمان . وابوشيخ ابن ابى بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة
ابن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار ، وحرام وسليم ابنا ملحان بن خالد بن
زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار ، واسم ملحان مالك ،
وهما اخوا ام سليم ام انس بن مالك واخوا ام حرام امرأة عبادة بن الصامت
ومالك وسفيان ابنا ثابت من الانصار من بنى النبيت ، وذلك مما انفرد به محمد بن
عمر الواقدى لم يوجد ذكر مالك وسفيان في شهداء بئر معونة عن غير محمد بن
عمر وعروة بن اسما بن الصلت من بنى عمرو بن عوف من حلفائهم ، وقطبة بن عبد
عمرو بن مسعود بن كعب بن عبد الاشهل بن حارثة بن دينار ، والمنذر بن عمرو بن
خنيس بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة وهو اميرهم ، ومعاذ
ابن ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق واخوه عائذ ، وغير الواقدى يقول
جرح معاذ ببدر ومات منه بالمدينة ، وقيل في عائذ مات باليمامة ، ومسعود بن سعد
ابن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق عند الواقدى ، واما ابن القداح فقال مات بخيبر ،
وخالد بن ثابت بن النعمان بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر ، وقيل بل قتل خالد بن ثابت
بمؤتة ، وسفيان بن حاطب بن امية بن رافع بن سويد بن حرام بن الهيثم بن ظفر ، وسعد
ـ 20 ـ
ابن عمرو بن ثقف واسمه كعب بن مالك بن مبذول وابنه الطفيل وابن اخيه سهل بن
عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف ، وعبدالله بن قيس بن صرمة بى ابى انس بن
صرمة بن مالك بن عدى بن النجار ، ونافع بن بديل ورقاء الخزاعى وفيه
يقول عبدالله بن رواحة يرثيه :
رحم الله نافع بن بديل * رحمة المبتغى ثواب الجهاد
صابرا صادق اللقاء اذا ما * اكثر القوم قال قول السداد
ذكر هؤلاء المستشهد بن ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى في كتابه ذيل المذيل
من رواية ابن عبدالبر عن ابى عمر احمد بن محمد بن الجسور عن ابى بكر احمد بن الفضل
ابن العباس الخفاف عنه ومن اصل ابى عمر بن عبدالبر نقلت ، وعند ابن سعد فيهم
الضحاك بن عبد عمرو بن مسعود بن عبدالاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار ،
وذكر ابن القداح فيهم عمرو بن معبد بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة
من بنى عمرو بن عوف واسمه عند ابن اسحق عمرو ، وهو عند ابن القداح عمير ،
وذكر ابن الكلبى خالد بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن
ابن النجار في شهداء بئر معونة ، وذكر ابوعمر النمرى في الاستيعاب سهيل بن عامر
ابن سعد فيهم واظنه سهل بن عامر الذى ذكرناه على انه ذكر ذلك في ترجمتين احداهما
في باب سهل والاخرى في باب سهيل ، والمختلف في قتله في هذه الواقعة مختلف في
حضوره فأرباب المغازى متفقون على ان الكل قتلوا إلا عمرو بن امية الضمرى ،
وكعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبدالاشهل بن حارثة بن دينار فانه جرح
يوم بئر معونة ومات بالخندق . وقال ابن سعد لما أحيط بهم قالوا اللهم إنا لا نجد من
يبلغ رسولك منا السلام غيرك فأقرئه منا السلام فأخبره جبريل عليه السلام بذلك
فقال وعليهم السلام وقال فقد عمرو بن أمية عامر بن فهيرة من بين القتلى
فسأل عنه عامر بن الطفيل فقال قتله رجل من بنى كلاب يقال له جبار بن سلمى فلما قتله
قال فزت والله ورفع إلى السماء فأسلم جبار بن سلمى لما رأى من قتل عامر بن فهيرة ورفعه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين . وروينا
ـ 21 ـ
عن ابن سعد قال انا الفضل بن دكين فثنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال سمعت انس بن
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 21 سطر 1 الى ص 30 سطر 28
عن ابن سعد قال انا الفضل بن دكين فثنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال سمعت انس بن
مالك قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب
بئر معونة . وروينا من طريق مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك
عن اسحق بن عبدالله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك قال دعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا يدعو على رعل ولحيان وعصية
عصت الله ورسوله . قال أنس أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ
بعد " أن بلغوا قومنا ان قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه " كذا وقع في هذه
الرواية وهو يوهم ان بنى لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس كذلك ،
وإنما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم . وأما بنو لحيان فهم
الذين أصابوا بعث الرجيع وإنما أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم
كلهم في وقت واحد فدعا على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين دعاء واحدا .
ـ 23 ـ
ـ غزوة بنى النضير ـ
وهى عند ابن اسحق في شهر ربيع الاول على رأس خمسة أشهرمن وقعة أحد ،
وقال البخارى قال الزهرى عن عروة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل
أحد . قال موسى بن عقبة وكانوا قد دسوا إلى قريش في قتال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة . قال ابن اسحق وغيره ثم خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى النضير ليستعينهم في دية ذينك القتيلين اللذين
قتل عمرو بن أمية الضمرى للجوار الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد
لهما وكان بين بنى النضير وبنى عامر عقد وحلف فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم يستعينهم في ديتهما قالوا نعم يا أبا القاسم نعيك على ما أحببت مما استعنت
بنا عليه ( 1 ) ، ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا انكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد فمن رجل يعلو
على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فير يحنامنه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن
كعب أحدهم فقال انا لذلك فصعد ليلقى عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله
عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبوبكر وعمر وعلى رضى الله عنهم .
وقال ابن سعد فقال سلام بن مشكم يعنى لليهود لا تفعلوا والله ليخبرن بما
هممتم به وانه لنقض العهد الذى بيننا وبينه .
رجع إلى خبز ابن اسحق قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من
السماء بما أراد القوم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلما
* (
هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية زيادة " اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك فجلس إلى ظل
جدار من جدر دورهم . ( * )
ـ 24 ـ
؟ ؟ ؟ النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا من المدينة
مقبلا فسألوه فقال رأيته داخلا إلى المدينة فأقبل أصحاب النبى صلى الله عليه
وسلم حتى انتهوا اليه فأخبر الخبر هم بما كانت أرادت يهود من الغدر به .
قال ابن عقبة ونزل في ذلك ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ
هم قوم ان يبسطوا اليكم ) الآية .
رجع إلى خبر ابن اسحق فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم
والسير اليهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام ، وقال ثم
سار بالناس حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر .
قال ابن اسحق فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه
على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها ، وقد كان رهط من بنى عوف بن
الخزرج منهم عبدالله بن أبى بن سلول ووديعة بن مالك بن أبى قوقل وسويد
وداعس بعثوا إلى بنى النضير أن اثبتوا وتمنعوا فانا لمن نسلمكم ان قوتلتم قاتلنا
معكم وان أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله
في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف
عن دمائهم على ان لهم ما حملت الابل من اموالهم إلا الحلقة ( 1 ) ففعل فاحتملوا من
اموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه ( 2 ) فيضمه على
بعيره فينطلق بن فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وخلوا الاموال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء ، ولم يسلم
من بنى النضير إلا رجلان يامين بن عمرو ( 3 ) بن كعب بن عمر عمرو بن جحاش وأبو
* (
هامش ) * ( 1 ) الحلقة بسكون اللام هى السلاح عاما وقيل الدروع .
( 2 )
أسكفة الباب .
( 3 )
لعل صوابه " بن عمير " كما ذكره المؤلف في غزوة تبوك وكما هو عند
ابن عبدالبر وابن هشام والذهبى . ( * )
ـ 25 ـ
سعيد ( 1 ) بن وهب اسلما فاحرزا أموالهم بذلك ، ويقال ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ليامين ألم تر إلى ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأنى فجعل يامين
جعلا لمن يقتله فقتل ونزل في أمر بنى النضير سورة الحشر ، قال ابن عقبة ولحق
بنو أبى الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضة قد رآها النبى صلى الله عليه وسلم
وأصحابه حين خرجوا بها وعمد حيى بن أخطب حتى قدم مكة على قريش فاستغواهم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر هم وبين الله عزوجل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم حديث أهل النفاق وما بينهم وبين اليهود . وفيما ذكر ابن سعد
من الخبر عن بنى النضير أنهم حين هموا بغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه
الله بذلك ونهض سريعا إلى المدينة بعث اليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من
بلدى فلا تساكنونى بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا
فمن رؤى بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون وأرسلوا إلى
ظهر ( 2 ) لهم بذى الجدر وتكاروا من ناس من أسجع ابلا فأرسل اليهم ابن أبى
لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فان معى ألفين من قومى ومن العرب
يدخلون حصنكم فيموتون من آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع
حيى فيما قال ابن أبى فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا ؟ ؟ ؟ من ديارنا
فاصنع ما بدالك فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمون
لتكبيره وقال حاربت يهود فسار اليهم النبى صلى الله عليه وسلم في أصحابه فصلى
العصر بفناء بنى النضير وعلى يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم
فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة
واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبى وحلفاؤهم من غطفان فيئسوا من
نصرهم فحاصر هم رسول الله صلى الله عليه وسلم و ؟ ؟ ؟ نخلهم وقالوا نحمن نخرج
عن بلادك فقال لا أقبله اليوم ولكن أخرجوا منهم ولكم دماؤ وما حملت
الابل إلا الحلقة فنزلت يهود على ذلك وكان حاصر هم خمسة عشر يوما فكانوا
* (
هامش ) * ( 1 ) لعله " سعد " كما في تجريد الذهبى وتلقيح ابن الجوزى و الاستيعاب
وسيرة ابن هشام .
( 2 )
أى إبل . ( * )
ـ 26 ـ
يخربون بيوتهم بأيديهم ثم أجلاهم عن المدينة وولى اخراجهم محمد بن مسلمة
وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة يعير فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هؤلاء في قومهم بمنزلة بنى المغيرة في قريش فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون
عليهم حزنا شديدا وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاموال والحلقة فوجد
من الحلقة خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا ، وكانت أموال بنى
النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبسا لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم
منها لاحد وقد أعطى ناسا من أصحابه ووسع في الناس منها ، وذكر أبوعبد
الله الحاكم في كتاب الاكليل له باسناده إلى الواقدى عن معمر بن راشد عن
الزهرى عن خارجة بن زيد عن أم العلاء قالت طار لنا عثمان بن مظعون في القرعة
فكان في منزلى حتى توفى قالت فكان المسلمون و المهاجرون في دورهم وأموالهم
فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس
فقال ادع لى قومك فقال ثابت الخزرج يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم الانصار كلها فدعا له الاوس والخزرج فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم ذكر الانصار وما صنعوا ب المهاجرين وانزالهم
اياهم في منازلهم وأموالهم وأثرتهم على أنفسهم ثم قال ان أحببتم قسمت بينكم
وبين المهاجرين ما أفاء الله على من بنى النضير ، وكان المهاجرون على ما هم عليه
من ؟ ؟ ؟ في منازلكم وأموالكم وان أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم
فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا يا رسول الله بل ؟ ؟ ؟ بين المهاجرين
ويكونون في دورنا كما كانوا ونادت الانصار رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار فقسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله عليه وأعطى المهاجرين ولم يعط أحدا من الانصار
شيئا الا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف وأبادجانة وأعطى سعد بن معاذ
سيف ابن أبى الحقيق وكان سيفا له ذكر عندهم . وذكر أبوبكر احمد بن يحيى
ابن جابر البلاذرى في كتاب فتوح البلدان له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال للانصار ليست لاخوانكم من المهاجرين أموال فان شئتم قسمت هذه وأموالكم
ـ 27 ـ
بينكم وبينهم جميعا وان شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة فقالوا
بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت ( ويؤثرون على أنفسهم
ولو كان بهم خصاصة ) قال أبوبكر رضى الله عنه جزاكم الله يامعشر الانصار خيرا
هو الله امثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوى :
جزى الله عنا جعفرا حين أزلفت * بنا نعلنا في الواطئين فزلت
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا * تلاقى الذى يلقون منا لملت
قال وكانت أموال بنى النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان
يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخر من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة وما فضل
جعله في الكراع والسلاح . وروينا من طريق البخارى قال حدثنى اسحق قال
أنا حبان فثنا جوبرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم
حرق نخل بنى النضير ، قال ولها يقول حسان بن ثابت :
وهان على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير
فأجابه أبوسفيان بن الحرث :
أدام الله ذلك من صنيع * وحرق في نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بتره * ونعلم أى أرضينا تضير ( 1 )
هذه رواية البخارى ، وقال أبوعمرو الشيبانى وغيره ان أبا سفيان بن الحارث قال :
لعز على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير
ويروى بالبويلة .
* (
هامش ) * ( 1 ) روى بالضاد المعجمة بمعنى تضر ، وروى بالصاد المهملة بمعنى تشق ونقطع ( * )
ـ 28 ـ
؟ ؟ ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام وأبا
سلمة البويلة من أرضهم فأجابه حسان
أدام الله ذالكم حريقا * وضرم في طوائفها السعير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمى عن التوراة بور
هذه أشبه بالصواب من الرواية الاولى .
ـ 29 ـ
ـ غزوة ذات الرقاع ـ
قال ابن اسحق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بنى النضير
شهر ربيع ، وقال الوقشى الصواب شهرى ربيع وبعض جمادى . ثم غزا نجدا يريد
بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أباذر الغفارى ويقال
عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام وقال حتى نزل نخلا وهى غزوة ذات الرقاع
وسميت بذلك لانهم رقعوا فيها راياتهم ، ويقال ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع
وقيل لان أقدامهم نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق ، وقيل بل الجبل الذى نزلوا
عليه كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع . قال ابن اسحق فلقى بها جمعا من غطفان
فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس . قال ابن سعد وكان
ذلك أول ما صلاها وبين الرواة خلف في صلاة الخوف ليس هذا موضعه .
رجع إلى الاول قال ابن اسحق حدثنى عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر
ابن عبدالله أن رجلا من بنى محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب
ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف نقتله قال أفتك به قال فأقبل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال يا محمد أنظر إلى سيفك هذا
قال نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله ثم قال يا محمد أما تخافنى قال لا
وما أخاف منك قال وفى يدى السيف قال لابل يمنعنى الله منك قال ثم عمد إلى
سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه فأنزل الله تبارك وتعالى ( يأيها
الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ) الآية . وقد رواه من حديث
جابر أيضا أبوعوانة وفيه فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال من يمنعك قال كن خير آخذ قال تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول
ـ 30 ـ
الله قال الاعرابى أعاهدك انى لا اقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال فخلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس .
قلت وقد تقدم في غزوة ذى أمر خبر لرجل يقال له دعنور بن الحارث من
بنى محارب يشبه هذا الخبر قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيف
فقال من يمنعك منى اليوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل
في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من
يمنعك منى قال لا أحد أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ثم اتى قومه
فجعل يدعوهم إلى الاسلام ونزلت ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ
هم قوم ) الآية والظاهر أن الخبرين واحد ، وقد قيل ان هذه الآية نزلت في امر
بنى النضير كما سبق فالله اعلم ، وفى انصرافه عليه السلام من هذه الغزوة أبطأ
جمل جابر بن عبدالله بن فنخسه النبى صلى الله عليه وسلم فانطلق متقدما بين
يدى الركاب ثم قال اتبيعنيه فابتاعه منه وقال له لك ظهره إلى المدينة فلما وصل
إلى المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل ( 1 ) . وقال ابن سعد قالوا قدم قادم المدينة
بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انمار وثعلبة قد جمعوا
لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج ليلة السبت لعشر
خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه ويقال سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات
الرقاع فلم يجد في محالهم إلا نسوة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعال بن
سراقة بشيرا لسلامته المسلمين قال وغاب خمس عشرة ليلة . وروينا في
صحيح البخارى من حديث أبى موسى أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق
فسميت غزوة ذات الرقاع وجعل حديث أبى موسى هذا حجة في أن غزوة ذات
الرقاع متأخرة عن خيبر وذلك ان أبا موسى إنما قدم مع أصحاب السفينتين بعد
هذا بثلاث سنين ، والمشهور في تاريخ غزوة ذات الرقاع ما قدمناه وليس في خبر
أبى موسى ما يدل على شئ من ذلك . وغورث مقيد بالغين معجمة ومهملة وهو
عند بعضهم مصغر بالعين المهملة .
* (
هامش ) * ( 1 ) في البخارى ان اشتراء جمل جابر كان بطريق تبوك ، قال الحافظ ابن
حجر في شرحه جزم ابن اسحق عن وهب بن كيسان أنه في ذات الرقاع وأهل
المغازى لمثل هذا . ( * )
ـ 31 ـ
ـ غزوة بدر الاخيرة ـ
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 31 سطر 1 الى ص 40 سطر 24
ـ غزوة بدر الاخيرة ـ
قال ابن اسحق ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات
الرقاع أقام بها بقية جمادى الاولى إلى آخر رجب ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد
أبى سفيان حتى نزله . قال ابن هشام واستعمل على المدينة عبدالله بن عبدالله
ابن أبى سلول الانصارى . قال ابن اسحق فأقام عليه ثمان ليال ينتظر أبا سفيان
وخرج أبوسفيان في اهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران وبعض الناس
يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال يا معشر قريش انه لا يصلحكم إلا
عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وان عامكم هذا عام جدب وانى
راجع فارجعوا فرجع الناس وسماهم اهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم
تشربون السويق واقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان
لميعاده فأتاه مخشى بن عمرو الضمرى وهو الذى كان وادعه على بنى ضمرة في غزوة
ودان فقال يا محمد اجبث لميعاد قريش على هذا الماء قال نعم يا أخا بنى ضمرة وان شئت
مع ذلك رددنا اليك ما كان بيننا وبينك ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك
قال لا والله يا محمد ما لنا بذلك منك حاجة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة . وروى الحاكم في الاكليل عن الواقدى قال وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد خرج في هذه الغزوة في الف وخمسمائة من اصحابه وكانت
الخيل عشرة افراس فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لابى بكر وفرس
لعمر وفرس لابى قتادة وفرس لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وفرس للمقداد
وفرس للخباب وفرس للزبير وفرس لعباد بن بشر ، وذكر عنه أن النبى صلى الله
عليه وسلم استخلف على المدينة عبدالله بن رواحة .
ـ 32 ـ
ـ غزوة دومة الجندل ـ
ودومة بضم الدالى وفتحها سميت بدومة ابن اسمعيل لانه نزلها
ثم غزار رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل ، قال ابن هشام في شهر ربيع الاول واستعمل
على المدينة سباغ بن عرفطة الغفارى ثم رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
أن ؟ ؟ ؟ اليها ولم يلق كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته ، وقال ابن سعد قالوا بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن بدومة الجندل جمعا كثيرا يظلمون من مربهم وأنهم
يريدون ان يدنوا من المدينة وهى طرف من أفواه الشام بينها وبين دمشق خمس
ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة أوست عشرة ليلة فندب رسول الله صلى
الله عليه وسلم الناس وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الاول في ألف من
المسلمين فكان يسير الليل ويكن النهار ومعه دليل له من بنى عذرة يقال له مذكور
فلما دنا منهم إذا هم مغربون واذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم
فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يلق بها أحدا فأقام بها أياما وبث السرايا
وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحدا وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله صلى الله
عليه وسلم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الاسلام
فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لعشر ليال بقين من شهر
ربيع الآخر . وفى هذه الغزوة وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن
ان يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض وكانت بلاده قد أجدبت . ( 1 )
* (
هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ 33 ـ
ـ غزوة الخندق ـ
وقال ابن اسحق ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس ( 1 ) ، وقال ابن سعد
في ذى القعدة فحدثنى يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن
لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك ومحمد بن كعب القرظى والزهرى وعاصم
ابن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبى بكر وغيرهم من علمائنا كل قد اجتمع حديثه
في الحديث عن الخندق وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض قالوا إنه كان من حديث
الخندق ان نفرا من يهود منهم سلام بن مشكم وابن أبى الحقيق وحيى بن
أخطب وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق النضريون وهوذة بن قيس وأبوعمار
الوائلى في نفر من بنى النضير ومن بنى وائل وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول
الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة يدعونهم إلى
حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا انا سنكون معكم عليه حتى ؟ ؟ ؟ صله فقالت
لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الاول والعلم بما اصبحنا تختلف فيه
أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله
فيهم ( ألم تر إلى الذين أوتو انصببا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) الآية
إلى قوله ( وكفى بجهنم سعيرا ) فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم اليه
من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج
أولئك النفر من يهود حتى جاء واغطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم واخبر وهم انهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد تابعوهم
* (
هامش ) * ( 1 ) حديث ابن عمر " عرضت على النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا
ابن أربع عشرة سنة . . . " الذى في الصحيحين احتج به ابن حزم وتاج الدين
الفاكهانى في رياض الافهام على أنها كانت في سنة اربع . ( * )
ـ 34 ـ
على ذلك واجتمعوا معهم فيه فخرجت قريش وقائدها ابوسفيان بن حرب وخرجت
غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بنى فزارة والحرث بن عوف المرى في بنى
مرة ومسعود بن رخيلة فيمن تابعه من اشجع فلما سمع بهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومما اجمعوا له من الامر ضرب على المدينة الخندق فعمل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الاجر وعمل معه المسلمون فيه فدأب ودأبوا
وابطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من
المنافقين وجعلوا يورون بالضعف من العمل ويتسللون اليهم بغير علم من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا اذن وجعل الرجل من الملمين اذا نابته النائبة من الحاجة
التى لابد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق
بها فاذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير واحتسابا به .
قرأت على السيدة الاصيلة مؤنسة خاتون ابنة المولى السلطان الملك العادل سيف
الدين ابى بكر بن ايوب رحم الله سلفها اخبرتك الشيخة الاصيلة ام هانئ عفيفة
بنت احمد بن عبدالله ا لفارقانية اجازة قالت انا ابوطاهر عبدالواحد بن احمد
ابن محمد بن الصباغ قال انا ابونعيم قال انا ابوعلى محمد بن احمد بن الحسن فثنا
ابوجعفر محمد بن نصر الصايغ فئنا ابراهيم بن حمزة فثنا عبدالعزيز بن محمد عن
عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال بعثنى خالى عثمان بن مظعون لآتيه
بلحاف فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فاستأذنته وهو بالخندق فأذن لى وقال
لي من لقيت منهم فقل لهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان ترجعوا
قال فكان ذلك في برد شديد فلقيت الناس فقلت لهم ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمركم ان ترجعوا قال والله ما عطف على منهم اثنان او واحد . كذا
وقع في هذا الخبر عثمان بن مظعون وعثمان بن مظعون توفى قبل هذا واخوة
عثمان قذامة والسائب وعبدالله تأخروا . وقدامة مذكور فيمن شهد الخندق
وهم أخوال عبدالله بن عمر رضى الله عنهم ، قال ابن اسحق فأنزل الله عزوجل
في ذلك ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على أمر جامع
لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) إلى قوله ( إن الله غفور رحيم ) ثم قال يعنى للمنافقين
الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون من غير إذن ( لا تجعلوا دعاء الرسول
ـ 35 ـ
بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) الآية إلى قوله ( أو يصيبهم عذاب أليم ألا ان الله
ما في السموات والارض - قد يعلم ما أنتم عليه من صدق أو كذب إلى قوله - والله
بكل شئ عليم ) وقال ابن سعد وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من
العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة
وقادوا معهم ثلثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا يقودهم أبو
سفيان بن حرب ورأتهم بنو سليم بمر الظهران وكانوا سبعمائة يقودهم سفيان بن
سيد شمس حليف حرب بن أمية وهو أبوأبى الاعور السلمى الذى كان مع معاوية
بصفين وخرجت معهم بنو أسد يقود هم طليحة بن خويلد الاسدى ، وخرجت
فزارة فأوعبت وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن ، وخرجت اشجع وهم أربعمائة
يقودهم مسعود بن رخيلة وخرجت بنومرة وهم أربعمائة يقودهم الحرث بن
عوف وخرج معهم غيرهم . وقد روى الزهرى ان الحرث بن عوف رجع بنى
مرة فلم يشهد الخندق منهم احد ، وكذلك روت بنو مرة والاول اثبت انهم
شهدوا الخندق مع الحرث بن عوف فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق ممن
ذكر من القبيلة عشرة آلاف وهم الاحزاب وكانوا ثلاثة عساكر وعناج ( 1 ) الامر
إلى ابى سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس واخبرهم خبر
عدوهم وشاورهم في امرهم فأشار عليه سلمان بالخندق فأعجب ذلك المسلمين
وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع وكان المسلمون يومئذ
ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم ثم خندق على المدينة فعمل
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لينشط الناس وكمل في ستة ايام . انتهى
ما نقله ابن سعد . وغيره يقول حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه في
الخندق بضع عشرة ليلة وقيل أربعا وعشرين وكان في حفر الخندق آيات من
أعلام النبوة منها أن جابرا كان يحدث أنه اشتهد عليهم في بعض الخندق كدية ( 2 )
فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وضرب فعاد كثيبا
* (
هامش ) * ( 1 ) اى : ملاكه وما يقوم به .
( 2 )
قطعة صلبة لا يعمل فيها الفأس . ( * )
ـ 36 ـ
أهيل ( 1 ) . وروى في هذا الخبر أنه عليه السلام دعا بماء فتفل عليه ثم دعا بماشاء الله
أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها فو الذى بعثه
بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا ولا مسحاة . ومنها خبر الحفنة
من التمر الذى جاءت به ابنة بشير بن سعد لابيها وخالها عبدالله بن رواحة
ليتغديا به فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتيه فصبته في كفى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فما ملاهما ثم أمر بثوب فبسط لم ثم قال لانسان عنده اصرخ
في أهل الخندق ان هلم إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه
وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وانه ليسقط من أطراف الثوب . ومنها
حديث شويهة جابر وكانت غير عبد سمينة قال صنعتها وإنما أريد أن ينصرف معى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلما قلت له أمر صارخا فصرخ ان انصرفوا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبدالله قال قلت إنا لله وإنا
اليه راجعون قال فأقبل الناس معه فجلس فأخرجناها اليه فبرك ثم سمى الله عزوجل
ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء آخرون حتى صدر أهل الخندق
عنها . رواه البخارى وفيه : وهم الف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا
وان برمتنا لتغط كما هى وان عجيننا ليخبز كما هو ، ومنها حديث سلمان الفارسى
أنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت على ورسول الله صلى الله عليه وسلم
قريب منى فلما رأنى أضرب ورأى شدة المكان على نزل فأخذ المعول من يدى
فضربه ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى
ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال قلت بأبى وأمى أنت يا رسول الله ما هذا
الذى رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب قال أو قد رأيت ذلك يا سلمان قال قلت
نعم قال أما الاولى فان الله فتح على بها اليمن وأما الثانية فان الله فتح على بها
الشام والمغرب وأما الثالثة فان الله فتح على بها المشرق .
قال أبن اسحق وحدثنى من لا أتهم عن أبى هريرة أنه كان يقول حين فتحت
هذه الامصار في زمن عمر وزمن عثمان افتتحوا ما بدا لكم فو الذى نفس أبى
هريرة بيده ما فنحتم من مدينة ولا نفتخر لها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله
* (
هامش ) * ( 1 ) اى : رملا سائلا ( * )
ـ 37 ـ
محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك . ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الاسيال وغطفان ومن تبعهم بذنب
نقمى إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا
ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه
وبين القوم وأمر بالنساء والذرارى أن يجعلوا في لآطام ( 1 ) . وقال ابن سعد كان
لواه المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الانصار بيد سعد بن عبادة وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتى رجل وزيد بن حارثة في
ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير وذلك أنه كان يخاف على الذرارى
من بنى قريظة ، وكان عماد بن بشر على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع غيره من الابصار بحرسونه كل ليلة . كذا قال ابن سعد في هذا الموضع ،
وقال في باب حراس النبى صلى الله عليه وسلم حرسه يوم بدرحين نام في العريش
سعد بن معاذ ويوم أحد محمد بن مسلمة ويوم الخندق الزبير بن العوام .
رجع إلى ابن سعد : وكان المشركون يتناوبون بينهم فيفدو أبوسفيان بن حرب
في أصحابه يوما ويغدو خالد بن الوليد يوما ويغدو عمرو بن العاص يوما ويغدو
هبيرة بن أبى وهب يوما ويغدو عكرمة ابن أبى جهل يوما ويغدو ضرار بن الخطاب
الفهرى يوما فلايزالون يجبيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون .
رجع إلى ابن اسحق : وخرج عدو الله حيى بن اخطب النضرى حتى أتى كعب
ابن أسد القرظى صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى
الله عليه وسلم على قومه وعاقده على ذلك فلما سمع كعب بحيى أغلق دونه باب حصنه
فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيى ويحك يا كعب افتح لى قال ويحك يا حيى
إنك امرؤ مشؤم وانى قد عاهدت محمدا فلست ناقض ما بينى وبينه ولم أر منه إلا
وفاء وصدقا قال ويحك افتح لى أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله ان اغلقت دونى إلا
تخوفا على جشيشتك ( 2 ) ان أكل معك منها فأحفظ الرجل ( 3 ) ففتح له فقال ويحك
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : الابنية المرتفعة
( 2 )
الجشيشة هى أن تطحن الحنطة ثم تجعل في القدرر ويلقى عليها لحم أو تمر
وتطبخ . ويقال لها لدشيشة بالدال . ( 3 ) أى أغضبه .
ـ 38 ـ
يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش حتى انزلهم بمجتمع الاسيال
من رومة وغطفان حتى أزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد قد عاهدونى وعاقدونى
على ان لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه قال له كعب جئتنى والله بذل الدهر
وبجهام ( 1 ) قد هراق ماءه يرعد ويبرق وليس فيه شئ ويحك يا حيى دعنى وما أنا عليه
فانى لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حبى بكعب يفتله في الذروة والغارب
حتى سمح له على ان اعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم
يصيبوا محمدا ان ادخل معك في حصنك حتى يصيبنى ما أصابك فنقض كعب بن
أسد عهده ويرئ مما كان بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فلما انتهى
إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله عليه الصلاة
والسلام سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهما ابن رواحة وخوات بن جبير فقال انطلقوا
حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فان كان حقا فالحنوا إلى لحنا حتى أعرفه
ولا تفتوا في أعضاد الناس وان كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا بذلك للناس
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم نالوا من رسول الله عليه الصلاة
والسلام وقالوا من رسول الله لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد فشاتمهم سعد بن
معاذ وشاتموه وكان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما
بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ، وذكر ابن عائذ أن الذى شاتمهم سعد بن عبادة
والذى قال له ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة سعد بن معاذ ثم أقبل سعد وسعد
ومن معهما على رسول الله عليه الصلاة والسلام فسلموا عليه ثم قالوا بمضل والقارة
أى كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام الله
أكبر أبشروا يامعشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم
من فوقهم ومن أسفل منهم حتى فلن المؤمنون كل ظن ولحم النفاق من بعض
المنافقين حتى قال معتب بن قشير كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر
وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ، وقيل لم يكن معتب من
المنافقين وقد شهد بدرا . قاله ابن هشام . وقال ابن عائذ وقال رجال ممن معه يا أهل
يثرب لا مقام لكم فارجعوا . قال ابن اسحق وقال أوس بن قيظى يا رسول الله
* (
هامش ) * ( 1 ) السحاب الذى لا ماء فيه . ( * )
ـ 39 ـ
ان بيوتنا عورة من العدو وذلك عن ملا من رجال قومه فاذن لنا أن نخرج
فنرجع إلى ديارنا فانها خارج من المدينة .
فأقام رسول الله عليه الصلاة والسلام وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة
قريب من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمى بالنبل والحصار : وقال ابن عائذ وأقبل
نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومى على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق
فقتله الله وكبر ذلك على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام
انا نعطيكم الدية على أن تدفعوه الينا فندفنه فرد اليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام
أنه خبيث خبيث الدية فلعنه الله ولمن ديته ولا ممنعكم ان تدفنوه ولا ارب لنا في
ديته ، وقيل اعطوا في جثته عشرة آلاف . قال ابن اسحق وبعث رسول الله عليه
الصلاة والسلام كما حدثنى عاصم بن عمر عن الزهرى إلى عيينة بن حصن من حذيفة
ابن بدر الفزارى والى الحارث بن عوف المرى وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث
ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما للصلح حتى
كتبوا الكتب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك فلما أراد
رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة
يذكر ذلك لهما واستشار هما فيه فقالا يا رسول الله أنمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك
الله به لابد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا قال بل شئ أصنعه لكم والله ما أصنع
ذلك إلى انى رأيت العرب قدر منكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله
قدكنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الاوثان لا نعبد الله ولا نعرفه
وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة الا قرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالاسلام
وهدانا له وأعزنابك وبه نعطيهم أموالنا مالنا بهذا من حاجة والله لانعطيهم إلا
السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام فأنت وذاك
فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا فأقام رسول
الله عليه الصلاة والسلام والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا أن
فوارس من قريش منهم عمرو بن عبدود وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى
وهب وضرار بن الخطاب تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل
ـ 40 ـ
بنى كنانه فقالوا نهيؤا يا بنى كنانه للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم ثم اقبلوا
تعنق ( 1 ) بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلمار أوه قالوا والله ان هذه لكيدة
ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت
منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج على بن أبى طالب في نفرمعه
من المسلمين حتى أخذوا عليهم النغرة التى أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان
تعنق نحوهم . وكان عمرو بن عبدودقد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد
يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال
من يبارز فبرز له على بن أبى طالب رحمه الله ، وذكر ابن سعد في هذا الخبر أن
عمرا كان ابن تسعين سنة فقال على أنا أبارزه فأعطاه رسول الله عليه الصلاة والسلام
سيفه وعممه وقال اللهم أعنه عليه .
رجع إلى الاول فقال له يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من
قريش إلى احدى خلتين إلا أخذتها منه قال له أجل قال له على فانى أدعوك إلى
الله والى رسوله عليه الصلاة والسلام والى الاسلام قال لاحاجة لى بذلك قال له
على فانى أدعوك إلى النزال قال له لم يا ابن أخى فوالله ما أحب أن أقتلك قال على
لكنى والله أحب أن أقتلك قال فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره
وضرب وجهه ثم أقبل على على فتناولا وتجاولا فقتله على وخرجت خيلهم منهزمة
حتى اقتحمت من الخندق هاربة ، وقال على في ذلك :
نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت دين محمد بضراب
فصددت حين تركته متجد لا * كالجذع بين دكادك ورواب
وعففت عن أثوابه ولو اننى * كنت المقطر بزنى أثوابى
لآتحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب
وعن ابن اسحق من غير رواية الكائى أن عمرا لما نادى بطلب من يبارزه
* (
هامش ) * ( 1 ) العنق هو نوع من سير الابل والدواب . ( * )
ـ 41 ـ
قام على رضى الله عنه وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبى الله فقال له اجلس
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 41 سطر 1 الى ص 50 سطر 27
قام على رضى الله عنه وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبى الله فقال له اجلس
انه عمرو ثم كرر عمرو النداء وجعل يؤنبهم ويقول أين جنتكم التى تزعمون انه
من قتل منكم دحلها أفلا تبرزون لى رجلا فقام على فقال أنا يا رسول الله فقال
اجلس انه عمرو ثم نادى الثالثة وقال :
ولقد بححت من النداء * بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز
وكذاك أنى لم أزل * متسرعا قبل الهزاهز
إن الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز
فقام على رضى الله عنه فقال أنا له يا رسول الله فقال انه عمرو فقال وان كان
عمرا فأذن له رسول الله عليه الصلاة والسلام فمشى اليه على وهو يقول :
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة * والصدق منجى كل فائز
انى لارجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
فقال عمرو من أنت قال أنا على قال ابن عبد مناف قال أنا على بن أبى طالب
فقال غيرك يا ابن أخى من أعمامك من هو أسن منك فانى أكره ان اهريق دمك
فقال على لكنى والله ما أكره ان اهريق دمك فغضب ونزل وسل سيفه كأنه
شعلة نار ثم أقبل نحو على مغضبا ويقال انه كان على فرسه فقال له على كيف أقاتلك
وأنت على فرسك ولكن انزل معى فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله على
بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه على
على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله عليه الصلا والسلام التكير
فعرف أن عليا قد قتله . قال ابن هشام وكان شعار أصحاب رسول الله عليه الصلاة
والسلام يوم الخندق ويوم بنى قريظة ( حم لا ينصرون ) .
ـ 42 ـ
قال ابن اسحق وحدثنى أبوليلى عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالرحمن الانصارى
أخو بنى حارثة أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بنى حارثة يوم الخندق وكان
من أحصن حصون المدينة قال وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن قالت
وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد وعليه درع له مقلصة قد خرجت
منها ذراعه كلها وفى يده حربته يرقد ( 1 ) بها ويقول :
لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ( 2 ) * لا بأس بالموت اذا حان الاجل
فقالت له أمه الحق أى بنى فقد والله أخرت قالت عائشة رضى الله عنها فقلت
لها يا أيام سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هى قالت وخفت عليه حيث
أصاب السهم منه فرمى سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الاكحل رماه كما حدثنى
عاصم حبان بن العرقة أحد بنى عامر بن لؤى فلما أصابه قال خذها منى وأنا ابن
العرقة فقال له سعد عرق الله وجهك في النار . ويقال بل الذى رماه خفاجة بن
عاصم بن جبارة وقيل بل الذى رماه أبوأسامة الجشمى حليف بنى مخزوم .
رجع إلى ابن اسحق ثم قال سعد اللهم ان كنت ابقيت من حرب قريش شيئا
فابقنى لها فانه لا قوم أحب إلى ان أجاهد من قوم آذوا رسولك واخرجوه وكذبوه
اللهم ان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لى شهادة ولا تمتنى حتى
تقر عينى من بنى قريطة . وذكر ابن عائذ أن المشركين جهزوا نحو رسول الله عليه
الصلاة والسلام كتيبة عظيمة غليظة فقاتلوهم يوما إلى الليل فلما حضرت العصر
دنت الكتائب فلم يقدر النبى عليه الصلاة والسلام ولا أحد من أصحابه الذين
كانوا معه أن يصلوا الصلاة على ما أرادوا فانكفأت مع الليل فزعموا أن رسول
الله عليه الصلاة والسلام قال شغلونا عن صلاة العصر ملا الله بطونهم وقبورهم
نارا . وقرأت على أبى النور إسمعيل بن نور بن قمر الهبتى أخبركم الشيخ أبونصر
موسى بن عبدالقادر الجبلى قراءة عليه وانت تسمع فأقر به قال انا ابوبكر بن
* (
هامش ) * ( 1 ) الارقداد هو الاسراع .
( 2 )
بفتح الحاء والميم وهو حمل بن سعدانة بن حارثة الكلبى . ( * )
ـ 43 ـ
الزاغونى قال أنا ابن البسرى قال انا المخلص فثنا يحيى بن محمد فثنا محمد بن يزيد
أبوهشام الرفاعى فثنا أبومالك الجنبى عمرو بن هاشم فثنا يحيى بن سعيد عن سعيد
ابن المسيب عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ما صلى رسول الله عليه الصلاة
والسلام يوم الخندق الظهر والعصر حتى غابت الشمس . رواية سعيد بن المسيب عن
عمر بن الخطاب ذهب بعض الناس إلى انها مرسلة لانه ولد لسنتين بقيتا من خلافة
عمر ، وقيل ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر وهو الصحيح ان شاء الله فتكون
متصلة وله عنه أحاديث يسيرة هى عندهم متصلة ويقول في بعضها سمعت عمر رضى
الله عنه على المنبر . وذكر ابن سعد في هذا الخبر أنهم شغلوا عن صلاة الظهر
والعصر والمغرب والعشاء . قال ابن سعد وأقام أسيد بن الحضير على الخندق في
مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرة المسلمين
فناوشوهم ساعة ، ومع المشركين وحشى فزرق ( 1 ) الطفيل بن النعمان من بنى سلمة
بمزراقه فقتله وانكشفوا وسار رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى قبته فأمر
بلا لا فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد لكل صلاة اقامة اقامة وصلى هو وأصحابه
مافاتهم من الصلوات وقال شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملا الله أجوافهم
وقبورهم نارا ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعا حتى انصرفوا إلا انهم لا يدعون
الطلائع بالليل يطمعون في الغارة .
قال ابن اسحق فأقام رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما وصف
الله عزوجل من الخوف والشدة بمظاهرة عدوهم واتيانهم اليهم من فوقهم ومن
أسفل منهم ثم ان نعيم بن مسعود الاشجعى اتى رسول الله عليه الصلاة والسلام
فقال يا رسول الله انى اسلمت وان قومى لم يعلموا باسلامى فمرنى بما شئت فقال
رسول الله عليه الصلاة والسلام إنما انت فينا رجل واحد فخذ عنا ما استطعت
فان الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى اتى بنى قريظة وكان لهم نديما في
الجاهلية فقال يا بنى قريظة قد عرفتم ودى إياكم رخاصة ما بينى وبينكم قالوا صدقت
لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان ليسوا كما أنتم البلد بلدكم وبه اموالكم
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : رماه بمزارقه وهو الرمح القصير . ( * )
ـ 44 ـ
ونساؤكم وابناؤكم لا تقدرون على ان تتحولوا منه الى غيره وان قريشا وغطفان
قد جاء والحرب محمد واصحابه وقد ظاهر تموهم عليه وبلدهم واموالهم ونساؤهم
بغيره فليسوا كأنتم فان رأوا نهزة اصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم
؟ ؟ ؟ بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به ان خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم
حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم يكون بأيديكم ثقة لكم على ان يقاتلوا
معكم محمدا حتى تناجزوه قالوا لقد أشرت بالرأى ثم خرج حتى اتى قريشا فقال
لابى سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودى لبكم وفراقى
محمدا ، وأنه قد بلغنى أمر قد رأيت أن ابلغكموه نصحا لكم فاكتموا عنى
قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين
محمد وقد أرسلوا اليه انا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من
القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم
ثم نكون معك على من بقى منهم حتى نستأصلهم فارسل اليهم نعم فان بعثت
اليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا اليهم رجلا واحدا ثم خرج حتى
أتى غطفان فقال يا معشر غطفان انكم اصلى وعشيرتى واحب الناس إلى ولا اراكم
تتهمونى قالوا صدقت ما انت عندنا بمتهم قال فاكتموا على قالوا نعم ثم قال لهم
مثل ما قال لقريش وحذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من
صنيع الله لرسوله عليه الصلاة والسلام ارسل ابوسفيان بن حرب ورموس غطفان
إلى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل في نفرمن قريش وغطفان فقالوا لهم إنا لسنا
بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا
وبينه فأرسلوا اليه أن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدى في السبت
ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا . فلما رجع الرسول بذلك قالوا صدقنا
والله نعيم بن مسعود فردوا اليهم الرسل وقالوا والله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا
معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم فقال بنو قريظة صدق والله نعيم بن مسعود
وخذل الله بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة
البرد فجعلت الريح تقليب أبنيتهم وتكفأ قدور هم فلما اتصل برسول الله صلى الله
عليه وسلم اختلاف أمرهم بعث حذيفة من اليمان ليأتيه بخبرهم فأتاهم واستتر في
ـ 45 ـ
غمار هم وسمع أبا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه قال
حذيفة فأخذت بيد جليسى وقلت من أنت فقال أنا فلان ، ثم قال أبوسفيان
يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا
بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر
ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فانى مرتحل ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو
قائم ، قال حذيفة ولو لا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إذ بعثنى ان لا أخذت
شيئا لقتلته بسهم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم فوجدته
قائما يصلى فأخبرته فحمد الله وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين
إلى بلادهم . وروينا من طريق البخارى فثنا محمد بن كثير قال أنا سفيان عن محمد
ابن المنكدر قال سمعت جابرا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الاحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال
الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبى حوارى
وان حواريى الزبير . كذا وقع في هذا الخبر ، والمشهور أن الذى توجه ليأتى بخبر
القوم حذيفة بن اليمان كما روينا عنه من طريق ابن اسحق وغيره قال يعنى النبى
صلى الله عليه وسلم من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشترط له
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة أسأل الله أن يكون رفيقى في الجنة فما قام رجل
من القوم من شدة الخوف وشدة الجذع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعانى
فلم يكن لى بد من القيام حين دعانى فقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم . وذكر
الحديث . وذكر ابن عقبة ومحمد بن عائذ خروج حذيفة إلى المشركين ومشقة
ذلك عليه إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فحفظك الله من أمامك
ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع الينا فقام حذيفة مستبشرا
بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه احتمل احتمالا فما شق عليه شئ مما كان
فيه ، وعند ابن عائذ فقبض حذيفة على يد رجل عن يمينه فقال من أنت قال أنا
معاوية بن أبى سفيان وقبض على يد آحر عن يساره فقال من أنت فقال أنا فلان
وفعل ذلك خشية أن يفطن له فبدرهم بالمسألة . وقد روينا في خبر نعيم بن مسعود
غير ما ذكرناه . وقال صلى الله عليه وسلم حين أجلى الاحزاب الآن نغزوهم ولا
ـ 46 ـ
يغزرننا نحن نسير اليهم . ذكره البخارى بسنده ، وقال ابن سعد وأقام عمرو بن
العاص وخالد بن الوليد في مائتى فارس ساقة ( 1 ) لعسكر المشركين وردءا لهم مخافة
الطلب وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لسبع ليال بقين
من ذى القعدة . وكان مما قيل من الشعر يوم الخندق قول عبدالله بن الزبعرى السهمى :
حى الديار محا معارف رسمها * طول البلى وتراوح الاحقاب
قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس أتراب
فاترك تذكر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام بباب
واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الانصاب
أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذى غياطل جحفل جبجاب ( 2 )
فدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشز ظاهر وشعاب
فيه الجياد شوازب مجنوبة * قب البطون لواحق الاقراب
من كل سلهبة ( 3 ) وأجرد سلهب * كالسيد ( 4 ) بادر غفلة الرقاب
جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الاحزاب
قرمان كالبدرين أصبح فيهما * غيب الفقير ومعقل الهراب
حتى اذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرب قضاب
شهرا وعشرا قاصدين محمدا * وصحابه في الحرب غير صحاب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سغب وذئاب
فأجابه حسان بن ثابت رضى الله عنه :
هل رسم دارسة المقام بباب * متكلم لمحاور بجواب
فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب
واشك الهموم إلى الاله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب
* (
هامش ) * ( 1 ) الساقة هم الذين يسوقون الجيش
( 2 )
سيأتى تفسير الغريب من كلام المؤلف .
( 3 )
السلهب من الخيل : الطويل .
( 4 )
اى الذئب . ( * )
ـ 47 ـ
ساروا بجمعهم اليه وألبوا * أهل القرى وبوادى الاعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلية الاحزاب
حتى اذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الاسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردو بغيظهم على الاعقاب
بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الارباب
وكفى الاله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الاجر خير ثواب
من بعد ماقنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب
وأقر عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب
وقال هبيرة بن أبى وهب يعتذر من فراره ويبكى عمرو بن عبدود يذكر
عليا ، وقد سبق بعض هذه الابيات :
لعمرى ما وليت ظهرى محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكننى قلبت أمرا فلم أجد * لسيفى غناء ان ضربت ولا نبل
وقفت فلما لم أجد لى مقدما * شددت كضرغام هزبر ابى شبل
ثنى عطفه عن قرنه حين لم تجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلى
فلا تبعدن يا عمرو حياوها لكا * وحق بحسن المدح منلك من مثل
ولا تبعدن يا عمرو وحياوها لكا * فقدمت محمود الننا ما جد الاصل
فمن لطوال الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل
هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ماوغل
فعنك على لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل
فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل
الغيطلة الشجر الملتف والغيطلة الجلبة والغيطلة التباس الظلام ، وجبجاب ؟ ؟ ؟
الصوت ، والمتخمط الشديد الغضب .
ـ 48 ـ
ـ ذكر شهداء الخندق ـ
من بنى عبد الاشهل : سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك وعبدالله بن
سهل ، ومن بنى جشم بن الخزرج ثم من بنى سلمة الطفيل بن النعمان وثعلبة بن
عنمة ، ومن بنى النجار كعب بن زيد . وذكر شيخنا الحافظ أبومحمد عبدالمؤمن
الدمياطى في نسب الاوس له في بنى ظفر قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر
شهد أخدا وحضر الخندق ومات هناك ودفن ، وذكر في نسب الخزرج له عبد
الله بن أبى خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الاشهل بن حارثة بن دينار
ابن النجار قتل يوم الخندق شهيدا ذكره ابن الكلبى . ( 1 )
* (
هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )
ـ 49 ـ
ـ غزوة بنى قريظة ـ
روينا عن أبى بكر الشافعى فثنا عبيد بن عبدالواحد بن شريك البزار فثنا
سعيد بن أبى مريم قال أنا العمرى عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
رضى الله عنها قالت لما رجع النبى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بينا هو عندى
إذ دق الباب فارتاع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب وثبة منكرة
وخرج فخرجت في أثره فاذا رجل على دابة والنبى صلى الله عليه وسلم متكئ
على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل قلت من ذلك الرجل الذى كنت تكلمه
قال ورأيتيه قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية بن خليفة الكلبى قال ذاك
جبريل أمرنى أن أمضى إلى بنى قريظة . قال ابن اسحق ولما أصبح رسول الله
صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا
السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم كما حدثنى الزهرى
معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال أو قد
وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم فقال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد
وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ان الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بنى قريظة
فانى عامد اليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن في
الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببنى قريظة . وروينا عن ابن
عائد قال أخبرنى الوليد عن معاذ بن رفاعة السلامى عن أبى الزبير عن جابر قال
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه مرجعه من طلب الاحزاب إذ
وقف عليهء جبريل فقال ما اسرع ما حللتم والله ما نزعنا من لامتنا ( 1 ) شيئا منذ نزل
* (
هامش ) * ( 1 ) اللامة الدرع وقيل السلاح ، ولامة الحرب أداته . ( * )
ـ 50 ـ
العدو بك قم فشد عليك سلاحك فوالله لادفنهم كدق البيض على الصفا ثم ولى
فأتبعنه بصرى فلما رأينا نهضنا . قال وأخبرنى الوليد قال أخبرنى سعيد بن
بشير عن قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا يا خيل الله
اركبى . قال ابن سعد ثم سار اليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة
وثلاثون فرسا ، وذلك في يوم الاربعاء لسبع يقين من ذى القعدة ، واستعمل
على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام . قال ابن اسحق وقدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب برايته إلى بنى قريظة وابتدرها الناس فسار
حتى اذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فرجع حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك
أن لا تدنو من هؤلاء الاخابيث قال لم أظنك سمعت منهم لى أذى قال نعم
يا رسول الله قال لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم من حصوبهم قال يا اخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قالوا
يا أبا القاسم ما كنت جهولا ، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه
بالصورين قبل أن يصل إلى بنى قريظة فقال هل مربكم أحد قالوا يا رسول الله
مر بنا دحية بن خليفة الكلبى على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها قطيفة ديباج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل بعث إلى بنى قريظة يزلزل بهم حصونهم
ويقذف الرعب في قلوبهم ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى قريظة نزل
على بئر من آبارها وتلاحق به الناس فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا
العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لايصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة
فشغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم وأبوا أن يصلوا لقول النبى صلى الله عليه
وسلم حتى تأتوا بنى قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله
بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدثنى بهذا
الحديث أبى اسحق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الانصارى وحاصرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف
الله في قلوبهم الرعب ، وقد كان حيى بن أخطب دخل مع بنى قريظة في حصنهم
حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما
ـ 51 ـ
أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 51 سطر 1 الى ص 60 سطر 23
أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال
كعب بن أسد لهم يا معشر يهود قد نزل بكم من الامر ما ترون وانى عارض عليكم
خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا وما هى قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله
لقد تبين لكم انه لنبى مرسل وانه للذى تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم
وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لانفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به
غيره قال فاذا أبيتم على هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه
رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان
نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه وان نظهر فلعمرى لنجد النساء
والابناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فان أبيتم على هذه
فان الليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا
لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه مالم يحدث فيه
من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسبخ قال ما بات رجل
منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن ابعث الينا با لبابة بن عبدالمنذر أخا بنى عمرو بن عوف
وكانوا حلفاء الاوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم
اليهم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق
لهم وقالوا يا أبا لباته أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه
انه الذبح قال أبولبابة فوالله ما رالت قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت
الله ورسوله ، ثم انطلق أبولبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب
إلى على مما صنعت وعاهذت الله أن لا أطأ بنى قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله
ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه
قال أما لوجاء نى لا ستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذى أطلقه من مكانه
حتى يتوب الله عليه . وحدثنى يزيد بن عبدالله بن قسيط أن توبة أبى لبابه
نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك قالت قلت مم
ـ 52 ـ
تضحك أضحك الله سنك قال تيب على أبى لبابة قالت قلت أفلا أبشره يا رسول
الله قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن
الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت فثار الناس اليه ليطلقوه
فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى يطلقنى بيده
فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه . قال ابن هشام أقام أبولبابة مرتبطا
بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط
بالجذع فيما حدثنى بعض أهل العلم ، وقال أبوعمر روى ابن وهب عن مالك
عن عبدالله بن أبى بكر أن أبالبابة ارتبط بسلسلة ربوض - والربوض الثقيلة - بضع
عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله
اذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجة فاذا فرغ اعادته إلى الرباط فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاءنى لا ستغفرت له . قال أبوعمر اختلف
في الحال الذى أوجب فعل أبى لبابة هذا بنفسه وأحسن ما قيل في ذلك ما رواه
معمر عن الزهرى قال كان أبولبابة ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية ( 1 ) وقال والله لا أحل نفسى منها ولا أذوق
طعاما ولا شرابا حتى يتوب الله على أو أموت فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما
ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه وذكر نحوما تقدم في حال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إياه ثم قال أبولبابة يا رسول الله إن من توبتى ان اهجر
دار قومى التى اصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة إلى الله والى رسوله
قال يجزئك يا أبا لبابة الثلث . وروى عن ابن عباس من وجوه في قوله تعالى
(
وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) الآية أنها نزلت
في ابى لبابة ونفر معه سبعة أو ثمانية أو سبعة سواه تخلفوا عن غزوة تبوك ثم
ندموا فتابوا وربطوا انفسهم بالسوارى فكان عملهم الصالح توبتهم والسيئ
تخلفهم عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبوعمر وقد قيل إن
الذنب الذى اتاه أبولبابة كان اشارته إلى حلفائه بنى قريظة انه الذبح ان نزلتم
على حكم سعد بن معاذ واشارته إلى حلفه فنزلت فيه ( يا أيها الذين آمنوا لا نخونوا
الله والرسول ) الآية .
* (
هامش ) * ( 1 ) اى اسطوانة . ( * )
ـ 53 ـ
قال ابن إسحق ثم ان ثعلبة بن سعية واسيد بن سعية واسيد بن عبيد وهم
نفر من هدل ليسوا من بنى قريظة ولا النظير نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم
أسلموا تلك الليلة التى نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى للقرظى فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال أنا عمرو بن سعدى
وكان عمرو قد أبى ان يدخل مع بنى قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لاتحرمنى
عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين وجه من الارض إلى
يومه هذا فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال ذلك رجل نجاه الله
بوفائه . وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة ( 1 ) فيمن أوثق من بنى قريظة حين
نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى
أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة فالله أعلم أى ذلك
كان فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتو اثبت الاوس
فقالوا يا رسول الله لهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالى اخواننا
بالامس ما قد علمت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بنى قريظة قد
حاصر بنى قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبدالله بن
أبى بن سلول فوهبهم له فلما كلمته الاوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون
يا معشر الاوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرآة
من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوى الجرحى وتحتسب بنفسها على
خدمة من كانت بها ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب
فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنى قريظة أتاه قومه فحملوه على
حمار وقد وطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم اقبلوا معه إلى رسول
* (
هامش ) * ( 1 ) اى : بحبل . ( * )
ـ 54 ـ
الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا ابا عمر وأحسن في مواليك فان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنما والاك ذلك لتحسن فيهم ( 1 ) فلما أكثروا قال لقدآن لسعد
أن لا يأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بنى
عبدالاشهل فنعى اليهم رجال بنى قريظة قبل ان يصل اليهم سعد عن كلمته التى
سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم . فأما المهاجرون من قريش فيقولون إنما
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار . وأما الانصار فيقولون عم بها رسول
الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فقاموا اليه فقالوا يا أبا عمر إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله
وميثاقه ان الحكم فيهم كما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هاهنا في الناحية التى
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فانى أحكم فيهم أن
تقتل الرجال وتقسم الاموال وتسى الذرارى والنساء . قال ابن سعد قال حميد
وقال بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الانصار قال فقالت الانصار اخواننا
كنا معهم فقال انى أحببت أن يستغنوا عنكم .
قال ابن إسحق فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن عبدالرحمن بن عمرو بن
سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرفعة . قال ابن هشام حدثنى من
أثق به من أهل العلم ان على بن أبى طالب صلح وهم محاصرو بنى قريظة بكتيبة
الايمان وتقدم هو والزبير بن العوام قال والله لاذوقن ما ذاق حمزة أو أفتحن حصنهم
فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد . قال ابن إسحق ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
في دار بنت الحارث إمرأة من بنى النجار . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى سوق المدينة التى هى سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث اليهم فضرب
* (
هامش ) * ( 1 ) في نسخة " اليهم " بدل " فيهم " . ( * )
ـ 55 ـ
أعناقهم في تلك الخنادق فخرج بهم اليها أرسالا وفيهم عدوالله حيى بن أخطب وكعب
ابن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر يقول كانوا ما بين ا لثمانمائة
و التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أرسالا : يا كعب ماتراه يصنع بنا قال في كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعى
لا ينزع وانه من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل . فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ
منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بحيى بن أخطب عدوالله مجموعة يداه
إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت
نفسى في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال : أيها
الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بنى إسرائيل ، ثم
جلس فضربت عنقه . وقد حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن
عائشة قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله إنها لعندى تحدث
معى وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف
باسمها أين فلانة قالت أنا والله قالت قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم
قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول فوالله
ما أنسى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل . قال ابن
هشام هى التى طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته ، وقال ابن سعد أمر بهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا وجعلوا ناحية وأخرج النساء
والذرية فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبدالله بن سلام وجمع أمتعتهم وما وجد
في حصونهم من الحلقة والاثاث والثياب فوجد فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة
درع وألفى رمح وخمسمائة ترس وحجفة ( 1 ) وخمرا وجرار سكر فأهريق ذلك كله ولم
يخمس ، ووجدوا أجمال نواضح وماشية كثيرة . ( 2 )
* (
هامش ) * ( 1 ) الحجفة الترس . ( 2 ) في هامش الاصل " بلغ مغابلة لله الحمد " . ( * )
ـ 56 ـ
قال ابن إسحق : وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر ابن شهاب
الزهرى أتى الزبير ( 1 ) بن باطا القرظى ، وكان يكنى أبا عبدالرحمن وكان
الزبير قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية ذكر لى بعض ولد الزبير أنه كان
من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت وهو شيخ
كبير فقال يا أبا عبدالرحمن هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى مثلك قال انى
قد أردت أن أجزيك بيدك عندى قال إن الكريم يجزى الكريم ثم أتى
ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه كان للزبير على منة
وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هولك
فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لى دمك فهولك قال شيخ
كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال فأتى ثابت رسول الله صلى الله عيله
وسلم فقال يا رسول الله بابي أنت وأمى إمرأته وولده قال هم لك ، قال فأتاه فقال
قد وهب لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك قال أهل بيت
بالحجاز لامال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله ماله قال هو لك فأتاه ثابت فقال قد أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم
مالك فهو لك قال أى ثابت ما فعل الذى كأن وجهه مرآة صينية تتراءى فيه عذارى
الحى كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادى حيى بن أخطب
قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن سموال قال
قتل قال فما فعل المجلسان يعنى بنى كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة قال
ذهبوا قتلوا قال فأنى أسألك يا ثابت بيدى عندك إلا ألحقتنى بالقوم فوالله ما في
العيش بعد هؤلاء من خير أفما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح ( 2 ) حتى ألقى الاحبة فقدمه
* (
هامش ) * ( 1 ) بفتح الزاى المشددة و " الزبير " بضم الزاى إلا هذا .
( 2 )
سيأتى تفسير الغريب . ( * )
ـ 57 ـ
ثابت فضرب عنقه فلما بلغ ابا بكر الصديق قوله ألقى الاحبة قال يلقاهم والله في
نار جهنم خالدا خلدا . وذكر أبوعبيد هذا الخبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أهله
وماله إن أسلم . قال ابن إسحق حدثنى شعبة بن الحجاج عن عبدالملك بن عمير
عن عطية القرظى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بنى قريظة
كل من أنبت وكنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلوا سبيلى وسألت أم المنذر سلمى
بنت قيس أخت سليط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إحدى خالانه
رفاعة بن سموال القرظى وكان قد بلغ قالت فانه زعم أنه سيصلى ويأكل لحم الجمل
فوهبه لها ثم خمست غنائمهم وقسمت للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه
وللراجل سهم وهو أول في ، وقعت فيه السهمان وخمس وكانت الخيل ستة وثلاثين
فرسا . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الانصارى أخابنى عبدالاشهل بسبايا
من بنى قريظة إلى نجدفا بتاع لهم بهم خيلا وسلاحا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد إصطفى
لنفسه منهم ريحانه عمرو بن خنافة إحدى نساء بنى عمرو بن قريظة فكانت
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى عنها وسيأتى ذكرها في موضعه من هذا الكتاب إن
شاء الله تعالى وأنزل الله عزوجل في أمر الخندق وبنى قريظة من القرآن القصة في سورة
الاحزاب ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا
وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة . وكانت
الجنود التى أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة إذ جاء وكم من فوقكم بنو قريظة ومن
أسفل منكم قريش وغطفان إلى قوله ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم
تطؤها - يعنى خيبر - وكان الله على كل شئ قديرا ) فلما انقضى شأن بنى قريظة انفجر لسعد
ابن معاذ جرحه فمات منه وأتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا ( 1 ) بعمامة من
* (
هامش ) * ( 1 ) الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل
منها شيئا تحت ذقنه . ( * )
ـ 58 ـ
استبرق فقال يا محمد من هذا الذى فتحت له ابواب السماء واهتزله العرش ( 1 )
قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده
قد مات . ولما حمل على نعشه وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان له
حملة غيركم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر ابن عائذ لقد نزل سبعون
ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الارض إلا يومهم هذا ، وقال ابن سعد مرت
عليه عنز وهو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها فما رقأ حتى مات وبعث صاحب
دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة من سندس فجعل
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبون من حسن الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن يعنى من هذا .
واستشهد يوم بنى قريظة خلاد بن سويد الحارثى الذى طرحت المرأة عليه
الرسا ، وقد تقدم خبر قتلها وزاد ابن عائذ ومنذر بن محمد أخو بنى جحجبا . ومات
أبوسنان بن محصن الاسدى ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بنى قريظة فدفن في مقبرة
بنى قريظة ، ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم . فكان كذلك .
* (
هامش ) * ( 1 ) قال القاضى أبوبكر بن العربى في تفسيره : " معنى اهتزاز العرش لموت
سعد أن تعتقد أن اهتزازه إنما هو استبشار الملائكة الحافين به كما نقول اهتز
البلد اليوم لموت فلان العالم . ( * )
ـ 59 ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بما سبق من ذكر الخندق وبنى قريظة ـ
أول من حفر الخنادق في الحروب منوشهر بن ايرج وأول من كمن الكمائن بخت
نصر ذكر ذلك عن الطبرى . والنسبة إلى بنى النضير نضرى بفتحتين كثقفى . وعينة
ابن حصن لقب لقب لقائد الاحزاب واسمه حذيفة لقب بذلك لشتر في عينيه .
وذكر حيى بن أخطب وما قال لكعب وانه لم يزل يقتل في الذروة والغارب . قال
السهيلى هذا مثل وأصله في البعير يستصعب عليك فتأخذ القراد ( 1 ) من ذروته وغارب
سنامه فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك وأنشد للحطيئة :
لعمرك ما قراد بنى كليب * إذا نزع القراد بمستطاع
يريد أنهم لا يخدعون ولا يستذلون . واللحن العدل بالكلام عن الوجه
المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه ، كما أن اللحن الذى هو الخطأ عدول عن
الصواب المعروف ، وقال الجاحظ في قول مالك بن أسماء :
منطق صائب وتلحن أحيا * نا وخير الكلام ما كان لحنا
يريد أن اللحن الذى هو الخطأ قد يستملح ويستطاب من الجارية الحديثة
السن . وخطئ الجاحظ في هذا التأويل ، وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف
لا مرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت فأنكر عليها اللحن
* (
هامش ) * ( 1 ) دويبة معروفة تلصق في جلد البعير . ( * )
ـ 60 ـ
فاحتجب بقول أخيها مالك بن أسماء * وخير الحديث ما كان لحنا * وقال
لها الحجاج لم يرد أخوك هذا إنما أراد الذى هو التورية والالغاز فسكتت
فلما حدث الجاحظ بهذا الحديث قال لو كان بلغنى هذا قبل أن أؤلف كتاب
البيان ما قلت في ذلك ما قلت فقيل أفلا تغيره فقال وكيف وقد ساربها البغال
الشهب وأنجد في البلاد وغار . انتهى ما حكاه السهيلى ، وتأويل الجاحظ أولى لما
فيه من مقابلة الصواب بالخطأ ولعل الشاعر لو أراد المعنى الآخر لقال منطق ظاهر
ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية واللغز من الخفاء ، وكما قال الجاحظ في تأويل وتلحن
أحيانا قال ابن قتيبة . وحبان بن العرقة هو حبان بن عبد مناف بن منقد بن
عمرو بن معيص بن عامر بن لؤى والعرقة أمه وهى قلابة بنت سعيد بن سعد بن
سهم تكنى أم فاطمة سميت العرقة لطيب ريحها . كذا ذكر السهيلى ، وابن الكلبى
يقول هى أم عبد مناف جد أبيه وهو عنده حبان بن ببأبى قيس بن علقمة بن عبد
مناف وموسى بن عقبة يقول فيه جبار بن قيس بالجيم والراء أحد بنى العرقة . وحديث
اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ حديث صحيح . قال السهيلى والعجب من رواية
من روى عن مالك أنه كره أن يقال اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ولم ير التحدث
بذلك مع صحة نقله وكثرة الرواة له ، ولا أدرى ماوجه ذلك ولعلها غير صحيحة
عنه فقد خرجه البخارى . قلت هذا يقتضى أن يكون إنكار مالك محمولا عنده
على أمر عنده يرجع إلى الاسناد وليس كذلك بل قد اختلف العلماء في هذا الخبر
فمنهم من يحمله على ظاهره ومنهم من يجنح فيه إلى التأويل . وما كانت هذه سبيله
من الاخبار المشكلة فمن الناس من يكره روايته إذا لم يتعلق به حكم شرعى فلعل
الكراهة المروية عن مالك من هذا الوجه والله أعلم . وأسيد بن سعية بفتح
الهمزة وكسر السين كذا هو عند أكثر الرواة ، ونقل عن بعضهم أسيد بضم
الهمزة وفتح السين . وجهشت إلى الشئ وأجهشت أسرعت متبا كيا ، ويعنى
ـ 61 ـ
بالارفعة السموات قال ابن دريد كذا جاء في هذا الحديث " سبعة أرفعة "
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 61 سطر 1 الى ص 70 سطر 22
بالارفعة السموات قال ابن دريد كذا جاء في هذا الحديث " سبعة أرفعة "
على لفظ التذكير على معنى السقف قال الفسوى ومثل تسميتهم إياها بالجرباء ( 1 )
تسميتهم إياها بالرفيع ، قال ابن الاعرابى سموها بالرفيع لانها مرفوعة بالنجوم . قال
أبوعلى والاجرب خلاف الاملس . والمرأة المقتولة من بنى قريظة اسمها بنانة امرأة
الحكم القرظى قال السهيلى وفى قتلها دليل لمن قال تقتل المرتدة من النساء أخذا
بعموم قوله عليه السلام " من بدل دينه فاضربوا عنقه " وفيه مع العموم قوة أخرى
وهى تعليق الحكم بالردة والتبديل ولا حجة مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن
لا تقتل المرتدة لنهيه عليه السلام عن قتل النساء والولدان . قلت هما عامان تعارضا
وكل من الفريقين يخص أحد الحديثين بالآخر ف العراقيون يخصون حديث من بدل
دينه فاقتلوه بحديث النهى عن قتل النساء والصبيان ، وغيرهم يخالفهم وتخصيص
المخالف أولى لوجه ليس هذا موضع ذكره . وأما استدلاله بهذا الحديث على قتل
المرتدة ولم تكن هذه مرتدة قط فعجيب بل هى قاتلة قتلت خلاد بن سويد ومقاتلة
بتعاطيها ذلك ونافضة للعهد فالعراقى موافق لغيره في قتل هده وفى انفرادها بالقتل
عن نساء بنى قريظة ما يشعر بأنه لما انفردت به عنهن من قتل خلاد فليس هذا
من حكم المرتدة في ورد ولا صدر . وقول الزبير وهو بفتح الزاى وكسر الباء ألست
صابرا قبلة دلو ناضح هو عند ابن إسحق بالفاء والثاء المثلثة الحروف ، وقال
ابن هشام إنما هو بالقاف والباء الموحدة وقابل الدلو الذى يأخذها من المستقى .
وذكر أبوعبيد الحديث في الاموال افراغة دلو . ( 2 )
* (
هامش ) * ( 1 ) أى السماء .
( 2 )
في حاشية الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ 63 ـ
ـ سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء ـ
روينا عن ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن أبى الاسود عن
عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أخا بنى عبد الاشهل بعثه إلى
القرطاء من هوازن . وروينا عن ابن سعد قال ثم سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء
خرج لعشر ليال خلون من المحرم على رأس تسع وخمسين شهرا من مهاجر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ثلاثين راكبا إلى القرطاء وهم بطن من بنى أبى
بكر بن كلاب وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية ، وبين المدينة وضرية سبع
ليال وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل نفرا
منهم وهرب سائرهم واستاق نعما نوشاء ولم يعرض للظعن وانحدروا إلى المدينة
فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ماجاء به وفض على أصحابه ما بقى فعدلوا الجزور بعشرة
من الغنم وكانت النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة ، وغاب تسع عشرة
ليلة وقدم لليلة بقيت من المحرم . وذكر أ بوعبدالله الحاكم أنها في المحرم سنة ست
وأن ثمامة بن أثال الحنفى أخذ فيها وذكر حديث اسلامه . وروينا من طريق مسلم
رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد فثنا ليث عن سعيد بن أبى سعيد أنه سمع أبا هريرة
يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له
ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج اليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة قال عندى يا محمد خير إن تقتل
ـ 64 ـ
بل ذا دم وان تنعم تنعم على شار وان كنت تريد المال فسل تعط منه
شئت الحديث . وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب
بن المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الارض أبغض إلى من وجهك فقد أصبح
وجهك أحب الوجوه كلها إلى والله ما كان على الارض من دين أبغض إلى من .
دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلى الحديث . والقرطاء قرط وقريط وقريط
بنو عبد بن عبيد وهو أبوبكر بن كلاب من قيس غيلان ذكره الرشاطى قال
وذكر الطبرى قال قال أ بواليقظان تزوج النبى صلى الله عليه وسلم عمرة وهى من
القرطاء من بنى أبى بكر بن كلاب وممن ينسب هذه النسبة محمد بن القسم بن شعبان
القرظى الفقيه له مصنف في الفقه على مذهب مالك رحمه الله وهو مصرى وقد ذكره الامير .
ـ 65 ـ
ـ سرية عبدالله بن عتيك ـ
لقتل أبى رافع سلام بن أبى الحقيق
واستأذن نفر من الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله ذبا عن الله وعن رسوله
صلى الله عليه وسلم وتشبها بالاوس فيما فعلوه من قتل ابن الاشرف فأذن لهم
وكذلك كانوا رضى الله عنهم يتنافسون فيما يزلف إلى الله والى رسوله . وكان ابن
أبى الحقيق بخيبر فخرج اليه من الخزرج من بنى سلمة خمسة نفر عبدالله بن
عتيك ومسعود بن سنان وعبدالله بن أنيس وأبوقتادة بن ربعى وخزاعى بن
أسود حليف لهم من أسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ابن عتيك ونهاهم أن
بقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبى الحقيق ليلا
فلم يدخلوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله قال وكان في علية له اليها عجلة قال
فأسندوا فيها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم
فقالوا ناس من العرب نلتمس الميرة قالت ذا كم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلنا
أغلقنا علينا وعليه الحجرة تخوفا أن يكون دونه محولة تحول بيننا وبينه قال
وصاحت المرأة فنوهت بنا قال وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه
في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع
عليها سيفه ثم يذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها
بلبل . قال فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه
حتى أنفذه ، وهو يقول قطنى أى حسبى حسبى قال وخرجنا وكان عبدالله
ـ 66 ـ
ابن عتيك رجلا سئ البصر فوقع من الدرجة فوثئت يده وثئا ( 1 ) شديدا ، ويقال رجله
فيما قال ابن هشام وغيره قال وحملناه حتى نأتى منهرا من عيونهم ( 2 ) فندخل فيه قال
فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبون حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم
فاكتنفوه يقضى بينهم . قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات قال
فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدتها
ورجال يهود حولها وفى يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول أما والله لقد
سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت قلت انى ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت
تنظر في وجهه ثم قال فاض والله يهود فما سمعت كلمة ألذ إلى نفسى منها قال ثم جاءنا
فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا بقتل
عدوالله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا
أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبدالله بن أنيس هذا قتله أرى فيه
أثر الطعام . قال ابن سعد هى في شهر رمضان ست قال وقالوا كان أبورافع
قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركى العرب وجعل لهم الجعل العظيم لحرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذكر ابن عقبة فيمن قتل أبا رافع أسعد بن
حرام ولم يذكره غيره . والعجلة درجة من نحل قاله القتبى .
* (
هامش ) * ( 1 ) أى أصابها وهن .
( 2 )
المنهر خرق في الحصن نافذ يدخل فيه الماء . ( * )
ـ 67 ـ
ـ إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ـ
رضى الله عنهما
روينا عن ابن إسحق قال وحدثنى يزيد بن أبى حبيب عن راشد مولى حبيب
ابن أبى أوس الثقفى عن حبيب بن أبى أوس قال حدثنى عمرو بن العاص من
فيه قال ولما انصرفنا مع الاحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا
يرون رأيى ويسمعون منى فقلت لهم تعلمون والله انى أرى أمر محمد يعلو الامور
علوا منكرا وإنى قد رأيت أمرا فما ترون فيه قالوا وما ذا رأيت قلت رأيت
أن نكون عند النجاشى فان ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشى فانا ان
ما تأخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع فان الاسلام يجب ما كان
قبله وإن الهجرة تجب ما كان قبلها قال فبايعته ثم انصرفت .
قال ابن إسحق : وحدثنى من لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبى طلحة كان
معهما . قال أبوالقاسم السهيلى وذكر الزبير حديث عمر وهذا وقال وقدم معهما عثمان
ابن طلحة صحبهما في تلك الطريق قال عمرو كنت أسن منهما فأردت أن أكيدهما
فقد منهما قبلى للمبايعة فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يغفر لهما ما
تقدم من ذنبهما وأضمرت في نفسى أن أذكر ما تقدم من ذنبى وما تأخر فلما بايعت
قلت على أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى وأنسيت أن أقول ما تأخر . قوله قد استقام
الميسم أى ظهرت العلامة ، ومن رواه المنسم بالنون أراد الطريق .
ـ 68 ـ
ـ غزوة بنى لحيان ـ
هى عند ابن سعد لغرة هلال شهر ربيع الاول سنة ست ، وقال ابن إسحق
وخرج يعنى النبى صلى الله عليه وسلم في جمادى الاولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة
إلى بنى لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع خبيب بن عدى وأصحابه وأظهر أنه يريد
الشام ليصيب من القوم غرة ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن
هشام حتى أتى منازل بنى لحيان فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال فلما
نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا
عسفان لرأى أهل مكة انا قد جئنا مكة فخرج في مائتى راكب من أصحابه حتى
نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا وراح
رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا فكان جابر بن عبدالله يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون
أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسواء المنظر في الاهل والمال . والحديث
عن غزوة بنى لحيان عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبى بكر عن عبد
الله بن كعب بن مالك . وقال ابن سعد فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع
به قريش فيذعرهم فأتوا الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا .
ـ 69 ـ
ـ غزوة ذى قرد ـ
ويقال لها غزوة الغابة
قال ابن إسحق ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يقم بها إلا
ليالى قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى في خيل من
غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من بنى غفار
وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح . فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة
وعبدالله بن أبى بكر ومن لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك كل قد حدث
في غزوة ذى قرد بعض الحديث أنه كان أول من نذربهم سلمة بن عمرو بن
الاكوع غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيدالله معه
فرس له يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف إلى ناحية
سلع ثم صرخ واصباحاه ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق
القوم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع
فاذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمكنه الرمى رمى ثم قال خذها
وانا ابن الاكوع اليوم يوم الرضع قال فيقول قائلهم أوكيعنا هو أول النهار قال
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الاكوع فصرخ في المدينة الفزع الفزع فكان
أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو
-
وهو الذى يقال له المقداد بن الاسود حليف بنى زهرة - ثم عباد بن بشر وسعد
ابن زيد أحد بنى كعب بن عبد الاشهل وأسيد بن ظهير يشك فيه وعكاشة بن
ـ 70 ـ
محصن ومحرز بن نضلة وأبوقتادة وأبوعياش عبيد بن زيد بن صامت أخو بنى
زريق فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليهم سعد بن زيد ثم قال اخرج
في طلب القوم حتى ألحقك بالناس . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
بلغنى عن رجال من بنى زريق لابى عياش يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس
رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم فقال أبوعياش قلت يا رسول الله انا افرس
الناس ثم ضربت الفرس فوالله ماجرى بى خمسين ذراعا حتى طرحنى فعجبت
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أعطيته افرس منك وانا اقول انا افرس
الناس فزعم رجال من بنى زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى فرس ابى عياش
معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وكان ثامنا . كذا وقع
هنا ، وبعضا الناس يقول ان معاذ بن ما عص وأخاه عائذا قتلا يوم بئر معونة
شهيدين وقد تقدم ذلك ، وبعض الناس يعد سلمة بن الاكوع أحد الثمانية
ويطرح أسيد بن ظهير ولم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أول من لحق بالقوم
على رجليه فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا . فحدثنى عاصم بن عمر
ابن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وكان
يقال لمحرز الاخرم ويقال له قمير وان الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة
في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صيعا ( 1 ) جاما فقال نساء من نساء بنى
عبد الاشهل حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به يا قمير هل
لك في ان تركب هذا الفرس فانه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمين قال نعم فأعطينه إياه فخرج عليه فلم يلبث أن بذ الخيل لجمامه ( 2 ) حتى
* (
هامش ) * ( 1 ) أى وأحسن القيام عليه . ( 2 ) أى : استراحته ، يقال : جم الفرس جماما
إذا ذهب اغناؤه ، وكذا إذا ترك الضراب وإذا ترك فلم يركب . ( * )
ـ 71 ـ
أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا يا معشر بنى اللكيعة حتى يلحق
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 71 سطر 1 الى ص 80 سطر 22
أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا يا معشر بنى اللكيعة حتى يلحق
بكم من ؟ ؟ ؟ كم من أدباركم من المهاجرين والانصار قال وحمل عليه رجل منهم فقتله
وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على اريه ( 1 ) في بنى عبدالاشهل فلم يقتل من
المسلمين غيره . قال ابن هشام قتل يومئذ من المسلمين مع محرز وقاص بن محرر
المدلجى فيما ذكر غير واحد من أهل العلم . قال ابن اسحق . ولما تلاحقت الخيل
قتل أبوقتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم
فيما قال ابن هشام فاذا حبيب مسجى ببرد أبى قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل
أبوقتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبى قتادة ولكنه قتيل لابى
قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه وأدرك عكاشة بن محصن أو بارا وابنه
عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا
بعض اللقاح وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذى قرد
وتلاحق به الناس وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الاكوع يا رسول الله لو
سرحتنى في مائة رجل لا ستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى انهم الآن ليغبقون ( 2 ) في غطفان فقسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليها ثم رجع رسول
الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة وأقبلت إمرأة الغفارى على ناقة ( 3 ) من إبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت
يا رسول الله انى قد نذرت لله أن أنحرها ان نجانى الله عليها قال فتبسم رسول الله
* (
هامش ) * ( 1 ) الارى مربط الدابة .
( 2 )
الغبوق شرب العشى
( 3 )
في نسخة زيادة " هى العضباء " ( * )
ـ 72 ـ
صلى الله عليه وسلم قال بئس ما جز يتيها ان حملك الله عليها وبحاك بها ثم تنحرينها
لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين إنما هى ناقة من إبلى إرجعى إلى أهلك على
بركة الله . والحديث عن إمرأة الغفارى وما قالت وما قال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن أبى الزبير المكى عن الحسن البصرى ، وقال ابن عقبة كان رئيس
القوم يعنى المشركين مسعدة الفزارى وهو عنده قتيل أبى قتادة وفيه قوله عليه
السلام لتعرفوه فتخلوا عن قتيله وسلبه ثم ان فوارس النبى صلى الله عليه وسلم
أدركوا العدو والسرح فاقتتلوا قتالا شديدا واستنقذوا السرح وهزم الله تعالى العدو
ويقال قتل أبوقتادة قرفة إمرأة مسعدة وأما ابن سعد فقال وقتل المقداد بن عمرو
حبيب بن عيينة بن حصن وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، قال ابن عقبة
وقتل يومئذ من المسلمين الاخرم ( 1 ) محرز بن نضلة قتله أوبار . كذا قاله وهو عند ابن
سعد آثار وعندابن عائذ آبار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوبارا وابنه وذكر
ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عبدالله بن لهيعة عن أبن الاسود عن عروة
نحو ما ذكرنا عن ابن عقبة . وذكر ابن سعد أنها في شهر ربيع الاول سنة ست
من الهجرة وان اللقاح عشرون فأغار عليها عيينة في ليلة الاربعاء في أربعين فارسا
فاستوقوها وكان أبوذر فيها وقتلوا ابن أبى ذر وجاء الصريخ فنادى الفزع الفزع
فنودى يا خيل الله اركبى وكان أول مانودى بها . قلت قد تقدم عن قتادة من طريق
ابن عائذ النداء بياخيل الله اركبى في وقعة بنى قريظة وهى قبل هذه عندهم وركب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج غداة الاربعاء في الحديد مقنعا فوقف وكان
أول من أقبل اليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له رسول
الله صلى الله عليه وسلم لواء في رمحه وقال امض حتى تلحقك الخيل وخلف سعد
* (
هامش ) * ( 1 ) في نسخة " الاجدع " ( * )
ـ 73 ـ
ابن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة قال وذهب الصريخ إلى بنى عمرو
ابن عوف فجاءت الامداد فلم تزل الخيل تأتى والرجال على أقدامهم وعلى الابل
حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى قرد فاستنقذوا عشر لقاح وأفلت القوم بما
بقى وهى عشرة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى قرد صلاة الخوف وأقام
به يوما وليلة يتحسب الخبر وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا
خمسمائة ويقال سبعمائة وبعث اليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى قرد . قال ابن سعد والثبت عندنا أن سعد بن زيد أمير هذه
السرية ولكن الناس نسبوها للمقداد لقول حسان * غداة فوارس المقداد * قلت وأوله :
ولسر أولاد اللقيطة أننا * سلم غداة فوارس المقداد
قال فعاتبه سعد فقال اضطرنى الروى إلى المقداد . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة يوم الاثنين وكان قد غاب خمس ليال .
وفى رواية لابن سعد في هذا الخبر عن هاشم بن القاسم عن عكرمة بن عمار
قال حدثنى إياس بن سلمة عن أبيه قال خرجت أنا ورباح غلام النبى صلى الله
عليه وسلم وخرجت بفرس لطلحة بن عبيدالله كنت أريد أن أنسيه ( 1 ) مع الابل
فلما أن كان بغلس أغار عبدالرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقتل راعيها وخرج يطردها ، وذكر نحو ما تقدم وفيه حتى ما خلق الله شيئا
من ظهر النبى صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهرى ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من
ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفونها ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت
* (
هامش ) * ( 1 ) التندية ان تورد الابل والخيل فتشرب قليلا ثم ترد للمرعى ساعة وتعاد إلى الماء . ( * )
ـ 74 ـ
عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه أنه جلاهم عن
ماء ذى قرد ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه قوله
عليه السلام انهم الآن يقرون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال
مروا على فلان الغطفانى فنحر لهم جزورا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة
فتركوها وخرجوا هرابا فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فرساننا
اليوم أبوقتادة وخير رجالتنا سلمة فأعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم
الراجل والفارس جميعا ، وفى رواية البخارى لهذا الخبر من طريق سلمة فقلت يا نبى
الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش فابعث اليهم الساعة فقال يا ابن الاكوع
ملكت فأسجح ( 1 )
ـ ذكر فوائد تتعلق بهذه الواقعة ـ
قرد مفتوح القاف والراء وحكى السهيلى عن أبى على الضم فيهما . وقوله اليوم يوم
الرضع يريد يوم هلاك الرضع والرضع اللئام من قولهم لئيم راضع وهو الذى يرضع
الغنم ولا يحلبها فيسمع صوت الحلب وقد قيل فيه غير ذلك . ومحرز بن نضلة المعروف
فيه سكون الضاد ورأيت عن الدار قطنى فتحها وحكى البغوى عن ابن إسحق محرز
ابن عون بن نضلة وبعضهم يقول ابن ناضلة . ( 2 )
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : قدرت فسهل وأحسن العفو ، وهو مثل .
( 2 )
في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ 75 ـ
ـ سرية سعيد بن زيد إلى العرنيين ـ
وهى في شوال سنة ست عند ابن سعد
قال ابن عقبة وكان قد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة وعرينة حى
من بجيلة وكانوا مجهودين مضرورين قد كادوا يهلكون فأنزلهم عنده وسألوه أن
ينحيهم من المدينة فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له بفيفاء
الخبار ( 1 ) من وراء الحمى فيها مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى يسارا فقتلوه
ثم مثلوا به واستاقوا لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم في آثارهم فأدركوا فوق المنقى فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وأمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد . وتحدث
بهذا الحديث كما زعموا أنس بن مالك وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى بعد ذلك عن المثل بالآية التى في سورة المائدة ( إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة
عذاب عظيم ) هذه الآية والتى بعدها . قرئ على أبى محمد عبدالرحيم بن يوسف
المزى وانا اسمع وأخبرك أبوعلى حنبل بن عبدالله بن الفرج وأقر به قال أنا
الرئيس أبوالقاسم بن الحصين قال أنا أبوعلى بن المذهب قال أنا أبوبكر القطيعى
* (
هامش ) * ( 1 ) بفتح الخاء المعجمة . ( * )
ـ 76 ـ
قال أنا عبدالله بن احمد بن حنبل قال أنا أبى فثنا ابن أبى عدى عن حميد عن
أنس قال أسلم ناس من عرينة فاجتووا ( 1 ) المدينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم لو خرجتم إلى ذود ( 2 ) لنا فشر بتم من ألبانها . قال حميد وقال قتادة عن أنس
وأبوالها . فلما صحوا كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعى النبى صلى الله عليه وسلم
مؤمنا ومسلما وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهربوا محاربين فأرسل
رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار هم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرأ عينهم ( 3 )
وتركهم في الحرة حتى ماتوا . وقال ابن سعد وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهرى فأدركوهم
فأحاطوا بهم فأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة قال وكانت
اللقاح خمس عشرة غزارا فردوها إلى المدينة ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم
منها لقحة تدعى الحناء فسأل عنها فقيل نحروها .
* (
هامش ) * ( 1 ) أى أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هو
اؤها واستو خموها ، ويقال اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة .
( 2 )
أى نوق
( 3 )
أى احمى مسامير الحديد وكحلهم بها . ( * )
ـ 77 ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر ـ
قد تقدم أن نفرا من عرينة وروى من عكل أو عرينة على الشك ، وروى من
عكل وعرينة من غير شك وروى أن نفرا قدموا ولم يذكر من أى قبيلة هم . والكل
في الصحيح من حديث أنس فأما عرينة ففى بجيلة وقضاعة فالذى في بجيلة عرينة
ابن نذير بن قسر بن عبقر وعبقر أمه بجيلة ، قاله الرشاطى قال ومنهم الرهط الذين
أغاروا على إبل النبى صلى الله عليه وسلم . قال والعرن حكة تصيب الفرس والبعير
في قوائمهما . وأما عكل ففى الرباب . وعكل إمرأة حضنت بنى عوف بن وائل بن
قيس بن عوف بن عبدمناة من الرباب حكى ابن الكلبى قال ولد عوف بن وائل
الحرث وجشما وسعدا وعليا وقيسا وأمهم ابنة ذى اللحية من حمير وحضنتهم عكل
أمة لهم فغلبت عليهم . قال ابن دريد اشتقاق عكل من عكلت الشئ إذا جمعته
وقال غيره يكون من عكل يعكل إذا قال برأيه مثل حدس ورجل عكلى أى أحمق
منهم من الصحابة خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبدالله بن عبادة بن سعد بن
عوف المذكور لم يذكره أبوعمر ولا نسبه ابن فتحون قاله الرشاطى . وقوله فاجتووا
المدينة : قال ابن سيده وجوى الارض جوى واجتواها لم توافقه . وقد وقع في بعض
الروايات أنهم شكوا أجوافهم . وأبوال الابل وألبانها يدخل في شئ من علاج
الاستسقاء إبل البادية التى ترعى الشيح والقيصوم . وقول ابن عقبة وذكروا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثل فمن الناس من رأى ذلك
ـ 78 ـ
وزعم أن هذا الخبر منسوخ بقوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله )
الآية وبنهيه عليه السلام عن المثلة ، وقد روى في ذلك شئ عن بعض السلف
ومن الناس من أبى ذلك وقد يترجح هذا لانه مختلف في سبب نزول هذه الآية
فقد ذكر البغوى وغيره لنزولها قصة غير هذه وأيضا فليس فيها أكثر مما تشعره
لفظة " إنما " من الاقتصار في حد الخرابة ( 1 ) على ما في الآية ، وأما من زاد على الخرابة
جنايات أخر كما فعل هؤلاء حيث زادوا بالردة وسمل أعين الرعاء وغير ذلك .
فقد روينافى خبرهم عن ابن سعد أنهم قطعوا يد الراعى ورجله وغرسوا الشوك في
لسانه وعينيه حتى مات فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم والزيادة في
عقوبتهم فهذا قصاص ليس بمثلة والمثلة ما كان ابتداء عن غير جزاء . وقد روينا
من طريق الترمذى والنسائى جميعا عن الفضل بن سهل عن يحيى بن غيلان
وثقهما النسائى عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك قال إنما
سمل النبى صلى الله عليه وسلم أعين أولئك العرنيين لانهم سملوا أعين الرعاء ولو أن شخصا
جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة فاقتص منهم للمجنى عليهم لما كان التسوية
التى حصل به من المثلة المنهى عنها . واذا اختلفت في سبب نزول الآية الاقوال
وتطرق اليها الاحتمال فلا نسخ . وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير وجه
وروى أيضا من حديث ابن عمر وعائشة وغيرهما . ولولا ما شرطناه من الاختصار
لاوردنا طرفا من طرفه ولبسطنا الكلام عليه .
* (
هامش ) * ( 1 ) أى الجناية . ( * )
ـ 79 ـ
ـ غزوة بنى المصطلق ـ
وهى غزوة المريسيع
وهى في شعبان سنة ست عند ابن إسحق ، وفى سند أربع عند موسى بن عقبة
وفى شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد ، والخندق
بعدها عنده في ذى القعدة من السنة . قال ابن إسحق فحدثنى عاصم بن عمر بن
قتادة وعبدالله بن أبى بكر ومحمد بن يحيى بن حبان كل قد حدثنى بعض حديث
بنى المصطلق قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بنى المصطلق يجمعون
له وقائدهم الحرث بن أبى ضرار أبوجويرية بنت الحرث زوج النبى صلى الله عليه وسلم فلما
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج اليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم
يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله نبى
المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم
فأفاهم عليه . وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بريدة بن
الحصيب الاسلمى يعلم علم ذلك فأتاهم ولقى الحرث بن أبى ضرار وكلمه ورجع إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم . وثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس
اليهم وأسرعوا الخروج وقادوا الخيل وهى ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة
وفى الانصار عشرون . واستخلف على المدينة زيد بن حارثة ، وقال ابن هشام
استعمل عليها أباذر النفارى ويقال نميلة بن عبدالله الليثى .
ـ 80 ـ
رجع إلى خبر ابن سعد : وكان معه فرسان لزاز والظرب وبلغ الحارث بن أبى ضرار
ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم وأنه قد قتل عينه الذى كان وجهه ليأتيه بخبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئ لذلك الحرث ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق عنهم
من كان معهم من العرب وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المر يسيع وهو
الماء فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة فتهيئوا للقتال وصف رسول الله صلى
الله عليه وسلم ودفع راية المهاجرين إلى أبى بكر وراية الانصار إلى سعد بن
عبادة فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا
حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والدرية . وقد روينا من طريق مسلم
خلاف ذلك قال حدثنا يحيى بن يحيى فثنا سليم بن أخضر عن ابن عون قال :
كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال فكتب إلى إنما كان ذلك في
أول الاسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق وهم غارون
وأنعامهم تسعى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى
أحسبه قال جورية أو البتة ابنة الحارث . وحدثنى هذا الحديث عبدالله بن عمر
وكان في ذلك الجيش . وقد أشار ابن سعد إلى هذه الرواية وقال الاول أثبت قال
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب
وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقر ان مولاه وجمع الذرية ناحية واستعمل
على قسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدى ، وكان الابل ألفى
بعير والشاء خمسة آلاف شاة وكان السبى مائتى بيت وقال غاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن المدينة ثمانيا وعشرين ليلة وقدم المدينة لهلال رمضان .
رجع إلى ابن اسحق : قال وقد أصيب رجل من المسلمين من بنى كلب بن عوف
ـ 81 ـ
ابن عامر بن ليث بن بكر يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الانصار من
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 81 سطر 1 الى ص 90 سطر 7
ابن عامر بن ليث بن بكر يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الانصار من
رهط عبادة بن الصامت وهويرى أنه من العدو فقتله خطأ فبينما الناس على ذلك
الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال له جهجاه
ابن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهنى حليف بنى عوف
ابن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنى يا معشر الانصار وصرخ الجهجاه
يا معشر المهاجرين فغضب عبدالله بن أبى بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد
ابن أرقم غلام حدث فقال أقد فعلوها أقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا
وجلا بيب قريش هذه إلا كما قال الاول " سمن كلبك يأكلك " أما والله لئن رجعنا
إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال :
هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتوهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم
ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دار كم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر
وعنده عمر بن الخطاب فقال مر به عباد بن بشر فليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكيف يا عمر إذا تحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه قال لا ولكن أذن بالرحيل
وفى ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحمل الناس وقد مشى
عبدالله بن أبى بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن
أرقم قد بلغه ما سمعنه منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان في قومه
شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار من أصحابه
يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا
على ابن أبى ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد
ابن الحضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه وقال : يا نبى الله والله لقد رحت في ساعة
منكرة ما كنت تروح في مثلها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو ما بلغك ما قال
ـ 82 ـ
صاحبكم ؟ قال أى صاحب يا رسول الله ؟ قال عبدالله بن أبى قال وما قال ؟ قال
زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الاعز منها الاذل . قال فأنت والله يا رسول الله
تخرجه إن شئت هووالله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد
جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فانه ليرى أنك قد استلبته
ملكه ، ثم متن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى
وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذته الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا
أن وجدوا مس الارض فوقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث
الذى كان بالامس من حديث عبدالله بن أبى ثم راح رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فوق النقيع يقال له نقعا فلما
راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس هبت على الناس ريح شديدة آذتهم
وتخوفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوها فانها هبت لموت عظيم
من عظماء الكفار ، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بنى
قينقاع وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين مات ذلك اليوم ونزلت السورة التى
ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبى ومن كان على مثل أمره ، فلما نزلت أخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال هذا الذى أوفى الله بأذنه .
وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبى الذى كان من أمر أبيه فحدثنى عاصم بن عمر
ابن قتادة أن عبدالله أنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه
قد بلغنى أنك تريد قتل عبدالله بن أبى فيما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرنى
فأنا أحمل لك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده منى
إنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال
* (
هامش ) * ( 1 ) يقال متن به أى سار به يومه أجمع . ( * )
ـ 83 ـ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به وتحسن صحبته ما بقى معنا . وجعل بعد
ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم كيف
ترى باعمر ؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لى اقتله لارعدت له أنف لو أمرتها اليوم
بقتله لقتلته قال قال عمر قدو الله علمت لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمرى .
وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر ، فقال يا رسول الله جئتك مسلما
وجئت أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه
هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على
قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا فقال في شعر يقوله :
شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا * يضرج ثوبيه دماء الاخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله * تلم فيحمينى وطاء المضاجع
حللت به وترى وأدركت ثورتى * وكنت إلى الاوثان أول راجع
ثأرت به فهما وحملت عقله * سراة بنى النجار أرباب فارع
وقال مقيس بن صبابة أيضا :
جللته ضربة باتت لها وشل * من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت تغشاه أسرته * لا تأمنن بنى بكر إذا ظلموا
قال ابن هشام وكان شعار المسلمين يوم بنى المصطلق يا منصور أمت أمت . قال
ابن إسحق وأصيب من بنى المصطلق ناس يومئذ وقتل على بن أبى طالب منهم
رجلين مالكا وابنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا فشاء
ـ 84 ـ
قسمته في المسلمين . وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويريه بنت الحارث بن أبى
ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبوعمر كان اسمها برة فغيره رسول
الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية فأرسل الناس ما بأيديهم من سبايا بنى
المصطلق لذلك فكانت مائة بيت وأسلم بنو المصطلق ، ثم بعد ذلك بأزيد من
عامين بعث اليهم الوليد بن عقبة مصدقا فخرجوا للقائه فتوهم أنهم خرجوا لقتاله
قفر راجعا وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظنه فهم عليه السلام بقتالهم
فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية والتى بعدها .
ـ 85 ـ
ـ حديث الافك ـ
وفى هذه الغزاة قال أهل الافك في عائشة ماقالوا فبرأها الله مما قالوا : روينا من
طريق البخارى قال حدثنا يحيى بن بكير فثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب
قال أخبرنى عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن
عبدالله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين قال لها
أهل الافك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا . وكل حدثنى طائفة من الحديث وبعض
حديثهم يصدق بعضه بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض . الذى حدثنى
عروة عن عائشة أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبى
صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها
خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة
غزاها فخرج سهمى فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل
في هودجى وأنزل فيه حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك
وقفل ودنونا من المدينة قافلين أذن ليلة بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما
قضيت شأنى أقبلت إلى رحلى فاذا عقد لى من جذع أظفار قد انقطع فالتمست
عقدى وحبسنى ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هودجى
فرحلوه على بعيرى الذى كنت ركبت وهم يحسبون أتى فيه وكان النساء إذا ذاك
خفافا ولم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة ( 1 ) من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج
* (
هامش ) * ( 1 ) أى القليل . ( * )
ـ 86 ـ
حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدى بعد
ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلى الذى
كنت فيه وظننت أنهم سيفقدونى فيرجعون إلى فبينا أنا جالسة في منزلى غلبتنى
عينى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى من وراء الجيش فأدلج ( 1 )
فأصبح عند منزلى فرأى سواد إنسان نائم فأتانى فعرفنى حين رآنى وكان يرانى
قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابى والله
ما يكلمنى كلمة ولا أكلمه وما سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته
فوطئ على يدها فركبتها فانطلق بى يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا
موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك . وكان الذى تولى الافك عبدالله بن أبى
ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول
أصحاب الافك لا أشعر بشئ من ذلك وهو يريبنى في وجعى أنى لا أعرف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى إنما يدخل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم ؟ ثم ينصرف فذاك الذى يريبنى ولا أشعر
بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت فخرجت معى أم مسطح قبل المناصع وهو متبر زنا
وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ السكنف قريبا من بيوتنا
وأمرنا أمر العرب الاول في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن
نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهى ابنة أبى رهم بن عبدمناف
أمها بنت صخربن عامر خالة أبى بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة فأقبلت
أنا وأم مسطح قبل بيتى قد غرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت
تعس مسطع فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت أى هنتاه أولم
* (
هامش ) * ( 1 ) أى نزل من آخر الليل . ( * )
ـ 87 ـ
تسمعى ما قبل ؟ قلت وما قال ؟ قالت فأخبرتنى بقول أهل الافك فازددت مرضا
على مرضى فلما رجعت إلى بيتى ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعنى سلم ثم قال كيف
تيكم ؟ فقلت أتأذن لى أن آتى أبوى قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر
من قبلهما قالت فأذن لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوى فقلت لامى يا أمتاه
فما يتحدث الناس قالت يا بنية هونى عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند
رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت فقلت سبحان الله ولقد تحدث
الناس بهذا . قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ ( 1 ) لى دمع ولا أكتحل
بنوم حتى أصبحت أبكى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأسامة بن
زيد حين استلبث الوحى يستأمرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة بن زيد
فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذى يعلم من براءة أهله وبالذى
يعلم لهم في نفسه من الود فقال يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا . وأما على بن أبى
طالب فقال يا رسول الله : لم يضبق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل
الجارية تصدقك قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال إيه بربرة هل رأيت
من شئ يريبك قالت بربرة والذى بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا أغمصه ( 2 )
عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن
فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبدالله بن أبى بن سلول قالت فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرنى ( 3 ) من رجل قد بلغنى
أذاه في أهل بيتى فوالله ما علمت عن أهلى إلا خيرا . ولقد ذكروا رجلا ما علمت
عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلى إلا معى فقام سعد بن معاذ الانصارى
* (
هامش ) * ( 1 ) أى لا ينقطع .
( 2 )
أى أعيبه
( 3 )
أى من يقوم بعذرى إن كافأته على سوء صنيعه . ( * )
ـ 88 ـ
فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الاوس ضربت عنقه وإن كان من
إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيد
الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت
لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عمر سعد بن
معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن
المنافقين فتثاور الحيان الاوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله
عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى
سكتوا وسكت قالت فمكثت يومى ذلك لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح
أبواى عندى وقد بسكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لى دمع يظنان
؟ ؟ ؟ البكاء فالق كبدى قالت فبينما هما جالسان عندى وأنا أبكى فاستأذنت
على امرأة من الانصار فأذنت لها فجلست تبكى معى قالت فبينما نحن على ذلك
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندى
منذ قيل لى ما قيل قبلها ولقد لبث شهرا لا يوحى اليه في شأنى قالت فتشهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه قد بلغنى عنك كذا
وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله
وتوبى اليه فان العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه قالت فلما
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة
فقلت لابى أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدرى ما أقول
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامى أجيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فقلت وأنا جارية
حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث
حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إنى بريئة والله يعلم أنى بريئة
ـ 89 ـ
لا تصدقونى بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنى منه بريئة لتصدقونى ،
والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبى يوسف قال فصبر جميل والله المستعان على
ما تصفون قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشى قالت وأنا حينئذ أعلم أنى بريئة
وأن الله مبرئى ببراءتى ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأنى وحيا
يتلى ولشأنى في نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن كنت
أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئنى الله بها قالت فوالله
مارام ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله
عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ( 2 ) حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في
يوم شات من ثقل القول الذى ينزل عليه قالت فلما سرى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سرى عنه وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها يا عائشة أما الله
فقد برأك فقالت أمى قومى اليه قالت فقلت والله لا أقوم اليه ولا أحمد إلا الله .
وأنزل الله ( إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم ) العشر الآيات كلها فلما أنزل الله
هذا في براءتى قال أبوبكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه
وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذى قال لعائشة ما قال فأنزل الله
(
ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين و المهاجرين في
سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) قال
أبوبكر بلى والله إنى لاحب أن يغفر الله لى فرجع إلى مسطح النفقة التى كان ينفق
عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل
زينب ابنة جحش عن أمرى قال يا زينب ماذا علمت أرأيت فقالت يا رسول
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : مابرح .
( 2 )
البرحاء في أصل معناها : شدة الحمى وشدة الكرب . ( * )
ـ 90 ـ
الله أحمى سمعى وبصرى ما علمت إلا خيرا قالت وهى التى كانت تسامينى من
أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت
فيمن هلك من أصحاب الافك . قال البخارى ثنا محمد بن كثير قال أنا سليمان
عن حصين عن أبى وائل عن مسروق عن أبى مروان عن أم رومان أم عائشة
أنها قالت لما رميت عائشة خرت مغشيا عليها . ( 1 )
* (
هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ 91 ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بخبر بنى المصطلق وحديث الافك ـ
............................................................................
-
عيون الاثر مجلد: 2 من ص 91 سطر 1 الى ص 99 سطر 17
ـ ذكر فوائد تتعلق بخبر بنى المصطلق وحديث الافك ـ
المصطلق هو جزيمة بن كعب من خزاعة . والمر يسيع ماء لهم . وجهجاه بن
مسعود وقال أبوعمر جهجاه بن سعد بن حرام هو صاحب حديث " المؤمن يأكل
في معى واحد " وقيل إن ذلك قيل في غيره وقال الطبرى المحدثون يزيدون فيه
الهاء والصواب جهجا دون هاء وجهجاه هذا هو الذى جاء وعثمان رضى الله عنه
يخطب وبيده عصا النبى صلى الله عليه وسلم فأخذها وكسرها على ركبته اليمنى فدخلت
فيها شظية منها فبقى الجرح وأصابته الاكلة وشدت العصا وكانت مضببة ذكره
ابن سلمة التجيبى في تاريخه . وسنان بن وبر باسكان الباء عند بعضهم الاموى
وقال أبوعمر سنان بن تيم ويقال ابن وبر وفى كتاب ابن شبة سنان بن أبير .
وحكى الاموى عن ابن اسحق سنان بن عمرو ويقال ابن وبرة . ومتن بالناس قال
صاحب العين ساروا سيرا ممانا أى بعيدا . وفى حديث الافك ذكر صفوان بن
المعطل قال السهيلى وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من المتاع ولذلك
نحلف في هذا الحديث وقد روى أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل
الناس ويشهد لذلك حديث أبى داود أن امرأة صفوان اشتكت به إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكرت أشياء منها أنه لا يصلى الصبح فقال صفوان يا رسول
الله إنى امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له النبى صلى الله عليه وسلم
إذا استيقظت فصل . وقتل صفوان شهيدا في خلافة معاوية واندقت رجله يوم قتل
فطاعن بها وهى منكسرة حتى مات . وجذع ظفار قال يعقوب مدينة باليمن وقد
ـ 92 ـ
وقع جذع طعارى وهو أيضا صحيح . وأم رومان زينب بنت عامر بن عو يمر
ابن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحرث بن غنم كذا قال
مصعب ، وغيره يخالفه وقد وقع في الصحيح رواية مسروق عنها بصيغة العنعنة
وغيرها ولم يدركها ، وملخص ما أجاب به أبوبكر الخطيب أن مسروقا يمكن أن
يكون قال سئلت أم رومان فأثبت الكاتب صورة الهمزة ألفا فتصحفت على من
بعده بسألت ثم نقلت إلى صيغة الاخبار بالمعنى في طريق وبقيت على صورتها
في آخر ومخرجها التصحيف المذكور . ومسطح لقب واسمه عوف بن أثاثة بن عباد بن
المطلب بن عبد مناف . ذكر الاموى عن أبيه عن ابن اسحق قال قال أبوبكر لمسطح
يا عوف ويحك هلا قلت عارفة * من الكلام ولم تتبع به طمعا
وأدركتك حميا معشر أنف * ولم تسكن قاطعا يا عوف منقطعا
فأنزل الله وحيا في براءتها * وبين عوف وبين الله ما صنعا
فان أعش أجز عوفا عن مقالته * شر الجزاء إذا ألفيته تبعا
قال أبوعمر أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالذين رموا عائشة بالافك حين نزل القرآن ببراءتها
فجلدوا الحد ثمانين فيما ذكر أهل السير والعلم والخبر . ووقع في هذا الحديث
فقام سعد بن معاذ الانصارى فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه ووقع عند أبن إسحق
في هذا الخبر بدل سعد بن معاذ أسيد بن حضير فمن الناس من يرى أن ذكر سعد
في هذا الخبر وهم لان سعدا مات عند انقضاء أمر بنى قريظة ويرى أن الصواب
ما ذكره ابن إسحق من ذكر أسيد بن حضير . ولو اتفق أهل المغازى على أن وقعة
الخندق وبنى قريظة متقدمة على غزوة بنى المصطلق لكان الوهم لازما لمن رآه
كذلك ولكن هم مختلفون في ترتيب هذه المغازى كما سبق في هذه وغيرها . ورأيت
ـ 93 ـ
عن الحاكم أبى عبدالله أن سبب هذا الخلاف إنما هو لا ختلاف في التاريخ
هل هو لمقدم النبى صلى الله عليه وسلم في ربع الاول كما هو عند قوم أو للعام الذى
قدم فيه كما هو عند آخرين وذلك لا يتم لامرين أحدهما أن تلك المدة التى وقع
الاختلاف فيها إنما هى نحو ثلاثة أشهر وهى من أول العام إلى ربيع الاول وزمن
الخلاف أوسع من ذلك فهذه الغزوة عند ابن عقبة في سنة أربع . وعند غيره في
شعبان سنة ست . الثانى أنها مختلفة الترتيب عندهم في تقديم بعضها على بعض
فهذه عند ابن سعد وجماعة قبل الخندق وعند ابن اسحق وآخرين بعدها وذلك
غير الاول وأما ابن سعد فانه يؤرخ هذه الوقائع بالاشهر لا بالسنين .
وفى هذه الغزوة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن العزل أخبرنا أ بوعبدالله بن عبدالمؤمن
بقراءة الحافظ أبى الحجاج المزى عليه وأنا أسمع بمرج دمشق قال له أخبركم
المؤيد بن الاخوة إجازة من أصبهان فأقر به قال أنا زاهر بن طاهر الشحامى
قال أنا أبوسعد الكنجروذى قال أنا أبوطاهر محمد بن الفضل قال أنا جدى
أبوبكر محمد بن إسحق بن خزيمة فثنا على هو ابن حجر فثنا إسماعيل هو ابن
جعفر فثنا ربيعة هو ابن أبى عبدالرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ
عن ابن محير يزأنه قال : دخلت أنا وأبوصرمة على أبى سعيد الخدرى فسأله أبو
صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل ؟ فقال نعم
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بنى المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا
العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم
بين أظهرنا لانسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم أن لا تفعلوا
ما كتب الله خلق نسمة هى كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون . قال ابن سعد وفيها
سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه فنزلت آية التيم . فقال أسيد بن الحضير
ـ 94 ـ
ماهى بأول بركتكم يا آل أبى بكر . قرأت على أبى الفتح الشيبانى بدمشق أخبركم
الخضر بن كامل قراءة عليه وأنتم تسمعون قال أنا أبوالدر ياقوت بن عبدالله
الرومى سماعا " ح " قال الشيبانى وأنا أبواليمن الكندى إجازة إن لم يكن سماعا
قال أنا ابن البيضاوى قالا أنا أبومحمد بن هزار مرو قال أنا المخلص فثنا البغوى
فثنا مصعب بن عبدالله الزبيرى قال حدثنى مالك عن عبدالرحمن بن القسم عن
أبيه عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره
حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدى فأقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فجاء
أبوبكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذى قد نام فقال حبست رسول الله
صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبنى أبوبكر وقال
ماشاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتى فلا يمنعنى من التحرك إلامكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذى فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح
على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء
ما هذا بأول بركتكم يا آل أبى بكر قالت فبعثنا البعير الذى كنت عليه فوجدنا
العقد تحته . قال البغوى هذا معنى لفظ الحديث . وروى الطبرى في معجمه من حديث
محمد بن إسحق عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت
لما كان من أمر عقدى ما كان قال أهل الانك ما قالوا فخرجت مع النبى صلى
الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدى حتى حبس التماسه الناس وطلع
الفجر فلقيت من أبى بكر ماشاء الله وقال لى يابنية في كل سفرة تكونين عناء
وبلاء وليس مع الناس ماء فأنزل الله الرخصة بالتيمم فقال أبوبكر والله يا بنية
إنك لما علمت مباركة . فهذه الرواية تقتضى أن الواقعتين كانتا في غزوتين والله أعلم
ـ 95 ـ
ـ سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ـ
قال ابن سعد بعد ذكر غزوة الغابة وهى غزوة ذى قرد : ثم سرية عكاشة بن
محصن الاسدى إلى الغمر غمر مرزوق مفتوح الغين المعجمة ساكن الميم بعدها راء
مهملة . وهو ماء لبنى أسد . وكانت في شهر ربيع الاول سنة ست . قالوا وجه رسول الله
صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلا قال الواقدى فيما
حكاه عنه الحاكم أ بوعبدالله فيهم ثابت بن أقرم وسباع بن وهب فخرج سربعا
يغذ ( 1 ) السير ونذر به القوم فهربوا فنزلوا عليا بلادهم ووجد ديار هم ؟ ؟ ؟ ( 2 ) فبعث
شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربئة ( 3 ) لهم فأموه فدلهم
على نعم لبنى عم له فأغاروا عليها فاستاقوا مئتى بعير فأرسلوا الرجل وحدروا النعم
إلى المدينة وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا . وقال ابن
عائذ أمير هم ثابت بن أقرم ومعه عكاشة بن محصن الاسدى حليف بنى أمية
ابن عبد شمس ولقيط بن أعصم حليف بنى عمرو بن عوف ثم من بنى معاوية
ابن مالك من بلى فأصيب فيها ثابت . كذا وجدت عن الحاكم سباع بن وهب ولعله
شجاع بن وهب الذى يأتى ذكره بعد ذلك .
* (
هامش ) * ( 1 ) أى : يسرع .
( 2 )
أى : أهلها غائبون .
( 3 )
أى : طليعة . ( * )
ـ 96 ـ
ـ سرية محمد بن مسلمة إلى ذى القصة ـ
بفتح القاف والصاد المهملة
قال ابن سعد في ربيع الآخر سنة ست قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم محمد بن مسلمة إلى بنى ثعلبة وبنى عوال وهم بذى القصة وبينها وبين
المدينة أربعة وعشرون ميلا طريق الربذة في عشرة نفر فوردوا عليهم ليلا فأحدق
يهم القوم وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الاعراب عليهم بالرماح
فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضرب كعبه فلا يتحرك وجردوه من الثياب
ومر بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين فمله حتى ورد به المدينة فبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا
ووجدوا نعما وشاء فساقه ورجع . وذكر الحاكم عن الواقدى نحوه في كتاب الاكليل .
ـ 97 ـ
ـ سرية أبى عبيدة بن الجراح ـ
إلى ذى القصة
ثم سرية أبى عبيدة بن الجراح إلى ذى القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست
قالوا أجدبت بلاد بنى ثعلبة وأنمار ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين ( 1 ) والمراض
على ستة وثلاثين ميلا من المدينة . فسارت بنو محارب وثعلبة وأنمار إلى تلك
السحابة وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة وهى ترعى بهيفاء موضع على سبعة
أميال من المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في
أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا المغرب فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة
مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال فأصاب رجلا واحدا
فأسلم وتركه فأخذ نعما من نعمهم فاستاقه ورثة ( 2 ) من متاعهم وقدم بذلك المدينة
فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقى عليهم . وقال ابن عائذ أنا الوليد بن مسلم
عن عبدالله بن لهيعة عن أبى الاسود عن عروة قال ثم بعث أبا عبيدة بن الجراح
إلى ذى القصة من طريق العراق . ورأيته مقيدا بالصاد المهملة والمعجمة معا
* (
هامش ) * ( 1 ) بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم .
( 2 )
بكسر الراء وفتح الثاء المشددة وهو السقط من متاع البيت . ( * )
ـ 98 ـ
ـ سرية زيد بن حارثة رضى الله عنه إلى بنى سليم ـ
بالجموم بفتح الجيم
ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب . قال وبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم زيد بن حارثة في غزوة الجموم فأصاب زيد نعما وشاء وأسر جماعة من المشركين
وقال ابن سعد هى في شهر ربيع الآخر سنة ست . قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم زيد بن حارثة إلى بنى سليم فسار حتى ورد الجموم - ناحية بطن تخل عن
يسارها وبطن نخل من المدينة على أربعة برد - فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال
لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بنى سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء
وأسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية . فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب
رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها فقال بلال بن الحرث المزنى في ذلك :
لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت * حليمة حتى راح ركبهما معا
ـ 99 ـ
ـ سرية زيد بن حارثة إلى العيص ـ
قال ابن سعد ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص - وبينها وبين المدينة أربع
ليال وبينها وبين ذى المروة ليلة - في جمادى الاولى سنة ست قالوا لما بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام بعث زيد بن حارثة
في سبعين ومائة راكب معترضا لها . فأخذوها وما فيها ، وأخذوا يومئذ فضة
كثيرة لصفوان بن أمية ، وأسروا ناسا ممن كان في العير منهم أبوالعاص بن الربيع
وقدم بهم المدينة فاستجار أبوالعاص بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته
ونادت في الناس حين صلى رسول الله عليه وسلم الفجر : إنى قد أجرت
أبا العاص . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت بشئ من هذا وقد أجرنا
من أجرت ورد عليه ما أخذ منه .
ـ سرية زيد بن حارثة إلى الطرف ـ
ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف . وهو ماء قريب من المراض دون النخيل
على ستة وثلاثين ميلا من المدينة . فخرج إلى بنى ثعلبة في خمسة عشر رجلا فأصاب
نعما وشاء وهربت الاعراب . وصبح زيد بالنغم المدينة وهى عشرون بعيرا ولم
يلق كيدا وغاب أربع ؟ ؟ ؟ ، وكان شعار هم أمت أمت . وقال الواقدى فيما ذكر عنه
الحاكم وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم .
========

 

 =============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الي بلوجر

الي بلوجر في أي شريعة تهدر حقي كمدون بحذفك من مدونات {12} صفحة وبأي حق تسلك هذا المسلك في كل مدوناتي   كف عن ذلك وخاف من الله العلي القد...