الي بلوجر

الي بلوجر في أي شريعة تهدر حقي كمدون بحذفك من مدونات {12} صفحة وبأي حق تسلك هذا المسلك في كل مدوناتي  كف عن ذلك وخاف من الله العلي القدير  وكفي اهدار لجهودي بغير وجه حق// To blogger, in what law do you waste my right as a blogger by deleting you from the blogs of {12} pages, and by what right do you take this path in all my blogs?

الجمعة، 25 مارس 2022

26.تفسير ابن كثير/سورة الشعراء

تفسير ابن كثير/سورة الشعراء

طسم (1)

طسم

سُورَة الشُّعَرَاء : " وَوَقَعَ فِي تَفْسِير مَالِك الْمَرْوِيّ عَنْهُ تَسْمِيَتهَا سُورَة الْجَامِعَة " قَدْ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة الَّتِي فِي أَوَائِل السُّوَر فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ فَرَدُّوا عِلْمهَا إِلَى اللَّه وَلَمْ يُفَسِّرهَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَهُ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالرَّبِيع بْن خَيْثَم وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم بْن حِبَّان . وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي مَعْنَاهَا فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاء السُّوَر . قَالَ الْعَلَّامَة أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بْن عُمَر الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره وَعَلَيْهِ إِطْبَاق الْأَكْثَر وَنُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَيُعْتَضَد لِهَذَا بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْجُمْعَة " الم " السَّجْدَة وَ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان " وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : الم وَ " حم " وَ" المص " وَ " ص " فَوَاتِح اِفْتَتَحَ اللَّه بِهَا الْقُرْآن وَكَذَا قَالَ غَيْره عَنْ مُجَاهِد وَقَالَ مُجَاهِد فِي رِوَايَة أَبِي حُذَيْفَة مُوسَى بْن مَسْعُود عَنْ شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الم اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَزَيْد بْن أَسْلَم وَلَعَلَّ هَذَا يَرْجِع إِلَى مَعْنَى قَوْل عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء السُّوَر فَإِنَّ كُلّ سُورَة يُطْلَق عَلَيْهَا اِسْم الْقُرْآن فَإِنَّهُ يَبْعُد أَنْ يَكُون المص اِسْمًا لِلْقُرْآنِ كُلّه لِأَنَّ الْمُتَبَادِر إِلَى فَهْم سَامِع مَنْ يَقُول قَرَأْت المص إِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ سُورَة الْأَعْرَاف لَا لِمَجْمُوعِ الْقُرْآن وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ هِيَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى فَقَالَ عَنْهَا فِي فَوَاتِح السُّوَر مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَالَ سَالِم بْن عَبْد اللَّه وَإِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن السُّدِّيّ الْكَبِير وَقَالَ شُعْبَة عَنْ السُّدِّيّ بَلَغَنِي أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ الم اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه الْأَعْظَم . هَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث شُعْبَة وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ بُنْدَار عَنْ اِبْن مَهْدِيّ عَنْ شُعْبَة قَالَ سَأَلْت السُّدِّيّ عَنْ حم وَ " طس " وَ " الم " فَقَالَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم وَقَالَ اِبْن جَرِير وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَان حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فَذَكَرَ نَحْوه. وَحُكِيَ مِثْله عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن جَرِير مِنْ حَدِيث اِبْن عُلَيَّة عَنْ خَالِد الْحَذَّاء عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ الم قَسَم .

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ حَدِيث شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس : الم قَالَ أَنَا اللَّه أَعْلَم وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الم قَالَ أَمَّا الم فَهِيَ حُرُوف اُسْتُفْتِحَتْ مِنْ حُرُوف هِجَاء أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى . قَالَ وَأَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله تَعَالَى الم قَالَ هَذِهِ الْأَحْرُف الثَّلَاثَة مِنْ التِّسْعَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا دَارَتْ فِيهَا الْأَلْسُن كُلّهَا لَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاح اِسْم مِنْ أَسْمَائِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مِنْ آلَائِهِ وَبِلَأْلَائِهِ لَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ فِي مُدَّة أَقْوَام وَآجَالهمْ . قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَعَجِبَ : فَقَالَ أَعْجَب أَنَّهُمْ يَظُنُّونَ بِأَسْمَائِهِ وَيَعِيشُونَ فِي رِزْقه فَكَيْف يَكْفُرُونَ بِهِ فَالْأَلِف مِفْتَاح اللَّه وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد فَالْأَلِف آلَاء اللَّه وَاللَّام لُطْف اللَّه وَالْمِيم مَجْد اللَّه وَالْأَلِف سَنَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ سَنَة وَالْمِيم أَرْبَعُونَ سَنَة . هَذَا لَفْظ اِبْن أَبِي حَاتِم وَنَحْوه رَوَاهُ اِبْن جَرِير ثُمَّ شَرَعَ يُوَجِّه كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال وَيُوَفِّق بَيْنهَا وَأَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَيْن كُلّ وَاحِد مِنْهَا وَبَيْن الْآخَر وَأَنَّ الْجَمْع مُمْكِن فَهِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ وَمِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى يُفْتَتَح بِهَا السُّوَر فَكُلّ حَرْف مِنْهَا دَلَّ عَلَى اِسْم مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَة مِنْ صِفَاته كَمَا اِفْتَتَحَ سُوَرًا كَثِيرَة بِتَحْمِيدِهِ وَتَسْبِيحه وَتَعْظِيمه قَالَ وَلَا مَانِع مِنْ دَلَالَة الْحَرْف مِنْهَا عَلَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه وَعَلَى صِفَة مِنْ صِفَاته وَعَلَى مُدَّة وَغَيْر ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة لِأَنَّ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة تُطْلَق عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة كَلَفْظَةِ الْأُمَّة فَإِنَّهَا تُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الدِّين كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة " وَتُطْلَق وَيُرَاد بِهَا الرَّجُل الْمُطِيع لِلَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " وَتُطْلَق وَيُرَاد بِهَا الْجَمَاعَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّة مِنْ النَّاس يَسْقُونَ" وَقَوْله تَعَالَى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا" وَتُطْلَق وَيُرَاد بِهَا الْحِين مِنْ الدَّهْر كَقَوْلِهِ تَعَالَى" وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْد أُمَّة " أَيْ بَعْد حِين عَلَى أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فَكَذَلِكَ هَذَا .

هَذَا حَاصِل كَلَامه مُوَجَّهًا وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْعَالِيَة فَإِنَّ أَبَا الْعَالِيَة زَعَمَ أَنَّ الْحَرْف دَلَّ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا مَعًا وَلَفْظَة الْأُمَّة وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأَلْفَاظ الْمُشْتَرَكَة فِي الِاصْطِلَاح إِنَّمَا دَلَّ فِي الْقُرْآن فِي كُلّ مَوْطِن عَلَى مَعْنًى وَاحِد دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام فَأَمَّا حَمْله عَلَى مَجْمُوع مَحَامِله إِذَا أَمْكَنَ فَمَسْأَلَة مُخْتَلَف فِيهَا بَيْن عُلَمَاء الْأُصُول لَيْسَ هَذَا مَوْضِع الْبَحْث فِيهَا وَاَللَّه أَعْلَم . ثُمَّ إِنَّ لَفْظَة الْأُمَّة تَدُلّ عَلَى كُلّ مِنْ مَعَانِيهَا فِي سِيَاق الْكَلَام بِدَلَالَةِ الْوَضْع فَأَمَّا دَلَالَة الْحَرْف الْوَاحِد عَلَى اِسْم يُمْكِن أَنْ يَدُلّ عَلَى اِسْم آخَر مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون أَحَدهمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَر فِي التَّقْدِير أَوْ الْإِضْمَار بِوَضْعٍ وَلَا بِغَيْرِهِ فَهَذَا مِمَّا لَا يُفْهَم إِلَّا بِتَوْقِيفٍ وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلَف فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا إِجْمَاع حَتَّى يُحْكَم بِهِ وَمَا أَنْشَدُوهُ مِنْ الشَّوَاهِد عَلَى صِحَّة إِطْلَاق الْحَرْف الْوَاحِد عَلَى بَقِيَّة الْكَلِمَة فَإِنَّ فِي السِّيَاق مَا يَدُلّ عَلَى مَا حُذِفَ بِخِلَافِ هَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قُلْنَا قِفِي لَنَا فَقَالَتْ قَاف ... لَا تَحْسَبِي أَنَّا نَسِينَا الْإِيجَاف تَعْنِي وَقَفْت . وَقَالَ الْآخَر : مَا لِلظَّلِيمِ عَالٍ كَيْف لَا يَ ... يُنْقَد عَنْهُ جِلْده إِذَا يَ فَقَالَ اِبْن جَرِير كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُول إِذَا يَفْعَل كَذَا وَكَذَا فَاكْتَفَى بِالْيَاءِ مِنْ يَفْعَل وَقَالَ الْآخَر : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا ... وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَ يَقُول وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَشَاء فَاكْتَفَى بِالْفَاءِ وَالتَّاء مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ عَنْ بَقِيَّتهمَا وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِر مِنْ سِيَاق الْكَلَام وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَفِي الْحَدِيث " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة " الْحَدِيث قَالَ سُفْيَان هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ " اُقْ " وَقَالَ خُصَيْف عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ فَوَاتِح السُّوَر كُلّهَا " ق " وَ " ص " وَ " حم " وَ " طسم" وَ " الر " وَغَيْر ذَلِكَ هِجَاء مَوْضُوع وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة هِيَ حُرُوف مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا فِي أَوَائِل السُّوَر عَنْ ذِكْر بِوَاقِيهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا كَمَا يَقُول الْقَائِل اِبْنِي يَكْتُب فِي - ا ب ت ث - أَيْ فِي حُرُوف الْمُعْجَم الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ فَيَسْتَغْنِي بِذِكْرِ بَعْضهَا عَنْ مَجْمُوعهَا حَكَاهُ اِبْن جَرِير . قُلْت مَجْمُوع الْحُرُوف الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل السُّوَر بِحَذْفِ الْمُكَرَّر مِنْهَا أَرْبَعَة عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ - ال م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن - يَجْمَعهَا قَوْلك : نَصٌّ حَكِيمٌ قَاطِعٌ لَهُ سِرٌّ . وَهِيَ نِصْف الْحُرُوف عَدَدًا وَالْمَذْكُور مِنْهَا أَشْرَف مِنْ الْمَتْرُوك , وَبَيَان ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَة التَّصْرِيف.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَهَذِهِ الْحُرُوف الْأَرْبَعَة عَشَرَ مُشْتَمِلَة عَلَى أَصْنَاف أَجْنَاس الْحُرُوف يَعْنِي مِنْ الْمَهْمُوسَة وَالْمَجْهُورَة وَمِنْ الرَّخْوَة وَالشَّدِيدَة وَمِنْ الْمُطْبَقَة وَالْمَفْتُوحَة وَمِنْ الْمُسْتَعْلِيَة وَالْمُنْخَفِضَة وَمِنْ حُرُوف الْقَلْقَلَة. وَقَدْ سَرَدَهَا مُفَصَّلَة ثُمَّ قَالَ : فَسُبْحَانَ الَّذِي دَقَّتْ فِي كُلّ شَيْء حِكْمَته . وَهَذِهِ الْأَجْنَاس الْمَعْدُودَة مَكْثُورَة بِالْمَذْكُورَةِ مِنْهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُعْظَم الشَّيْء وَجُلَّهُ يَنْزِل مَنْزِلَة كُلّه وَهَهُنَا هَهُنَا لَخَصَّ بَعْضهمْ فِي هَذَا الْمَقَام كَلَامًا فَقَالَ : لَا شَكّ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوف لَمْ يَنْزِلهَا سُبْحَانه وَتَعَالَى عَبَثًا وَلَا سُدًى وَمَنْ قَالَ مِنْ الْجَهَلَة إِنَّ فِي الْقُرْآن مَا هُوَ تَعَبُّد لَا مَعْنَى لَهُ بِالْكَلِمَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأ كَبِيرًا فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَهَا مَعْنًى فِي نَفْس الْأَمْر فَإِنْ صَحَّ لَنَا فِيهَا عَنْ الْمَعْصُوم شَيْء قُلْنَا بِهِ وَإِلَّا وَقَفْنَا حَيْثُ وَقَفْنَا وَقُلْنَا " آمَنَا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْد رَبِّنَا " وَلَمْ يُجْمِع الْعُلَمَاء فِيهَا عَلَى شَيْء مُعَيَّن وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فَمَنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْض الْأَقْوَال بِدَلِيلٍ فَعَلَيْهِ اِتِّبَاعه وَإِلَّا فَالْوَقْف حَتَّى يَتَبَيَّن هَذَا الْمَقَام . الْمَقَام الْآخَر فِي الْحِكْمَة الَّتِي اِقْتَضَتْ إِيرَاد هَذِهِ الْحُرُوف فِي أَوَائِل السُّوَر مَا هِيَ مَعَ قَطْع النَّظَر عَنْ مَعَانِيهَا فِي أَنْفُسهَا فَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّمَا ذُكِرَتْ لِيُعْرَفَ بِهَا أَوَائِل السُّوَر حَكَاهُ اِبْن جَرِير وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّ الْفَصْل حَاصِل بِدُونِهَا فِيمَا لَمْ تُذْكَر فِيهِ وَفِيمَا ذُكِرَتْ فِيهِ الْبَسْمَلَة تِلَاوَة وَكِتَابَة وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ اُبْتُدِئَ بِهَا لِتُفْتَح لِاسْتِمَاعِهَا أَسْمَاع الْمُشْرِكِينَ إِذْ تَوَاصَوْا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآن حَتَّى إِذَا اِسْتَمَعُوا لَهُ تَلَا عَلَيْهِمْ الْمُؤَلَّف مِنْهُ حَكَاهُ اِبْن جَرِير أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيف أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّوَر لَا يَكُون فِي بَعْضهَا بَلْ غَالِبهَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَانْبَغَى الِابْتِدَاء بِهَا فِي أَوَائِل الْكَلَام مَعَهُمْ سَوَاء كَانَ اِفْتِتَاح سُورَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ السُّورَة وَاَلَّتِي تَلِيهَا أَعْنِي الْبَقَرَة وَآلَ عِمْرَان مَدَنِيَّتَانِ لَيْسَتَا خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ فَانْتَقَضَ مَا ذَكَرُوهُ بِهَذِهِ الْوُجُوه . وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ إِنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْحُرُوف فِي أَوَائِل السُّوَر الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا بَيَانًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآن وَأَنَّ الْخَلْق عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَته بِمِثْلِهِ هَذَا مَعَ أَنَّهُ مُرَكَّب مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا وَقَدْ حَكَى هَذَا الْمَذْهَب الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ الْمُبَرِّد وَجَمْع مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَحَكَى الْقُرْطُبِيّ عَنْ الْفَرَّاء وَقُطْرُب نَحْو هَذَا وَقَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي كَشَّافه وَنَصَرَهُ أَتَمَّ نَصْر وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخ الْإِمَام الْعَلَّامَة أَبُو الْعَبَّاس اِبْن تَيْمِيَّة وَشَيْخنَا الْحَافِظ الْمُجْتَهِد أَبُو الْحَجَّاج الْمِزِّيّ وَحَكَاهُ لِي عَنْ اِبْن تَيْمِيَّة .

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلَمْ تَرِد كُلّهَا مَجْمُوعَة فِي أَوَّل الْقُرْآن وَإِنَّمَا كُرِّرَتْ لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي التَّحَدِّي وَالتَّبْكِيت كَمَا كُرِّرَتْ قِصَص كَثِيرَة وَكُرِّرَ التَّحَدِّي بِالصَّرِيحِ فِي أَمَاكِن قَالَ وَجَاءَ مِنْهَا عَلَى حَرْف وَاحِد كَقَوْلِهِ - ص ن ق - وَحَرْفَيْنِ مِثْل" حم " وَثَلَاثَة مِثْل " الم " وَأَرْبَعَة مِثْل " المر " وَ " المص" وَخَمْسَة مِثْل " كهيعص - وَ - حم عسق " لِأَنَّ أَسَالِيب كَلَامهمْ عَلَى هَذَا مِنْ الْكَلِمَات مَا هُوَ عَلَى حَرْف وَعَلَى حَرْفَيْنِ وَعَلَى ثَلَاثَة وَعَلَى أَرْبَعَة وَعَلَى خَمْسَة لَا أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ " قُلْت " وَلِهَذَا كُلّ سُورَة اُفْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ فَلَا بُدّ أَنْ يُذْكَر فِيهَا الِانْتِصَار لِلْقُرْآنِ وَبَيَان إِعْجَازه وَعَظَمَته وَهَذَا مَعْلُوم بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهُوَ الْوَاقِع فِي تِسْع وَعِشْرِينَ سُورَة وَلِهَذَا يَقُول تَعَالَى " الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ " " الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ" " المص كِتَاب أُنْزِلَ إِلَيْك فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ" " الر كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاس مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِ رَبّهمْ " " الم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ " " حم تَنْزِيل مِنْ الرَّحْمَن الرَّحِيم" " حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى صِحَّة مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَر وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا دَالَّة عَلَى مَعْرِفَة الْمُدَد وَأَنَّهُ يُسْتَخْرَج مِنْ ذَلِكَ أَوْقَات الْحَوَادِث وَالْفِتَن وَالْمَلَاحِم فَقَدْ اِدَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَطَارَ فِي غَيْر مَطَاره وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيث ضَعِيف وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَدَلّ عَلَى بُطْلَان هَذَا الْمَسْلَك مِنْ التَّمَسُّك بِهِ عَلَى صِحَّته وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار صَاحِب الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رَبَاب قَالَ مَرَّ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَب فِي رِجَال مِنْ يَهُود بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة " الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ " فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي رِجَال مِنْ الْيَهُود فَقَالَ تَعْلَمُونَ وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ " الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ " فَقَالَ أَنْتَ سَمِعْته قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَشَى حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ الْيَهُود إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا مُحَمَّد أَلَمْ يُذْكَر أَنَّك تَتْلُو فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك " الم ذَلِكَ الْكِتَاب" ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَلَى" فَقَالُوا جَاءَك بِهَذَا جِبْرِيل مِنْ عِنْد اللَّه ؟ فَقَالَ " نَعَمْ " قَالُوا لَقَدْ بَعَثَ اللَّه قَبْلَك أَنْبِيَاء مَا نَعْلَمهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّة مُلْكه وَمَا أَجَل أُمَّته غَيْرك.

فَقَامَ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِين نَبِيّ إِنَّمَا مُدَّة مُلْكه وَأَجَل أُمَّته إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة ؟ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّد هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره فَقَالَ " نَعَمْ " قَالَ مَا ذَاكَ ؟ قَالَ " المص " قَالَ هَذَا أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِد وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ وَالصَّاد تِسْعُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَة سَنَة . هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ " نَعَمْ " قَالَ مَا ذَاكَ ؟ قَالَ " الر " قَالَ هَذَا أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالرَّاء مِائَتَانِ فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سَنَة. فَهَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ " نَعَمْ " قَالَ مَاذَا قَالَ " المر " قَالَ هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ وَالرَّاء مِائَتَانِ فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ لُبِّسَ عَلَيْنَا أَمْرك يَا مُحَمَّد حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا. ثُمَّ قَالَ قُومُوا عَنْهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يَاسِر لِأَخِيهِ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَار مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا لِمُحَمَّدٍ كُلّه إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ فَذَلِكَ سَبْعمِائَةِ وَأَرْبَع سِنِينَ ؟ فَقَالُوا لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْره فَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات نَزَلَتْ فِيهِمْ " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات" فَهَذَا الْحَدِيث مَدَاره عَلَى مُحَمَّد بْن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجّ بِمَا اِنْفَرَدَ بِهِ ثُمَّ كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْمَسْلَك إِنْ كَانَ صَحِيحًا أَنْ يُحْسَب مَا لِكُلِّ حَرْف مِنْ الْحُرُوف الْأَرْبَعَة عَشَرَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَذَلِكَ يَبْلُغ مِنْهُ جُمْلَة كَثِيرَة وَإِنْ حُسِبَتْ مَعَ التَّكَرُّر فَأَطَمّ وَأَعْظَم وَاَللَّه أَعْلَم .

تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)

تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

وَقَوْله تَعَالَى " تِلْكَ آيَات الْكِتَاب الْمُبِين " أَيْ هَذِهِ آيَات الْقُرْآن الْمُبِين أَيْ الْبَيِّن الْوَاضِح الْجَلِيّ الَّذِي يَفْصِل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَالْغَيّ وَالرَّشَاد .

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

وَقَوْله تَعَالَى " لَعَلَّك بَاخِع " أَيْ مُهْلِك " نَفْسك " أَيْ مِمَّا تَحْرِص وَتَحْزَن عَلَيْهِمْ " أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " وَهَذِهِ تَسْلِيَة مِنْ اللَّه لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَم إِيمَان مَنْ لَمْ يُؤْمِن بِهِ مِنْ الْكُفَّار كَمَا قَالَ تَعَالَى" فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات " كَقَوْلِهِ " فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ " الْآيَة قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَعَطِيَّة وَالضَّحَّاك وَالْحَسَن وَغَيْرهمْ " لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك " أَيْ قَاتِل نَفْسك قَالَ الشَّاعِر : أَلَا أَيُّهَذَا الْبَاخِع الْحُزْن نَفْسه ... لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِر

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ " أَيْ لَوْ نَشَاء لَأَنْزَلْنَا آيَة تَضْطَرّهُمْ إِلَى الْإِيمَان قَهْرًا وَلَكِنْ لَا نَفْعَل ذَلِكَ لِأَنَّا لَا نُرِيد مِنْ أَحَد إِلَّا الْإِيمَان الِاخْتِيَارِيّ وَقَالَ تَعَالَى " وَلَوْ شَاءَ رَبّك لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْض كُلّهمْ جَمِيعًا أَفَأَنْت تُكْرِه النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَوْ شَاءَ رَبّك لَجَعَلَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة " الْآيَة فَنَفَذَ قَدَره وَمَضَتْ حِكْمَته وَقَامَتْ حُجَّته الْبَالِغَة عَلَى خَلْقه بِإِرْسَالِ الرُّسُل إِلَيْهِمْ وَإِنْزَال الْكُتُب عَلَيْهِمْ .

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ الرَّحْمَن مُحْدَث إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ " أَيْ كُلَّمَا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ السَّمَاء أَعْرَضَ عَنْهُ أَكْثَر النَّاس كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " وَقَالَ تَعَالَى " ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّة رَسُولهَا كَذَّبُوهُ " الْآيَة .

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَهُنَا " فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " أَيْ فَقَدْ كَذَّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ الْحَقّ فَسَيَعْلَمُونَ نَبَأ هَذَا التَّكْذِيب بَعْد حِين .

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ

" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ" ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى عَظَمَة سُلْطَانه وَجَلَالَة قَدْره وَشَأْنه الَّذِي اِجْتَرَءُوا عَلَى مُخَالَفَة رَسُوله وَتَكْذِيب كِتَابه وَهُوَ الْقَاهِر الْعَظِيم الْقَادِر الَّذِي خَلَقَ الْأَرْض وَأَنْبَتَ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم مِنْ زُرُوع وَثِمَار وَحَيَوَان قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ رَجُل عَنْ الشَّعْبِيّ : النَّاس مِنْ نَبَات الْأَرْض فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّة فَهُوَ كَرِيم وَمَنْ دَخَلَ النَّار فَهُوَ لَئِيم .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة " أَيْ دَلَالَة عَلَى قُدْرَة الْخَالِق لِلْأَشْيَاءِ الَّذِي بَسَطَ الْأَرْض وَرَفَعَ بِنَاء السَّمَاء وَمَعَ هَذَا مَا آمَنَ أَكْثَر النَّاس بَلْ كَذَّبُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ وَكُتُبه وَخَالَفُوا أَمْره وَارْتَكَبُوا نَهْيه .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وَقَوْله " وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز " أَيْ الَّذِي عَزَّ كُلّ شَيْء وَقَهَرَهُ وَغَلَبَهُ" الرَّحِيم " أَيْ بِخَلْقِهِ فَلَا يَعْجَل عَلَى مَنْ عَصَاهُ بَلْ يُؤَجِّلهُ وَيُنْظِرهُ ثُمَّ يَأْخُذهُ أَخْذ عَزِيز مُقْتَدِر قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَابْن إِسْحَاق : الْعَزِيز فِي نِقْمَته وَانْتِصَاره مِمَّنْ خَالَفَ أَمْره وَعَبَدَ غَيْره وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الرَّحِيم بِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ .

وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)

وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

يُخْبِر تَعَالَى عَمَّا أَمَرَ بِهِ عَبْده وَرَسُوله وَكَلِيمه مُوسَى بْن عِمْرَان عَلَيْهِ السَّلَام " حِين نَادَاهُ مِنْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن وَكَلَّمَهُ وَنَاجَاهُ وَأَرْسَلَهُ وَاصْطَفَاهُ وَأَمَرَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أَنْ اِئْتِ الْقَوْم الظَّالِمِينَ " .

قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)

قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ

قَوْم فِرْعَوْن أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبّ إِنِّي أَخَاف أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُون وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونَ " هَذِهِ أَعْذَار سَأَلَ مِنْ اللَّه إِزَاحَتهَا عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي سُورَة طه " قَالَ رَبّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - إِلَى قَوْله - قَدْ أُوتِيت سُؤْلك يَا مُوسَى" .

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ

قَوْم فِرْعَوْن أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبّ إِنِّي أَخَاف أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُون وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونِ " هَذِهِ أَعْذَار سَأَلَ مِنْ اللَّه إِزَاحَتهَا عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي سُورَة طه " قَالَ رَبّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - إِلَى قَوْله - قَدْ أُوتِيت سُؤْلك يَا مُوسَى " .

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ

قَوْم فِرْعَوْن أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبّ إِنِّي أَخَاف أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُون وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونِ " هَذِهِ أَعْذَار سَأَلَ مِنْ اللَّه إِزَاحَتهَا عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي سُورَة طه " قَالَ رَبّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - إِلَى قَوْله - قَدْ أُوتِيت سُؤْلك يَا مُوسَى " .

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ

وَقَوْله تَعَالَى" وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونِ " أَيْ بِسَبَبِ قَتْل الْقِبْطِيّ الَّذِي كَانَ سَبَب خُرُوجه مِنْ بِلَاد مِصْر .

قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)

قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ

" قَالَ كَلَّا " أَيْ قَالَ اللَّه لَهُ لَا تَخَفْ مِنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ " سَنَشُدُّ عَضُدك بِأَخِيك وَنَجْعَل لَكُمَا سُلْطَانًا - أَيْ بُرْهَانًا - فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اِتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ " " فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ " كَقَوْلِهِ " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى" أَيْ إِنَّنِي مَعَكُمَا بِحِفْظِي وَكِلَاءَتِي وَنَصْرِي وَتَأْيِيدِي.

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

كَقَوْلِهِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " إِنَّا رَسُولَا رَبّك " أَيْ كُلّ مِنَّا أُرْسِلَ إِلَيْك .

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

" أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيل " أَيْ أَطْلِقْهُمْ مِنْ أَسْرك وَقَبْضَتك وَقَهْرك وَتَعْذِيبك فَإِنَّهُمْ عِبَاد اللَّه الْمُؤْمِنُونَ وَحِزْبه الْمُخْلِصُونَ وَهُمْ مَعَك فِي الْعَذَاب الْمُهِين ; فَلَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى ذَلِكَ أَعْرَضَ فِرْعَوْن هُنَالِكَ بِالْكُلِّيَّةِ وَنَظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِازْدِرَاء وَالْغَمْص .

قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)

قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ

فَقَالَ " أَلَمْ نُرَبِّك فِينَا وَلِيدًا " الْآيَة أَيْ أَمَا أَنْتَ الَّذِي رَبَّيْنَاهُ فِينَا وَفِي بَيْتنَا وَعَلَى فِرَاشنَا وَأَنْعَمْنَا عَلَيْهِ مُدَّة مِنْ السِّنِينَ ثُمَّ بَعْد هَذَا قَابَلْت ذَلِكَ الْإِحْسَان بِتِلْكَ الْفَعْلَة أَنْ قَتَلْت مِنَّا رَجُلًا وَجَحَدْت نِعْمَتنَا عَلَيْك .

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ

وَلِهَذَا قَالَ " وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ " أَيْ الْجَاحِدِينَ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير .

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ

" قَالَ فَعَلْتهَا إِذًا " أَيْ فِي تِلْكَ الْحَال " وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " أَيْ قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيَّ وَيُنْعِم اللَّه عَلَيَّ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ " وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " أَيْ الْجَاهِلِينَ قَالَ اِبْن جُرَيْج وَهُوَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ

" فَفَرَرْت مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ" . الْآيَة أَيْ اِنْفَصَلَ الْحَال الْأَوَّل وَجَاءَ أَمْر آخَر فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللَّه إِلَيْك فَإِنْ أَطَعْته سَلِمْت وَإِنْ خَالَفْته عَطِبْت .

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ

ثُمَّ قَالَ مُوسَى " وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل " أَيْ وَمَا أَحْسَنْت إِلَيَّ وَرَبَّيْتنِي مُقَابِل مَا أَسَأْت إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فَجَعَلْتهمْ عَبِيدًا وَخَدَمًا تَصْرِفهُمْ فِي أَعْمَالك وَمَشَاقّ رَعِيَّتك أَفَيَفِي إِحْسَانك إِلَى رَجُل وَاحِد مِنْهُمْ بِمَا أَسَأْت إِلَى مَجْمُوعهمْ أَيْ لَيْسَ مَا ذَكَرْتهُ شَيْئًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَعَلْت بِهِمْ .

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كُفْر فِرْعَوْن وَتَمَرُّده وَطُغْيَانه وَجُحُوده فِي قَوْله" وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ " وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لِقَوْمِهِ" مَا عَلِمْت لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي " " فَاسْتَخَفَّ قَوْمه فَأَطَاعُوهُ" وَكَانُوا يَجْحَدُونَ الصَّانِع جَلَّ وَعَلَا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا رَبّ لَهُمْ سِوَى فِرْعَوْن فَلَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى إِنِّي رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ قَالَ لَهُ فِرْعَوْن وَمَنْ هَذَا الَّذِي تَزْعُم أَنَّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ غَيْرِي ؟ هَكَذَا فَسَّرَهُ عُلَمَاء السَّلَف وَأَئِمَّة الْخَلَف حَتَّى قَالَ السُّدِّيّ هَذِهِ الْآيَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " قَالَ فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى " وَمَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْل الْمَنْطِق وَغَيْرهمْ أَنَّ هَذَا سُؤَال عَنْ الْمَاهِيَّة فَقَدْ غَلِطَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالصَّانِعِ حَتَّى يَسْأَل عَنْ الْمَاهِيَّة بَلْ كَانَ جَاحِدًا لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا يَظْهَر وَإِنْ كَانَتْ الْحُجَج وَالْبَرَاهِين قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ مُوسَى لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ رَبّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ

" قَالَ رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا " أَيْ خَالِق جَمِيع ذَلِكَ وَمَالِكه وَالْمُتَصَرِّف فِيهِ وَإِلَهه لَا شَرِيك لَهُ هُوَ اللَّه الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاء كُلّهَا الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَمَا فِيهِ مِنْ الْكَوَاكِب الثَّوَابِت وَالسَّيَّارَات النَّيِّرَات وَالْعَالَم السُّفْلِيّ وَمَا فِيهِ مِنْ بِحَار وَقِفَارٍ وَجِبَال وَأَشْجَار وَحَيَوَانَات وَنَبَات وَثِمَار وَمَا بَيْن ذَلِكَ مِنْ الْهَوَاء وَالطَّيْر وَمَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْجَوّ الْجَمِيع عَبِيد لَهُ خَاضِعُونَ ذَلِيلُونَ " إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " أَيْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ قُلُوب مُوقِنَة وَأَبْصَار نَافِذَة ; فَعِنْد ذَلِكَ اِلْتَفَتَ فِرْعَوْن إِلَى مَنْ حَوْله مِنْ مَلَئِهِ وَرُؤَسَاء دَوْلَته قَائِلًا لَهُمْ عَلَى سَبِيل التَّهَكُّم وَالِاسْتِهْزَاء وَالتَّكْذِيب لِمُوسَى .

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ

فِيمَا قَالَهُ " أَلَا تَسْتَمِعُونَ " أَيْ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا فِي زَعْمه أَنَّ لَكُمْ إِلَهًا غَيْرِي ؟ .

قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)

قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى " رَبّكُمْ وَرَبّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ " أَيْ خَالِقكُمْ وَخَالِق آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ الَّذِي كَانُوا قَبْل فِرْعَوْن وَزَمَانه .

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ

إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون " أَيْ لَيْسَ لَهُ عَقْل فِي دَعْوَاهُ أَنَّ ثَمَّ رَبًّا غَيْرِي " قَالَ " أَيْ مُوسَى لِأُولَئِكَ الَّذِينَ أَوْعَزَ إِلَيْهِمْ فِرْعَوْن مَا أَوْعَزَ مِنْ الشُّبْهَة .

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

فَأَجَابَ مُوسَى بِقَوْلِهِ " رَبّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَمَا بَيْنهمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " أَيْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَشْرِق مَشْرِقًا تَطْلُع مِنْهُ الْكَوَاكِب وَالْمَغْرِب مَغْرِبًا تَغْرُب فِيهِ الْكَوَاكِب ثَوَابِتهَا وَسَيَّارَاتهَا مَعَ هَذَا النِّظَام الَّذِي سَخَّرَهَا فِيهِ وَقَدَّرَهَا فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ رَبّكُمْ وَإِلَهكُمْ صَادِقًا فَلْيَعْكِسْ الْأَمْر وَلْيَجْعَلْ الْمَشْرِق مَغْرِبًا وَالْمَغْرِب مَشْرِقًا كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ" الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيم فِي رَبّه أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب " الْآيَة وَلِهَذَا لَمَّا غُلِبَ فِرْعَوْن وَانْقَطَعَتْ حُجَّته عَدَلَ إِلَى اِسْتِعْمَال جَاهه وَقُوَّته وَسُلْطَانه وَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ نَافِع لَهُ وَنَافِذ فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مَا أَخْكؤكؤرظززىلنمبرمنةانخ

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ

لَمَّا قَامَتْ الْحُجَّة عَلَى فِرْعَوْن بِالْبَيَانِ وَالْعَقْل عَدَلَ إِلَى أَنْ يَقْهَر مُوسَى بِيَدِهِ وَسُلْطَانه فَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاء هَذَا الْمَقَام مَقَال فَقَالَ " لَئِنْ اِتَّخَذْت إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ " .

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ

فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ مُوسَى" أَوَلَوْ جِئْتُك بِشَيْءٍ مُبِين " أَيْ بِبُرْهَانٍ قَاطِع وَاضِح.

قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)

قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

" قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين " أَيْ ظَاهِر وَاضِح فِي غَايَة الْجَلَاء وَالْوُضُوح وَالْعَظَمَة ذَات قَوَائِم وَفَم كَبِير وَشَكْل هَائِل مُزْعِج .

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ

" قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين " أَيْ ظَاهِر وَاضِح فِي غَايَة الْجَلَاء وَالْوُضُوح وَالْعَظَمَة ذَات قَوَائِم وَفَم كَبِير وَشَكْل هَائِل مُزْعِج .

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ

" وَنَزَعَ يَده " أَيْ مِنْ جَيْبه " فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ " أَيْ تَتَلَأْلَأ كَقِطْعَةٍ مِنْ الْقَمَر فَبَادَرَ فِرْعَوْن بِشَقَاوَتِهِ إِلَى التَّكْذِيب وَالْعِنَاد .

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ

فَقَالَ لِلْمَلَإِ حَوْله " إِنَّ هَذَا لَسَاحِر عَلِيم " أَيْ فَاضِل بَارِع فِي السِّحْر فَرَوَّجَ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْن أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيل السِّحْر لَا مِنْ قَبِيل الْمُعْجِزَة ثُمَّ هَيَّجَهُمْ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى مُخَالَفَته وَالْكُفْر بِهِ .

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ

فَقَالَ " يُرِيد أَنْ يُخْرِجكُمْ مِنْ أَرْضكُمْ بِسِحْرِهِ " الْآيَة أَيْ أَرَادَ أَنْ يَذْهَب بِقُلُوبِ النَّاس مَعَهُ بِسَبَبِ هَذَا فَيُكَثِّر أَعْوَانه وَأَنْصَاره وَأَتْبَاعه وَيَغْلِبكُمْ عَلَى دَوْلَتكُمْ فَيَأْخُذ الْبِلَاد مِنْكُمْ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ فِيهِ مَاذَا أَصْنَع بِهِ ؟ .

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ

" قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ يَأْتُوك بِكُلِّ سَحَّار عَلِيم " أَيْ أَخِّرْهُ وَأَخَاهُ حَتَّى تَجْمَع لَهُ مِنْ مَدَائِن مَمْلَكَتك وَأَقَالِيم دَوْلَتك .

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ

كُلّ سَحَّار عَلِيم يُقَابِلُونَهُ وَيَأْتُونَ بِنَظِيرِ مَا جَاءَ بِهِ فَتَغْلِبهُ أَنْتَ وَتَكُون لَك النُّصْرَة وَالتَّأْيِيد فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَكَانَ هَذَا مِنْ تَسْخِير اللَّه تَعَالَى لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِيَجْتَمِعَ النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد وَتَظْهَر آيَات اللَّه وَحُجَجه وَبَرَاهِينه عَلَى النَّاس فِي النَّهَار جَهْرَة .

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْمَنَاظِر الْفِعْلِيَّة بَيْن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَالْقِبْط فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَفِي سُورَة طه وَفِي هَذِهِ السُّورَة : وَذَلِكَ أَنَّ الْقِبْط أَرَادُوا أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ فَأَبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وَهَذَا شَأْن الْكُفْر وَالْإِيمَان مَا تَوَاجَهَا وَتَقَابَلَا إِلَّا غَلَبَهُ الْإِيمَان " بَلْ نَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل فَيَدْمَغهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق وَلَكُمْ الْوَيْل مِمَّا تَصِفُونَ " " وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل " الْآيَة .

وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)

وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ

وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَ السَّحَرَة وَقَدْ جَمَعُوهُمْ مِنْ أَقَالِيم بِلَاد مِصْر وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ أَسْحَر النَّاس وَأَصْنَعهُمْ وَأَشَدّهمْ تَخْيِيلًا فِي ذَلِكَ وَكَانَ السَّحَرَة جَمْعًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا قِيلَ كَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيلَ بِضْعَة وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَقِيلَ ثَمَانِينَ أَلْفًا وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم بِعِدَّتِهِمْ قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ أَمْرهمْ رَاجِعًا إِلَى أَرْبَعَة مِنْهُمْ وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ وَهُمْ : سَابُور وَعَاذُور وَحَطْحَط وَمُصَفَّى وَاجْتَهَدَ النَّاس فِي الِاجْتِمَاع ذَلِكَ الْيَوْم .

لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)

لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ

وَقَالَ قَائِلهمْ " لَعَلَّنَا نَتَّبِع السَّحَرَة إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ " وَلَمْ يَقُولُوا نَتَّبِع الْحَقّ سَوَاء كَانَ مِنْ السَّحَرَة أَوْ مِنْ مُوسَى بَلْ الرَّعِيَّة عَلَى دِين مَلِكِهِمْ.

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ

" فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة " أَيْ إِلَى مَجْلِس فِرْعَوْن وَقَدْ ضَرَبُوا لَهُ وِطَاقًا وَجَمَعَ خَدَمه وَحَشَمه وَوُزَرَاءَهُ وَرُؤَسَاء دَوْلَته وَجُنُود مَمْلَكَته فَقَامَ السَّحَرَة بَيْن يَدَيْ فِرْعَوْن يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْإِحْسَان إِلَيْهِمْ وَالتَّقَرُّب إِلَيْهِ إِنْ غَلَبُوا أَيْ هَذَا الَّذِي جَمَعَتْنَا مِنْ أَجْله .

قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)

قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

فَقَالُوا" أَإِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ " أَيْ وَأَخَصّ مِمَّا تَطْلُبُونَ أَجْعَلكُمْ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدِي وَجُلَسَائِي .

قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)

قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ

فَعَادُوا إِلَى مَقَام الْمُنَاظَرَة " قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا " وَقَدْ اِخْتُصِرَ هَذَا هَهُنَا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى .

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ

وَهَذَا كَمَا تَقُول الْجَهَلَة مِنْ الْعَوَامّ إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا هَذَا بِثَوَابِ فُلَان وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة الْأَعْرَاف أَنَّهُمْ سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم وَقَالَ فِي سُورَة طه " فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى - إِلَى قَوْله - وَلَا يُفْلِح السَّاحِر حَيْثُ أَتَى " .

فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)

فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

وَقَالَ هَهُنَا " فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ " أَيْ تَخْطَفهُ وَتَجْمَعهُ مِنْ كُلّ بُقْعَة وَتَبْتَلِعهُ فَلَمْ تَدَع مِنْهُ شَيْئًا .

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ

قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " - إِلَى قَوْله - " رَبّ مُوسَى وَهَارُون " فَكَانَ هَذَا أَمْرًا عَظِيمًا جِدًّا وَبُرْهَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ وَحُجَّة دَامِغَة وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَنْصَرَ بِهِمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَغْلِبُوا غُلِبُوا وَخَضَعُوا وَآمَنُوا بِمُوسَى فِي السَّاعَة الرَّاهِنَة وَسَجَدُوا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَهَارُون بِالْحَقِّ وَبِالْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَة فَغُلِبَ فِرْعَوْن غَلَبًا لَمْ يُشَاهِد الْعَالَم مِثْله وَكَانَ وَقِحًا جَرِيئًا عَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَعَدَلَ إِلَى الْمُكَابَرَة وَالْعِنَاد وَدَعْوَى الْبَاطِل فَشَرَعَ يَتَهَدَّدهُمْ وَيَتَوَعَّدهُمْ وَيَقُول " إِنَّهُ لَكَبِيركُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْر " وَقَالَ " إِنَّ هَذَا لَمَكْر مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة " الْآيَة .

قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " - إِلَى قَوْله - " رَبّ مُوسَى وَهَارُون " فَكَانَ هَذَا أَمْرًا عَظِيمًا جِدًّا وَبُرْهَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ وَحُجَّة دَامِغَة وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَنْصَرَ بِهِمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَغْلِبُوا غُلِبُوا وَخَضَعُوا وَآمَنُوا بِمُوسَى فِي السَّاعَة الرَّاهِنَة وَسَجَدُوا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَهَارُون بِالْحَقِّ وَبِالْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَة فَغُلِبَ فِرْعَوْن غَلَبًا لَمْ يُشَاهِد الْعَالَم مِثْله وَكَانَ وَقِحًا جَرِيئًا عَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَعَدَلَ إِلَى الْمُكَابَرَة وَالْعِنَاد وَدَعْوَى الْبَاطِل فَشَرَعَ يَتَهَدَّدهُمْ وَيَتَوَعَّدهُمْ وَيَقُول " إِنَّهُ لَكَبِيركُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْر " وَقَالَ" إِنَّ هَذَا لَمَكْر مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة " الْآيَة .

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " - إِلَى قَوْله - " رَبّ مُوسَى وَهَارُون " فَكَانَ هَذَا أَمْرًا عَظِيمًا جِدًّا وَبُرْهَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ وَحُجَّة دَامِغَة وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَنْصَرَ بِهِمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَغْلِبُوا غُلِبُوا وَخَضَعُوا وَآمَنُوا بِمُوسَى فِي السَّاعَة الرَّاهِنَة وَسَجَدُوا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَهَارُون بِالْحَقِّ وَبِالْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَة فَغُلِبَ فِرْعَوْن غَلَبًا لَمْ يُشَاهِد الْعَالَم مِثْله وَكَانَ وَقِحًا جَرِيئًا عَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَعَدَلَ إِلَى الْمُكَابَرَة وَالْعِنَاد وَدَعْوَى الْبَاطِل فَشَرَعَ يَتَهَدَّدهُمْ وَيَتَوَعَّدهُمْ وَيَقُول " إِنَّهُ لَكَبِيركُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْر " وَقَالَ " إِنَّ هَذَا لَمَكْر مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة " الْآيَة .

قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)

قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

تَهَدَّدَهُمْ فَلَمْ يَنْفَع ذَلِكَ فِيهِمْ وَتَوَعَّدَهُمْ فَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كُشِفَ عَنْ قُلُوبهمْ حِجَاب الْكُفْر وَظَهَرَ لَهُمْ الْحَقّ بِعِلْمِهِمْ مَا جَهِلَ قَوْمهمْ مِنْ أَنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَا يَصْدُر عَنْ بَشَر إِلَّا أَنْ يَكُون اللَّه قَدْ أَيَّدَهُ بِهِ وَجَعَلَهُ لَهُ حُجَّة وَدَلَالَة عَلَى صِدْق مَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَبّه وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْن " آمَنْتُمْ لَهُ قَبْل أَنْ آذَن لَكُمْ" أَيْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَأْذِنُونِي فِيمَا فَعَلْتُمْ وَلَا تَفْتَئِتُوا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَذِنْت لَكُمْ فَعَلْتُمْ وَإِنْ مَنَعْتُكُمْ اِمْتَنَعْتُمْ فَإِنِّي أَنَا الْحَاكِم الْمُطَاع " إِنَّهُ لَكَبِيركُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْر " وَهَذِهِ مُكَابَرَة يَعْلَم كُلّ أَحَد بُطْلَانهَا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا بِمُوسَى قَبْل ذَلِكَ الْيَوْم فَكَيْف يَكُون كَبِيرهمْ الَّذِي أَفَادَهُمْ صِنَاعَة السِّحْر ؟ هَذَا لَا يَقُولهُ عَاقِل ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ فِرْعَوْن بِقَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل وَالصَّلْب .

قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)

قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ

فَقَالُوا" لَا ضَيْر " أَيْ لَا حَرَج وَلَا يَضُرّنَا ذَلِكَ وَلَا نُبَالِي بِهِ " إِنَّا إِلَى رَبّنَا مُنْقَلِبُونَ " أَيْ الْمَرْجِع إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ لَا يُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فَعَلْت بِنَا وَسَيَجْزِينَا عَلَى ذَلِكَ أَتَمَّ الْجَزَاء .

إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)

إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ

وَلِهَذَا قَالُوا " إِنَّا نَطْمَع أَنْ يَغْفِر لَنَا رَبّنَا خَطَايَانَا " أَيْ مَا قَارَفْنَاهُ مِنْ الذُّنُوب وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْر " أَنْ كُنَّا أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ" أَيْ بِسَبَبِ أَنَّا بَادَرْنَا قَوْمنَا مِنْ الْقِبْط إِلَى الْإِيمَان فَقَتَلَهُمْ كُلّهمْ .

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ

لَمَّا طَالَ مُقَام مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِبِلَادِ مِصْر وَأَقَامَ بِهَا حُجَج اللَّه وَبَرَاهِينه عَلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُكَابِرُونَ وَيُعَانِدُونَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلَّا الْعَذَاب وَالنَّكَال فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَخْرُج بِبَنِي إِسْرَائِيل لَيْلًا مِنْ مِصْر وَأَنْ يَمْضِي بِهِمْ حَيْثُ يُؤْمَر فَفَعَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَمَرَهُ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ خَرَجَ بِهِمْ بَعْدَمَا اِسْتَعَارُوا مِنْ قَوْم فِرْعَوْن حُلِيًّا كَثِيرًا وَكَانَ خُرُوجه بِهِمْ فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَقْت طُلُوع الْقَمَر وَذَكَرَ مُجَاهِد رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ كَسَفَ الْقَمَر تِلْكَ اللَّيْلَة فَاَللَّه أَعْلَم وَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ عَنْ قَبْر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَدَلَّتْهُ اِمْرَأَة عَجُوز مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَيْهِ فَاحْتَمَلَ تَابُوته مَعَهُمْ وَيُقَال إِنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ أَوْصَى بِذَلِكَ إِذَا خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيل أَنْ يَحْتَمِلُوهُ مَعَهُمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيث رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم رَحِمَهُ اللَّه فَقَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أَبَان بْن صَالِح حَدَّثَنَا اِبْن فُضَيْل عَنْ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ اِبْن أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : نَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه " تُعَاهِدنَا " فَأَتَاهُ الْأَعْرَابِيّ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا حَاجَتك ؟ " قَالَ نَاقَة بِرَحْلِهَا وَعَنْز يَحْتَلِبهَا أَهْلِي فَقَالَ " أَعَجَزْت أَنْ تَكُون مِثْل عَجُوز بَنِي إِسْرَائِيل ؟ " فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه وَمَا عَجُوز بَنِي إِسْرَائِيل يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِير بِبَنِي إِسْرَائِيل أَضَلَّ الطَّرِيق فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيل مَا هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل نَحْنُ نُحَدِّثك أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنْ اللَّه أَنْ لَا نَخْرُج مِنْ مِصْر حَتَّى نَنْقُل تَابُوته مَعَنَا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى فَأَيّكُمْ يَدْرِي أَيْنَ قَبْر يُوسُف ؟ قَالُوا مَا يَعْلَمهُ إِلَّا عَجُوز مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا دُلِّينِي عَلَى قَبْر يُوسُف فَقَالَتْ وَاَللَّه لَا أَفْعَل حَتَّى تُعْطِينِي حُكْمِي فَقَالَ لَهَا وَمَا حُكْمك ؟ قَالَتْ حُكْمِي أَنْ أَكُون مَعَك فِي الْجَنَّة ; فَكَأَنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ أَعْطِهَا حُكْمهَا قَالَ فَانْطَلَقَتْ مَعَهُمْ إِلَى بُحَيْرَة - مُسْتَنْقَع مَاء - فَقَالَتْ لَهُمْ انْضِبُوا هَذَا الْمَاء فَلَمَّا أَنْضَبُوهُ قَالَتْ اِحْفِرُوا فَلَمَّا حَفَرُوا اِسْتَخْرَجُوا قَبْر يُوسُف فَلَمَّا اِحْتَمَلُوهُ إِذَا الطَّرِيق مِثْل ضَوْء النَّهَار ; وَهَذَا حَدِيث غَرِيب جِدًّا وَالْأَقْرَب أَنَّهُ مَوْقُوف وَاَللَّه أَعْلَم : .

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ

فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَلَيْسَ فِي نَادِيهمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيب غَاظَ ذَلِكَ فِرْعَوْن وَاشْتَدَّ غَضَبه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل لِمَا يُرِيد اللَّه بِهِ مِنْ الدَّمَار فَأَرْسَلَ سَرِيعًا فِي بِلَاده حَاشِرِينَ أَيْ مَنْ يَحْشُر الْجُنْد وَيَجْمَعهُ كَالنُّقَبَاءِ وَالْحُجَّاب وَنَادَى فِيهِمْ .

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ

" إِنَّ هَؤُلَاءِ " يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيل " لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ " أَيْ لَطَائِفَة قَلِيلَة.

وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)

وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ

" وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ" أَيْ كُلّ وَقْت يَصِل مِنْهُمْ إِلَيْنَا مَا يَغِيظنَا .

وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)

وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ

" وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونِ " أَيْ نَحْنُ كُلّ وَقْت نَحْذَر مِنْ غَائِلَتهمْ : وَقَرَأَ طَائِفَة مِنْ السَّلَف " وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونِ " أَيْ مُسْتَعِدُّونَ بِالسِّلَاحِ وَإِنِّي أُرِيد أَنْ أَسْتَأْصِل شَأْفَتهمْ وَأُبِيد خَضْرَاءَهُمْ فَجُوزِيَ فِي نَفْسه وَجُنْده بِمَا أَرَادَ لَهُمْ .

فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)

فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

قَالَ اللَّه تَعَالَى" فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم" أَيْ فَخَرَجُوا مِنْ هَذَا النَّعِيم إِلَى الْجَحِيم وَتَرَكُوا تِلْكَ الْمَنَازِل الْعَالِيَة وَالْبَسَاتِين وَالْأَنْهَار وَالْأَمْوَال وَالْأَرْزَاق وَالْمُلْك وَالْجَاه الْوَافِر فِي الدُّنْيَا .

وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)

وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ

قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم " أَيْ فَخَرَجُوا مِنْ هَذَا النَّعِيم إِلَى الْجَحِيم وَتَرَكُوا تِلْكَ الْمَنَازِل الْعَالِيَة وَالْبَسَاتِين وَالْأَنْهَار وَالْأَمْوَال وَالْأَرْزَاق وَالْمُلْك وَالْجَاه الْوَافِر فِي الدُّنْيَا .

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

" كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيل " كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " وَنُرِيد أَنْ نَمُنّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض وَنَجْعَلهُمْ أَئِمَّة وَنَجْعَلهُمْ الْوَارِثِينَ " الْآيَتَيْنِ .

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ

ذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ فِرْعَوْن خَرَجَ فِي مَحْفِل عَظِيم وَجَمْع كَبِير هُوَ عِبَارَة عَنْ مَمْلَكَة الدِّيَار الْمِصْرِيَّة فِي زَمَانه أُولِي الْحَلّ وَالْعَقْد وَالدُّوَل مِنْ الْأُمَرَاء وَالْوُزَرَاء وَالْكُبَرَاء وَالرُّؤَسَاء وَالْجُنُود فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي أَلْف أَلْف وَسِتّمِائَةِ أَلْف فَارِس مِنْهَا مِائَة أَلْف عَلَى خَيْل دُهْم فَفِيهِ نَظَر : وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار فِيهِمْ ثَمَانُمِائَةِ أَلْف حِصَان أَدْهَم وَفِي ذَلِكَ نَظَر وَالظَّاهِر أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُجَازَفَات بَنِي إِسْرَائِيل وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم . وَاَلَّذِي أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآن هُوَ النَّافِع وَلَمْ يُعَيِّن عِدَّتهمْ إِذْ لَا فَائِدَة تَحْته لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ " فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ" أَيْ وَصَلُوا إِلَيْهِمْ عِنْد شُرُوق الشَّمْس وَهُوَ طُلُوعهَا.

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ

" فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ " أَيْ رَأَى كُلّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبه فَعِنْد ذَلِكَ " قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ" وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اِنْتَهَى بِهِمْ السَّيْر إِلَى سَيْف الْبَحْر وَهُوَ بَحْر الْقُلْزُم فَصَارَ أَمَامهمْ الْبَحْر وَقَدْ أَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْن بِجُنُودِهِ .

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ

لِهَذَا قَالُوا " إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ " أَيْ لَا يَصِل إِلَيْكُمْ شَيْء مِمَّا تَحْذَرُونَ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَسِير هَهُنَا بِكُمْ وَهُوَ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَا يُخْلِف الْمِيعَاد وَكَانَ هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمُقَدِّمَة وَمَعَهُ يُوشَع بْن نُون وَمُؤْمِن آلِ فِرْعَوْن وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّاقَة وَقَدْ ذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا لَا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ وَجَعَلَ يُوشَع بْن نُون أَوْ مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْن يَقُول لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا نَبِيّ اللَّه هَهُنَا أَمَرَك رَبّك أَنْ تَسِير ؟ فَيَقُول نَعَمْ فَاقْتَرَبَ فِرْعَوْن وَجُنُوده وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَلِيل فَعِنْد ذَلِكَ أَمَرَ اللَّه نَبِيِّيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَضْرِب بِعَصَاهُ الْبَحْر فَضَرَبَهُ وَقَالَ اِنْفَلِقْ بِإِذْنِ اللَّه وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا صَفْوَان بْن صَالِح حَدَّثَنَا الْوَلِيد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَمْزَة بْن يُوسُف عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا اِنْتَهَى إِلَى الْبَحْر قَالَ : يَا مَنْ كَانَ قَبْل كُلّ شَيْء وَالْمُكَوِّن لِكُلِّ شَيْء وَالْكَائِن بَعْد كُلّ شَيْء اِجْعَلْ لَنَا مَخْرَجًا .

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ

فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ" أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر " وَقَالَ قَتَادَة أَوْحَى اللَّه تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى الْبَحْر أَنْ إِذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ فَبَاتَ الْبَحْر تِلْكَ اللَّيْلَة وَلَهُ اِضْطِرَاب وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيّ جَانِب يَضْرِبهُ مُوسَى فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَيْهِ مُوسَى قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَع بْن نُون يَا نَبِيّ اللَّه أَيْنَ أَمَرَك رَبّك عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ أَمَرَنِي أَنْ أَضْرِب الْبَحْر قَالَ فَاضْرِبْهُ وَقَالَ مُحَمَّد اِبْن إِسْحَاق أَوْحَى اللَّه - فِيمَا ذُكِرَ لِي - إِلَى الْبَحْر أَنْ إِذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلِقْ لَهُ قَالَ فَبَاتَ الْبَحْر يَضْطَرِب وَيَضْرِب بَعْضه بَعْضًا فَرَقًا مِنْ اللَّه تَعَالَى وَانْتِظَارًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّه وَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى " أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر" فَضَرَبَهُ بِهَا فَفِيهَا سُلْطَان اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ فَانْفَلَقَ وَذَكَرَ وَاحِد أَنَّهُ جَاءَهُ فَكَنَّاهُ فَقَالَ : اِنْفَلِقْ عَلَيَّ أَبَا خَالِد بِإِذْنِ اللَّه قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم " أَيْ كَالْجَبَلِ الْكَبِير قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُحَمَّد اِبْن كَعْب وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ هُوَ الْفَجّ بَيْن الْجَبَلَيْنِ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس صَارَ الْبَحْر اِثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْط طَرِيق وَزَادَ السُّدِّيّ وَصَارَ فِيهِ طَاقَات يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض وَقَامَ الْمَاء عَلَى حِيَالِهِ كَالْحِيطَانِ وَبَعَثَ اللَّه الرِّيح إِلَى قَعْر الْبَحْر فَلَفَحَتْهُ فَصَارَ يَبَسًا كَوَجْهِ الْأَرْض قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى" .

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64)

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ

وَقَالَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ " أَيْ هُنَالِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ " وَأَزْلَفْنَا " أَيْ قَرَّبْنَا مِنْ الْبَحْر فِرْعَوْن وَجُنُوده وَأَدْنَيْنَاهُمْ إِلَيْهِ .

وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65)

وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ

" وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ " أَيْ أَنْجَيْنَا مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ عَلَى دِينهمْ فَلَمْ يَهْلِك مِنْهُمْ أَحَد .

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66)

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ

" ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ" وَأُغْرِقَ فِرْعَوْن وَجُنُوده فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُل إِلَّا هَلَكَ ; وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر اِبْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا شَبَابَة حَدَّثَنَا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين أَسْرَى بِبَنِي إِسْرَائِيل بَلَغَ فِرْعَوْن ذَلِكَ فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ وَقَالَ لَا وَاَللَّه لَا يُفْرَغ مِنْ سَلْخهَا حَتَّى يَجْتَمِع إِلَيَّ سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْقِبْط فَانْطَلَقَ مُوسَى حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى الْبَحْر فَقَالَ لَهُ اِنْفَرِقْ : فَقَالَ لَهُ الْبَحْر قَدْ اِسْتَكْبَرْت يَا مُوسَى وَهَلْ اِنْفَرَقْت لِأَحَدٍ مِنْ وَلَد آدَم فَأَنْفَرِق لَك ؟ قَالَ وَمَعَ مُوسَى رَجُل عَلَى حِصَان لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُل أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : مَا أُمِرْت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه يَعْنِي الْبَحْر فَأَقْحَمَ فَرَسه فَسَبَحَ بِهِ فَخَرَجَ فَقَالَ أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه قَالَ مَا أُمِرْت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه قَالَ وَاَللَّه مَا كَذَبَ وَلَا كَذَبْت ثُمَّ اِقْتَحَمَ الثَّانِيَة سَبَحَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ مَا أُمِرْت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه قَالَ وَاَللَّه مَا كَذَبَ وَلَا كَذَبْت قَالَ فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلَقَ فَكَانَ فِيهِ اِثْنَا عَشَرَ سِبْطًا لِكُلِّ سِبْط طَرِيق يَتَرَاءَوْنَ فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَاب مُوسَى وَتَتَامَّ أَصْحَاب فِرْعَوْن اِلْتَقَى الْبَحْر عَلَيْهِمْ فَأَغْرَقَهُمْ وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ آخِر أَصْحَاب مُوسَى وَتَكَامَلَ أَصْحَاب فِرْعَوْن انْطَمَّ عَلَيْهِمْ الْبَحْر فَمَا رُئِيَ سَوَاد أَكْثَر مِنْ يَوْمَئِذٍ وَغَرِقَ فِرْعَوْن لَعَنَهُ اللَّه .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِين

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة " أَيْ فِي هَذِهِ الْقِصَّة وَمَا فِيهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالنَّصْر وَالتَّأْيِيد لِعِبَادِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ لَدَلَالَة وَحُجَّة قَاطِعَة وَحِكْمَة بَالِغَة " وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم" تَقَدَّمَ تَفْسِيره .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة " أَيْ فِي هَذِهِ الْقِصَّة وَمَا فِيهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالنَّصْر وَالتَّأْيِيد لِعِبَادِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ لَدَلَالَة وَحُجَّة قَاطِعَة وَحِكْمَة بَالِغَة " وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " تَقَدَّمَ تَفْسِيره.

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ

هَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ عَبْده وَرَسُوله وَخَلِيله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِمَام الْحُنَفَاء أَمَرَ اللَّه تَعَالَى رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْلُوهُ عَلَى أُمَّته لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي الْإِخْلَاص وَالتَّوَكُّل وَعِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَالتَّبَرِّي مِنْ الشِّرْك وَأَهْله .

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ

فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى آتَى إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل أَيْ مِنْ صِغَره إِلَى كِبَره فَإِنَّهُ مِنْ وَقْت نَشَأَ وَشَبَّ أَنْكَرَ عَلَى قَوْمه عِبَادَة الْأَصْنَام مَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه مَاذَا تَعْبُدُونَ أَيْ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ؟ .

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ

" قَالُوا نَعْبُد أَصْنَامًا فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ " أَيْ مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتهَا وَدُعَائِهَا .

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ

" قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " يَعْنِي اِعْتَرَفُوا بِأَنَّ أَصْنَامهمْ لَا تَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَأَوْا آبَاءَهُمْ كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فَهُمْ عَلَى آثَارهمْ يُهْرَعُونَ فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم .

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ

" قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " يَعْنِي اِعْتَرَفُوا بِأَنَّ أَصْنَامهمْ لَا تَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَأَوْا آبَاءَهُمْ كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فَهُمْ عَلَى آثَارهمْ يُهْرَعُونَ فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم .

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ

" قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " يَعْنِي اعْتَرَفُوا بِأَنَّ أَصْنَامهمْ لَا تَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَأَوْا آبَاءَهُمْ كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فَهُمْ عَلَى آثَارهمْ يُهْرَعُونَ فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم .

قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)

قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ

" أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ " أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَام شَيْئًا وَلَهَا تَأْثِير وَتَقْدِر فَلْتَخْلُصْ إِلَيَّ بِالْمَسَاءَةِ فَإِنِّي عَدُوّ لَهَا لَا أُبَالِي بِهَا وَلَا أُفَكِّر فِيهَا وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام " فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ " الْآيَة وَقَالَ هُود عَلَيْهِ السَّلَام" إِنِّي أُشْهِدَ اللَّه وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونه فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ إِنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " وَهَكَذَا تَبَرَّأَ إِبْرَاهِيم مِنْ آلِهَتهمْ فَقَالَ " وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم " - إِلَى قَوْله - " حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَحْده " وَقَالَ تَعَالَى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوْمه إِنِّي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَة" يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .

أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)

أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ

" أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ " أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَام شَيْئًا وَلَهَا تَأْثِير وَتَقْدِر فَلْتَخْلُصْ إِلَيَّ بِالْمَسَاءَةِ فَإِنِّي عَدُوّ لَهَا لَا أُبَالِي بِهَا وَلَا أُفَكِّر فِيهَا وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام " فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ " الْآيَة وَقَالَ هُود عَلَيْهِ السَّلَام" إِنِّي أُشْهِدُ اللَّه وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونه فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ إِنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " وَهَكَذَا تَبَرَّأَ إِبْرَاهِيم مِنْ آلِهَتهمْ فَقَالَ " وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم " - إِلَى قَوْله - " حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَحْده " وَقَالَ تَعَالَى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوْمه إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَة" يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ

" أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ " أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَام شَيْئًا وَلَهَا تَأْثِير وَتَقْدِر فَلْتَخْلُصْ إِلَيَّ بِالْمَسَاءَةِ فَإِنِّي عَدُوّ لَهَا لَا أُبَالِي بِهَا وَلَا أُفَكِّر فِيهَا وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام " فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ " الْآيَة وَقَالَ هُود عَلَيْهِ السَّلَام" إِنِّي أُشْهِد اللَّه وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونه فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ إِنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " وَهَكَذَا تَبَرَّأَ إِبْرَاهِيم مِنْ آلِهَتهمْ فَقَالَ " وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم " - إِلَى قَوْله - " حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَحْده " وَقَالَ تَعَالَى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوْمه إِنِّي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَة" يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ

يَعْنِي لَا أَعْبُد إِلَّا الَّذِي يَفْعَل هَذِهِ الْأَشْيَاء " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ" أَيْ هُوَ الْخَالِق الَّذِي قَدَّرَ قَدَرًا وَهَدَى الْخَلَائِق إِلَيْهِ فَكُلّ يَجْرِي عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَيُضِلّ مَنْ يَشَاء .

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ

وَيَسْقِينِ " أَيْ هُوَ خَالِقِي وَرَازِقِي بِمَا سَخَّرَ وَيَسَّرَ مِنْ الْأَسْبَاب السَّمَاوِيَّة وَالْأَرْضِيَّة فَسَاقَ الْمُزْن وَأَنْزَلَ الْمَاء وَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض وَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ كُلّ الثَّمَرَات رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَنْزَلَ الْمَاء عَذْبًا زُلَالًا يَسْقِيه مِمَّا خَلَقَ أَنْعَامًا وَأَنَاسِيّ كَثِيرًا .

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ

وَقَوْله : " وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ " أَسْنَدَ الْمَرَض إِلَى نَفْسه وَإِنْ كَانَ عَنْ قَدَر اللَّه وَقَضَائِهِ وَخَلْقه وَلَكِنْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسه أَدَبًا كَمَا قَالَ تَعَالَى آمِرًا الْمُصَلِّي أَنْ يَقُول " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " إِلَى آخِر السُّورَة فَأَسْنَدَ الْإِنْعَام وَالْهِدَايَة إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالْغَضَب حَذَفَ فَاعِله أَدَبًا وَأَسْنَدَ الضَّلَال إِلَى الْعَبِيد كَمَا قَالَتْ الْجِنّ " وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبّهمْ رَشَدًا " وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم " وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ " أَيْ إِذَا وَقَعْت فِي مَرَض فَإِنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى شِفَائِي أَحَد غَيْره بِمَا يُقَدِّر مِنْ الْأَسْبَاب الْمُوَصِّلَة إِلَيْهِ .

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ

" وَاَلَّذِي يُمِيتنِي ثُمَّ يُحْيِينِ " أَيْ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ أَحَد سِوَاهُ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُبْدِئ وَيُعِيد .

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

" وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين " أَيْ لَا يَقْدِر عَلَى غُفْرَان الذُّنُوب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا هُوَ وَمَنْ يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا اللَّه وَهُوَ الْفَعَّال لِمَا يَشَاء .

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

وَهَذَا سُؤَال مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُؤْتِيه رَبّه حُكْمًا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَهُوَ الْعِلْم وَقَالَ عِكْرِمَة هُوَ اللُّبّ وَقَالَ مُجَاهِد هُوَ الْقُرْآن وَقَالَ السُّدِّيّ هُوَ النُّبُوَّة وَقَوْله : " وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " أَيْ اِجْعَلْنِي مَعَ الصَّالِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الِاحْتِضَار " اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى" قَالَهَا ثَلَاثًا وَفِي الْحَدِيث فِي الدُّعَاء " اللَّهُمَّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَمِتْنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْر خَزَايَا وَلَا مُبَدِّلِينَ " .

وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84)

وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ

وَقَوْله : " وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ " أَيْ وَاجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي أُذْكَرُ بِهِ وَيُقْتَدَى بِي فِي الْخَيْر كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَام عَلَى إِبْرَاهِيم كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة " وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ " يَعْنِي الثَّنَاء الْحَسَن قَالَ مُجَاهِد كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة" الْآيَة كَقَوْلِهِ : " وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا " الْآيَة قَالَ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم كُلّ مِلَّة تُحِبّهُ وَتَتَوَلَّاهُ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة .

وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)

وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ

وَقَوْله تَعَالَى :" وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَة جَنَّة النَّعِيم " أَيْ أَنْعِمْ عَلَيَّ فِي الدُّنْيَا بِبَقَاءِ الذِّكْر الْجَمِيل بَعْدِي وَفِي الْآخِرَة بِأَنْ تَجْعَلنِي مِنْ وَرَثَة جَنَّة النَّعِيم .

وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)

وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ

وَقَوْله : " وَاغْفِرْ لِأَبِي " الْآيَة كَقَوْلِهِ : " رَبّنَا اِغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ" وَهَذَا مِمَّا رَجَعَ عَنْهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ - إِلَى قَوْله - إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاهٌ حَلِيم " وَقَدْ قَطَعَ تَعَالَى الْإِلْحَاق فِي اِسْتِغْفَاره لِأَبِيهِ فَقَالَ تَعَالَى : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَاَلَّذِينَ مَعَهُ - إِلَى قَوْله - وَمَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه مِنْ شَيْء " .

وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)

وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ

وَقَوْله : " وَلَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ " أَيْ أَجِرْنِي مِنْ الْخِزْي يَوْم الْقِيَامَة وَيَوْم يُبْعَث الْخَلَائِق أَوَّلهمْ وَآخِرهمْ وَقَالَ الْبُخَارِيّ عِنْد هَذِهِ الْآيَة قَالَ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَلْقَى إِبْرَاهِيم يَوْم الْقِيَامَة أَبَاهُ عَلَيْهِ الْغَبَرَة وَالْقَتَرَة " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَخِي عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَلْقَى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ فَيَقُول يَا رَبّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ فَيَقُول اللَّه تَعَالَى إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ " هَكَذَا رَوَاهُ عِنْد هَذِهِ الْآيَة وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ وَلَفْظه " يَلْقَى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزَرَ يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي فَيَقُول أَبُوهُ فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك فَيَقُول إِبْرَاهِيم يَا رَبّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد ؟ فَيَقُول اللَّه تَعَالَى إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَقُول يَا إِبْرَاهِيم اُنْظُرْ تَحْت رِجْلك فَيَنْظُر فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار " وَرَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير مِنْ سُنَنه الْكَبِير وَقَوْله : " وَلَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ " أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن حَفْص بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ إِبْرَاهِيم رَأَى أَبَاهُ يَوْم الْقِيَامَة عَلَيْهِ الْغَبَرَة وَالْقَتَرَة وَقَالَ لَهُ قَدْ نَهَيْتُك عَنْ هَذَا فَعَصَيْتنِي قَالَ لَكِنِّي الْيَوْم لَا أَعْصِيك وَاحِدَة قَالَ يَا رَبّ وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ فَإِنْ أَخْزَيْت أَبَاهُ فَقَدْ أَخْزَيْت الْأَبْعَد قَالَ يَا إِبْرَاهِيم إِنِّي حَرَّمْتهَا عَلَى الْكَافِرِينَ فَأُخِذَ مِنْهُ قَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَيْنَ أَبُوك ؟ قَالَ أَنْتَ أَخَذْته مِنِّي قَالَ اُنْظُرْ أَسْفَل مِنْك فَنَظَرَ فَإِذَا ذِيخ يَتَمَرَّغ فِي نَتْنه فَأُخِذَ بِقَوَائِمِهِ فَأُلْقِيَ فِي النَّار " وَهَذَا إِسْنَاد غَرِيب وَفِيهِ نَكَارَة وَالذِّيخ هُوَ الذَّكَر مِنْ الضِّبَاع كَأَنَّهُ حَوَّلَ آزَر إِلَى صُورَة ذِيخ مُتَلَطِّخ بِعَذِرَتِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار كَذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَادِهِ مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ أَيُّوب عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ غَرَابَة وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث قَتَادَة عَنْ جَعْفَر بْن عَبْد الْغَافِر عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ .

يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)

يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ

وَقَوْله : " يَوْم لَا يَنْفَع مَال وَلَا بَنُونَ " أَيْ لَا يَقِي الْمَرْء مِنْ عَذَاب اللَّه مَاله وَلَوْ اِفْتَدَى بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا " وَلَا بَنُونَ " أَيْ وَلَوْ اِفْتَدَى بِمَنْ عَلَى الْأَرْض جَمِيعًا وَلَا يَنْفَع يَوْمئِذٍ إِلَّا الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَإِخْلَاص الدِّين لَهُ وَالتَّبَرِّي مِنْ الشِّرْك وَأَهْله .

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

وَلِهَذَا قَالَ : " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم " أَيْ سَالِم مِنْ الدَّنَس وَالشِّرْك قَالَ اِبْن سِيرِينَ الْقَلْب السَّلِيم أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه حَقّ وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَة لَا رَيْب فِيهَا وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم " الْقَلْب السَّلِيم أَنْ يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَغَيْرهمَا " بِقَلْبٍ سَلِيم " يَعْنِي مِنْ الشِّرْك وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب الْقَلْب السَّلِيم هُوَ الْقَلْب الصَّحِيح وَهُوَ قَلْب الْمُؤْمِن لِأَنَّ قَلْب الْكَافِر وَالْمُنَافِق مَرِيض قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فِي قُلُوبهمْ مَرَض " قَالَ أَبُو عُثْمَان النَّيْسَابُورِيّ هُوَ الْقَلْب السَّالِم مِنْ الْبِدْعَة الْمُطْمَئِنّ إِلَى السُّنَّة .

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ

" وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّة" أَيْ قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ مِنْ أَهْلهَا مُزَخْرَفَة مُزَيَّنَة لِنَاظِرِيهَا وَهُمْ الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ رَغِبُوا فِيهَا عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا وَعَمِلُوا لَهَا فِي الدُّنْيَا .

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ

" وَبُرِّزَتْ الْجَحِيم لِلْغَاوِينَ" أَيْ أُظْهِرَتْ وَكُشِفَ عَنْهَا وَبَدَتْ مِنْهَا عُنُق فَزَفَرَتْ زَفْرَة بَلَغَتْ مِنْهَا الْقُلُوب الْحَنَاجِر وَقِيلَ لِأَهْلِهَا تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا .

وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92)

وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ

" أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ" أَيْ لَيْسَتْ الْآلِهَة الَّتِي عَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد تُغْنِي عَنْكُمْ الْيَوْم شَيْئًا وَلَا تَدْفَع عَنْ أَنْفُسهَا فَإِنَّكُمْ وَإِيَّاهَا الْيَوْم حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ .

مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)

مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ

" أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ " أَيْ لَيْسَتْ الْآلِهَة الَّتِي عَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد تُغْنِي عَنْكُمْ الْيَوْم شَيْئًا وَلَا تَدْفَع عَنْ أَنْفُسهَا فَإِنَّكُمْ وَإِيَّاهَا الْيَوْم حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ .

فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)

فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ

وَقَوْله : " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ " قَالَ مُجَاهِد يَعْنِي فَدُهْوِرُوا فِيهَا وَقَالَ غَيْره كُبُّوا فِيهَا وَالْكَاف مُكَرَّرَة كَمَا يُقَال صَرْصَر وَالْمُرَاد أَنَّهُ أُلْقِيَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض مِنْ الْكُفَّار وَقَادَتهمْ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الشِّرْك .

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ

" وَجُنُود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ" أَيْ أُلْقُوا فِيهَا عَنْ آخِرهمْ .

قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)

قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ

" قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ " أَيْ يَقُول الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّار وَيَقُولُونَ وَقَدْ عَادُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْمَلَامَةِ.

تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)

إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

" تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ " أَيْ نَجْعَل أَمْركُمْ مُطَاعًا كَمَا يُطَاع أَمْر رَبّ الْعَالَمِينَ وَعَبَدْنَاكُمْ مَعَ رَبّ الْعَالَمِينَ .

وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)

وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ

" وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ " أَيْ مَا دَعَانَا إِلَى ذَلِكَ إِلَّا الْمُجْرِمُونَ.

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ

" فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ " قَالَ بَعْضهمْ يَعْنِي مِنْ الْمَلَائِكَة كَمَا يَقُولُونَ " فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاء فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدّ فَنَعْمَل غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل " وَكَذَا قَالُوا : " فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ".

وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)

وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ

" وَلَا صَدِيق حَمِيم " أَيْ قَرِيب ; قَالَ قَتَادَة يَعْلَمُونَ وَاَللَّه أَنَّ الصَّدِيق إِذَا كَانَ صَالِحًا نَفَعَ وَأَنَّ الْحَمِيم إِذَا كَانَ صَالِحًا شَفَعَ .

فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)

فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

" فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة فَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى دَار الدُّنْيَا لِيَعْمَلُوا بِطَاعَةِ رَبّهمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللَّه تَعَالَى يَعْلَم أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا إِلَى دَار الدُّنْيَا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ; وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ تَخَاصُم أَهْل النَّار فِي سُورَة ص ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : " إِنَّ ذَلِكَ لَحَقّ تَخَاصُم أَهْل النَّار " .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ" أَيْ أَنَّ فِي مُحَاجَّة إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ وَإِقَامَة الْحُجَج عَلَيْهِمْ فِي التَّوْحِيد لَآيَة أَيْ لَدَلَالَة وَاضِحَة جَلِيَّة عَلَى أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ

هَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عَبْده وَرَسُوله نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض بَعْدَمَا عُبِدَتْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد فَبَعَثَهُ اللَّه نَاهِيًا عَنْ ذَلِكَ وَمُحَذِّرًا مِنْ وَبِيل عِقَابه فَكَذَّبَهُ قَوْمه فَاسْتَمَرُّوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعَال الْخَبِيثَة فِي عِبَادَتهمْ أَصْنَامهمْ مَعَ اللَّه تَعَالَى وَنَزَّلَ اللَّه تَعَالَى تَكْذِيبهمْ لَهُ مَنْزِلَة تَكْذِيبهمْ جَمِيع الرُّسُل فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الْمُرْسَلِينَ .

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوح أَلَا تَتَّقُونَ " أَيْ أَلَا تَخَافُونَ اللَّه فِي عِبَادَتكُمْ غَيْره .

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

" إِنِّي لَكُمْ رَسُول أَمِين " أَيْ إِنِّي رَسُول مِنْ اللَّه إِلَيْكُمْ أَمِين فِيمَا بَعَثَنِي اللَّه بِهِ أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَلَا أَزِيد فِيهَا وَلَا أُنْقِص مِنْهَا .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)

فاتقوا عقاب الله أيها القوم على كفركم به ، وأطيعوني في نصيحتي لكم ، وأمري إياكم باتقائه

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

" فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر " الْآيَة أَيْ لَا أَطْلُب مِنْكُمْ جَزَاء عَلَى نُصْحِي لَكُمْ بَلْ أَدَّخِر ثَوَاب ذَلِكَ عِنْد اللَّه .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

" فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ" فَقَدْ وَضَحَ لَكُمْ وَبَانَ صِدْقِي وَنُصْحِي وَأَمَانَتِي فِيمَا بَعَثَنِي اللَّه بِهِ وَائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ .

قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)

قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ

يَقُولُونَ لَا نُؤْمِن لَك وَلَا نَتَّبِعك وَنَتَأَسَّى فِي ذَلِكَ بِهَؤُلَاءِ الْأَرْذَلِينَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوك وَصَدَقُوك وَهُمْ أَرَاذِلنَا وَلِهَذَا " قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَك وَاتَّبَعَك الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " أَيْ وَأَيّ شَيْء يَلْزَمنِي مِنْ اِتِّبَاع هَؤُلَاءِ لِي وَلَوْ كَانُوا عَلَى أَيّ شَيْء كَانُوا عَلَيْهِ لَا يَلْزَمنِي التَّنْقِيب عَنْهُمْ وَالْبَحْث وَالْفَحْص إِنَّمَا عَلَيَّ أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ تَصْدِيقهمْ إِيَّايَ وَأَكِلَ سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .

قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112)

قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

يَقُولُونَ لَا نُؤْمِن لَك وَلَا نَتَّبِعك وَنَتَأَسَّى فِي ذَلِكَ بِهَؤُلَاءِ الْأَرْذَلِينَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوك وَصَدَّقُوك وَهُمْ أَرَاذِلنَا وَلِهَذَا " قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَك وَاتَّبَعَك الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " أَيْ وَأَيّ شَيْء يَلْزَمنِي مِنْ اِتِّبَاع هَؤُلَاءِ لِي وَلَوْ كَانُوا عَلَى أَيّ شَيْء كَانُوا عَلَيْهِ لَا يَلْزَمنِي التَّنْقِيب عَنْهُمْ وَالْبَحْث وَالْفَحْص إِنَّمَا عَلَيَّ أَنْ أَقْبَل مِنْهُمْ تَصْدِيقهمْ إِيَّايَ وَأَكِل سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .

إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)

إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ

" إِنْ حِسَابهمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ" كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مِنْهُ أَنْ يُبْعِدهُمْ عَنْهُ وَيُتَابِعُوهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ .

وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)

وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ

" إِنْ حِسَابهمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ " كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مِنْهُ أَنْ يُبْعِدهُمْ عَنْهُ وَيُتَابِعُوهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ .

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

وَقَالَ : " وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِير مُبِين " أَيْ إِنَّمَا بُعِثْت نَذِيرًا فَمَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَنِي وَصَدَّقَنِي كَانَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ سَوَاء كَانَ شَرِيفًا أَوْ وَضِيعًا جَلِيلًا أَوْ حَقِيرًا.

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ

لَمَّا طَالَ مُقَام نَبِيّ اللَّه بَيْن أَظْهُرهمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى لَيْلًا وَنَهَارًا وَسِرًّا وَجِهَارًا وَكُلَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهِمْ الدَّعْوَة صَمَّمُوا عَلَى الْكُفْر الْغَلِيظ وَالِامْتِنَاع الشَّدِيد وَقَالُوا فِي الْآخِر " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوح لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ " أَيْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عَنْ دَعْوَتك إِيَّانَا إِلَى دِينك " لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ " أَيْ لَأَرْجُمَنك فَعِنْد ذَلِكَ دَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَة اِسْتَجَابَ اللَّه مِنْهُ.

قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)

قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ

فَقَالَ " رَبّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنهمْ فَتْحًا " الْآيَة كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " فَدَعَا رَبّه أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ" إِلَى آخِر الْآيَة .

فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)

فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

رَبّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنهمْ فَتْحًا " الْآيَة كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى" فَدَعَا رَبّه أَنِّي مَغْلُوب فَانْتَصِرْ " إِلَى آخِر الْآيَة .

فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)

فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

وَقَالَ هَهُنَا " فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " وَالْمَشْحُون هُوَ الْمَمْلُوء بِالْأَمْتِعَةِ وَالْأَزْوَاج الَّتِي حُمِلَ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ أَيْ أَنْجَيْنَا نُوحًا وَمَنْ اِتَّبَعَهُ كُلّهمْ .

ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)

ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ

" ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ " وَأَغْرَقْنَا مَنْ كَفَرَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْره كُلّهمْ أَجْمَعِينَ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

" ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ " وَأَغْرَقْنَا مَنْ كَفَرَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْره كُلّهمْ أَجْمَعِينَ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ

وَهَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ عَبْده وَرَسُوله هُود عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ دَعَا قَوْمه عَادًا وَكَانَ قَوْمه يَسْكُنُونَ الْأَحْقَاف وَهِيَ جِبَال الرَّمَل قَرِيبًا مِنْ حَضْرَمَوْت مُتَاخِمَة بِلَاد الْيَمَن وَكَانَ زَمَانهمْ بَعْد قَوْم نُوح كَمَا قَالَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم نُوح وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْق بَسْطَة " وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَة مِنْ قُوَّة التَّرْكِيب وَالْقُوَّة وَالْبَطْش الشَّدِيد وَالطُّول الْمَدِيد وَالْأَرْزَاق الدَّارَّة وَالْأَمْوَال وَالْجَنَّات وَالْأَنْهَار وَالْأَبْنَاء وَالزُّرُوع وَالثِّمَار وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْبُدُونَ غَيْر اللَّه مَعَهُ .

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ

فَبَعَثَ اللَّه هُودًا إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولًا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَحْده وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته وَعَذَابه فِي مُخَالَفَته وَبَطْشه فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ نُوح لِقَوْمِهِ .

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

فَبَعَثَ اللَّه هُودًا إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولًا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَحْده وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته وَعَذَابه فِي مُخَالَفَته وَبَطْشه فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ نُوح لِقَوْمِهِ .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فَبَعَثَ اللَّه هُودًا إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولًا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَحْده وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته وَعَذَابه فِي مُخَالَفَته وَبَطْشه فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ نُوح لِقَوْمِهِ .

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

فَبَعَثَ اللَّه هُودًا إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولًا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَحْده وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته وَعَذَابه فِي مُخَالَفَته وَبَطْشه فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ نُوح لِقَوْمِهِ .

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128)

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ

إِلَى أَنْ قَالَ : " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع آيَة تَعْبَثُونَ " اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الرِّيع بِمَا حَاصِله أَنَّهُ الْمَكَان الْمُرْتَفِع عِنْد جَوَادّ الطُّرُق الْمَشْهُورَة يَبْنُونَ هُنَاكَ بُنْيَانًا مُحْكَمًا هَائِلًا بَاهِرًا وَلِهَذَا قَالَ : " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع آيَة " أَيْ مَعْلَمًا بِنَاء مَشْهُورًا " تَعْبَثُونَ " أَيْ وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَبَثًا لَا لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ بَلْ لِمُجَرَّدِ اللَّعِب وَاللَّهْو وَإِظْهَار الْقُوَّة وَلِهَذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ نَبِيّهمْ عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَضْيِيع لِلزَّمَانِ وَإِتْعَاب لَلْأَبْدَانِ فِي غَيْر فَائِدَة وَاشْتِغَال بِمَا لَا يُجْدِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة .

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ

وَلِهَذَا قَالَ : " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِع لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ " قَالَ مُجَاهِد وَالْمَصَانِع الْبُرُوج الْمُشَيَّدَة وَالْبُنْيَان الْمُخَلَّد وَفِي رِوَايَة عَنْهُ بُرُوج الْحَمَام وَقَالَ قَتَادَة هِيَ مَأْخَذ الْمَاء قَالَ قَتَادَة وَقَرَأَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِع كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ " وَفِي الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِع لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ " أَيْ لِكَيْ تُقِيمُوا فِيهَا أَبَدًا وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَاصِلٍ لَكُمْ بَلْ زَائِل عَنْكُمْ كَمَا زَالَ عَمَّنْ كَانَ قَبْلكُمْ وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيد حَدَّثَنَا اِبْن عَجْلَان حَدَّثَنِي عَوْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْغُوطَة مِنْ الْبُنْيَان وَنَصْب الشَّجَر قَامَ فِي مَسْجِدهمْ فَنَادَى يَا أَهْل دِمَشْق فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ وَتَأْمُلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ إِنَّهُ قَدْ كَانَتْ قَبْلكُمْ قُرُون يَجْمَعُونَ فَيُوعُونَ وَيَبْنُونَ فَيَوْثُقُونِ وَيَأْمُلُونَ فَيُطِيلُونَ فَأَصْبَحَ أَمَلهمْ غُرُورًا وَأَصْبَحَ جَمْعهمْ بُورًا وَأَصْبَحْت مَسَاكِنهمْ قُبُورًا أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ مَا بَيْن عَدَن وَعُمَان خَيْلًا وَرِكَابًا فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاث عَاد بِدِرْهَمَيْنِ ؟ .

وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)

وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ

وَقَوْله : " وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ " أَيْ يَصِفهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالْغِلْظَة وَالْجَبَرُوت .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

" فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ" أَيْ اُعْبُدُوا رَبّكُمْ وَأَطِيعُوا رَسُولكُمْ ثُمَّ شَرَعَ يُذَكِّرهُمْ نِعَم اللَّه عَلَيْهِمْ .

وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132)

وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ

فَقَالَ : " وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّات وَعُيُون إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم " أَيْ إِنْ كَذَّبْتُمْ وَخَالَفْتُمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب فَمَا نَفَعَ فِيهِمْ .

أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)

أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ

فَقَالَ : " وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّات وَعُيُون إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم " أَيْ إِنْ كَذَّبْتُمْ وَخَالَفْتُمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب فَمَا نَفَعَ فِيهِمْ .

وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)

وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

فَقَالَ : " وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّات وَعُيُون إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم " أَيْ إِنْ كَذَّبْتُمْ وَخَالَفْتُمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب فَمَا نَفَعَ فِيهِمْ .

إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)

إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

فَقَالَ : " وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّات وَعُيُون إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم " أَيْ إِنْ كَذَّبْتُمْ وَخَالَفْتُمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب فَمَا نَفَعَ فِيهِمْ .

قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)

قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ جَوَاب قَوْم هُود لَهُ بَعْدَمَا حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَرَغَّبَهُمْ وَرَهَّبَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ وَوَضَّحَهُ " قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظَتْ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ " أَيْ لَا نَرْجِع عَمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ" وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتنَا عَنْ قَوْلك وَمَا نَحْنُ لَك بِمُؤْمِنِينَ" وَهَكَذَا الْأَمْر فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَة رَبّك لَا يُؤْمِنُونَ " الْآيَة .

إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)

إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ

وَقَوْلهمْ " إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُق الْأَوَّلِينَ " قَرَأَ بَعْضهمْ " إِنْ هَذَا إِلَّا خَلْقُ الْأَوَّلِينَ " بِفَتْحِ الْخَاء وَتَسْكِين اللَّام قَالَ اِبْن مَسْعُود وَالْعَوْفِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَعَلْقَمَة وَمُجَاهِد يَعْنُونَ مَا هَذَا الَّذِي جِئْتنَا بِهِ إِلَّا أَخْلَاق الْأَوَّلِينَ كَمَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش " وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ اِكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَة وَأَصِيلًا " وَقَالَ : " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك اِفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ " وَقَالَ : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ " وَقَرَأَ آخَرُونَ " إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُق الْأَوَّلِينَ " بِضَمِّ الْخَاء وَاللَّام يَعْنُونَ دِينهمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْر هُوَ دِين الْأَوَّلِينَ مِنْ الْآبَاء وَالْأَجْدَاد وَنَحْنُ تَابِعُونَ لَهُمْ سَالِكُونَ وَرَاءَهُمْ نَعِيش كَمَا عَاشُوا وَنَمُوت كَمَا مَاتُوا وَلَا بَعْث وَلَا مَعَاد .

وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)

وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ

وَلِهَذَا قَالُوا : " وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ " قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس" إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُق الْأَوَّلِينَ " يَقُول دِين الْأَوَّلِينَ وَقَالَهُ عِكْرِمَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير .

فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)

فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

وَقَوْله تَعَالَى : " فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ" أَيْ اِسْتَمَرُّوا عَلَى تَكْذِيب نَبِيّ اللَّه هُود وَمُخَالَفَته وَعِنَاده فَأَهْلَكَهُمْ اللَّه وَقَدْ بَيَّنَ سَبَب إِهْلَاكه إِيَّاهُمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ الْقُرْآن بِأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا عَاتِيَة أَيْ رِيحًا شَدِيدَة الْهُبُوب ذَات بَرْد شَدِيد جِدًّا فَكَانَ سَبَب إِهْلَاكهمْ مِنْ جِنْسهمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَعْتَى شَيْء وَأَجْبَرَهُ فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَعْتَى مِنْهُمْ وَأَشَدّ قُوَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى : " أَلَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبّك بِعَادٍ إِرَم ذَات الْعِمَاد " وَهُمْ عَاد الْأُولَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى " وَهُمْ مِنْ نَسْل إِرَم بْن سَام بْن نُوح " ذَات الْعِمَاد " الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ الْعُمُد وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ إِرَم مَدِينَة فَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات مِنْ كَلَام كَعْب وَوَهْب وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْل أَصِيل وَلِهَذَا قَالَ " الَّتِي لَمْ يُخْلَق مِثْلهَا فِي الْبِلَاد " أَيْ لَمْ يُخْلَق مِثْل هَذِهِ الْقَبِيلَة فِي قُوَّتهمْ وَشِدَّتهمْ وَجَبَرُوتهمْ وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِذَلِكَ مَدِينَة لَقَالَ الَّتِي لَمْ يُبْنَ مِثْلهَا فِي الْبِلَاد وَقَالَ تَعَالَى : " فَأَمَّا عَادَ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنَّا قُوَّة ؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ " وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُرْسِل عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّيح إِلَّا مِقْدَار أَنْف الثَّوْر عَتَتْ عَلَى الْخَزَنَة فَأَذِنَ اللَّه لَهَا فِي ذَلِكَ فَسَلَكَتْ فَحَصَبَتْ بِلَادهمْ فَحَصَبَتْ كُلّ شَيْء لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " تُدَمِّر كُلّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " وَأَمَّا عَادَ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَر عَاتِيَة " - إِلَى قَوْله " حُسُومًا" - أَيْ كَامِلَة - " فَتَرَى الْقَوْم فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة " أَيْ بَقُوا أَبْدَانًا بِلَا رُءُوس وَذَلِكَ أَنَّ الرِّيح كَانَتْ تَأْتِي الرَّجُل مِنْهُمْ فَتَقْتَلِعهُ وَتَرْفَعهُ فِي الْهَوَاء ثُمَّ تُنَكِّسهُ عَلَى أُمّ رَأْسه فَتَشْدَخ دِمَاغه وَتَكْسِر رَأْسه وَتُلْقِيه كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر وَقَدْ كَانُوا تَحَصَّنُوا فِي الْجِبَال وَالْكُهُوف وَالْمَغَارَات وَحَفَرُوا لَهُمْ فِي الْأَرْض إِلَى أَنْصَافهمْ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَمْر اللَّه شَيْئًا " إِنَّ أَجَل اللَّه إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّر" وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ " الْآيَة.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ

هَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عَبْده وَرَسُوله صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمه ثَمُود وَكَانُوا عَرَبًا يَسْكُنُونَ مَدِينَة الْحِجْر الَّتِي بَيْن وَادِي الْقُرَى وَبِلَاد الشَّام وَمَسَاكِنهمْ مَعْرُوفَة مَشْهُورَة وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف الْأَحَادِيث الْمَرْوِيَّة فِي مُرُور رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ حِين أَرَادَ غَزْو الشَّام فَوَصَلَ إِلَى تَبُوك ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَة لِيَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ وَكَانُوا بَعْد عَاد وَقَبْل الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَدَعَاهُمْ نَبِيّهمْ صَالِح إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنْ الرِّسَالَة فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُب ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ آلَاء اللَّه عَلَيْهِمْ فَقَالَ .

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ

فَدَعَاهُمْ نَبِيّهمْ صَالِح إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنْ الرِّسَالَة فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُب ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَرَهُمْ آلَاء اللَّه عَلَيْهِمْ.

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

فَدَعَاهُمْ نَبِيّهمْ صَالِح إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنْ الرِّسَالَة فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُب ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ آلَاء اللَّه عَلَيْهِمْ .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فَدَعَاهُمْ نَبِيّهمْ صَالِح إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنْ الرِّسَالَة فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُب ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ آلَاء اللَّه عَلَيْهِمْ .

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

فَدَعَاهُمْ نَبِيّهمْ صَالِح إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنْ الرِّسَالَة فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُب ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ آلَاء اللَّه عَلَيْهِمْ .

أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146)

أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا

يَقُول لَهُمْ وَاعِظًا لَهُمْ وَمُحَذِّرهمْ نِقَم اللَّه أَنْ تَحِلّ بِهِمْ وَمُذَكِّرًا بِأَنْعُمِ اللَّه عَلَيْهِمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنْ الْأَرْزَاق الدَّارَّة وَجَعَلَهُمْ فِي أَمْن مِنْ الْمَحْذُورَات .

فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)

فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

وَأَنْبَتَ لَهُمْ مِنْ الْجَنَّات وَفَجَّرَ لَهُمْ مِنْ الْعُيُون الْجَارِيَات وَأَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ الزُّرُوع وَالثَّمَرَات .

وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)

وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ

وَلِهَذَا قَالَ " وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم " قَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْنَعَ وَبَلَغَ فَهُوَ هَضِيم وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم " يَقُول مُعْشِبَة وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو - وَقَدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَة - عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم " قَالَ إِذَا رَطُبَ وَاسْتَرْخَى رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم ثُمَّ قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِح نَحْو هَذَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق عَنْ أَبِي الْعَلَاء" وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم " قَالَ هُوَ الْمُذَنَّب مِنْ الرُّطَب وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الَّذِي إِذَا يَبِسَ تَهَشَّمَ وَتَفَتَّتَ وَتَنَاثَرَ وَقَالَ اِبْن جُرَيْج سَمِعْت عَبْد الْكَرِيم أَنْبَأَنَا أُمَيَّة سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : " وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم " قَالَ : حِين يَطْلُع تَقْبِض عَلَيْهِ فَتَهْضِمهُ فَهُوَ مِنْ الرَّطْب الْهَضِيم وَمِنْ الْيَابِس الْهَشِيم تَقْبِض عَلَيْهِ فَتُهَشِّمهُ وَقَالَ عِكْرِمَة وَقَتَادَة : الْهَضِيم الرَّطْب اللِّين وَقَالَ الضَّحَّاك : إِذَا كَثُرَ حَمْل الثَّمَرَة وَرَكِبَ بَعْضهَا بَعْضًا فَهُوَ هَضِيم وَقَالَ مُرَّة : هُوَ الطَّلْع حِين يَتَفَرَّق وَيَخْضَرّ وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ هُوَ الَّذِي لَا نَوَى لَهُ وَقَالَ أَبُو صَخْر : مَا رَأَيْت الطَّلْع حِين يَنْشَقّ عَنْهُ الْكُمّ فَتَرَى الطَّلْع قَدْ لَصِقَ بَعْضه بِبَعْضٍ فَهُوَ الْهَضِيم .

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ

وَقَوْله " وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا فَارِهِينَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْر وَاحِد يَعْنِي حَاذِقِينَ وَفِي رِوَايَة عَنْهُ شَرِهِينَ أَشِرِينَ وَهُوَ اِخْتِيَار مُجَاهِد وَجَمَاعَة وَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ تِلْكَ الْبُيُوت الْمَنْحُوتَة فِي الْجِبَال أَشَرًا وَبَطَرًا وَعَبَثًا مِنْ غَيْر حَاجَة إِلَى سُكْنَاهَا وَكَانُوا حَاذِقِينَ مُتْقِنِينَ لِنَحْتِهَا وَنَقْشهَا كَمَا هُوَ الْمُشَاهَد مِنْ حَالهمْ لِمَنْ رَأَى مَنَازِلهمْ .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

وَلِهَذَا قَالَ " فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ " أَيْ أَقْبِلُوا عَلَى مَا يَعُود نَفْعه عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مِنْ عِبَادَة رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ لِتَعْبُدُوهُ وَتُوَحِّدُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا.

وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)

وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ

" وَلَا تُطِيعُوا أَمْر الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ " يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ الدُّعَاة لَهُمْ إِلَى الشِّرْك وَالْكُفْر وَمُخَالَفَة الْحَقّ .

الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)

الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ

" وَلَا تُطِيعُوا أَمْر الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ" يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ الدُّعَاة لَهُمْ إِلَى الشِّرْك وَالْكُفْر وَمُخَالَفَة الْحَقّ .

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ثَمُود فِي جَوَابهمْ لِنَبِيِّهِمْ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام حِين دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَة رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ " قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ " قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة يَعْنُونَ مِنْ الْمَسْحُورِينَ وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس " مِنْ الْمُسَحَّرِينَ " يَعْنِي مِنْ الْمَخْلُوقِينَ وَاسْتَشْهَدَ بَعْضهمْ عَلَى هَذَا بِقَوْلِ الشَّاعِر : فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا ... عَصَافِير مِنْ هَذَا الْأَنَام الْمُسَحَّر يَعْنِي الَّذِينَ لَهُمْ سَحَر وَالسَّحَر هُوَ الرِّئَة وَالْأَظْهَر فِي هَذَا قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا أَنْتَ فِي قَوْلك هَذَا مَسْحُور لَا عَقْل لَك .

مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)

مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

ثُمَّ قَالُوا " مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا " يَعْنِي فَكَيْف أُوحِيَ إِلَيْك دُوننَا كَمَا قَالُوا فِي الْآيَة الْأُخْرَى " أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْننَا بَلْ هُوَ كَذَّاب أَشِر سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنْ الْكَذَّاب الْأَشِر " ثُمَّ إِنَّهُمْ اِقْتَرَحُوا عَلَيْهِ آيَة يَأْتِيهِمْ بِهَا لِيَعْلَمُوا صِدْقه بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبّهمْ وَقَدْ اِجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُخْرِج لَهُمْ الْآن مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة نَاقَة عُشَرَاء - وَأَشَارُوا إِلَى صَخْرَة عِنْدهمْ - مِنْ صِفَتهَا كَذَا وَكَذَا فَعِنْد ذَلِكَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ نَبِيّ اللَّه صَالِح الْعُهُود وَالْمَوَاثِيق لَئِنْ أَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَتَّبِعُنَّهُ فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ فَقَامَ نَبِيّ اللَّه صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام فَصَلَّى ثُمَّ دَعَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجِيبهُمْ إِلَى سُؤَالهمْ فَانْفَطَرَتْ تِلْكَ الصَّخْرَة الَّتِي أَشَارُوا إِلَيْهَا عَنْ نَاقَة عُشَرَاء عَلَى الصِّفَة الَّتِي وَصَفُوهَا فَآمَنَ بَعْضهمْ وَكَفَرَ أَكْثَرهمْ .

قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)

قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

يَعْنِي تَرِد مَاءَكُمْ يَوْمًا وَيَوْمًا تَرِدُونَهُ أَنْتُمْ .

وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)

وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ

" وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم " فَحَذَّرَهُمْ نِقْمَة اللَّه إِنْ أَصَابُوهَا بِسُوءٍ فَمَكَثَتْ النَّاقَة بَيْن أَظْهُرهمْ حِينًا مِنْ الدَّهْر تَرِد الْمَاء وَتَأْكُل الْوَرَق وَالْمَرْعَى وَيَنْتَفِعُونَ بِلَبَنِهَا يَحْلِبُونَ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ شُرْبًا وَرِيًّا فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد وَحَضَرَ أَشْقَاهُمْ تَمَالَئُوا عَلَى قَتْلهَا وَعَقْرهَا .

فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)

فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ

" فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَاب " وَهُوَ أَنَّ أَرْضهمْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالًا شَدِيدًا وَجَاءَتْهُمْ صَيْحَة عَظِيمَة اِقْتَلَعَتْ الْقُلُوب مِنْ مَحَالّهَا وَأَتَاهُمْ مِنْ الْأَمْر مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم ".

فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)

فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

" فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَاب " وَهُوَ أَنَّ أَرْضهمْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالًا شَدِيدًا وَجَاءَتْهُمْ صَيْحَة عَظِيمَة اِقْتَلَعَتْ الْقُلُوب مِنْ مَحَالّهَا وَأَتَاهُمْ مِنْ الْأَمْر مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْده وَرَسُوله لُوط عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ لُوط بْن هَارَان بْن آزَار وَهُوَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّة عَظِيمَة فِي حَيَاة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانُوا يَسْكُنُونَ سَدُوم وَأَعْمَالهَا الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّه بِهَا وَجَعَلَ مَكَانهَا بُحَيْرَة مُنْتِنَة خَبِيثَة وَهِيَ مَشْهُورَة بِبِلَادِ الْغَوْر بِنَاحِيَةٍ مُتَاخِمَة لِجِبَالِ الْبَيْت الْمُقَدَّس بَيْنهَا وَبَيْن بِلَاد الْكَرْك والشوبك فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولهمْ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَارْتِكَاب مَا كَانُوا قَدْ اِبْتَدَعُوهُ فِي الْعَالَم مِمَّا لَمْ يَسْبِقهُمْ أَحَد مِنْ الْخَلَائِق إِلَى فِعْله مِنْ إِتْيَان الذُّكُور دُون الْإِنَاث .

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْده وَرَسُوله لُوط عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ لُوط بْن هَارَان بْن آزَار وَهُوَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّة عَظِيمَة فِي حَيَاة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانُوا يَسْكُنُونَ سَدُوم وَأَعْمَالهَا الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّه بِهَا وَجَعَلَ مَكَانهَا بُحَيْرَة مُنْتِنَة خَبِيثَة وَهِيَ مَشْهُورَة بِبِلَادِ الْغَوْر بِنَاحِيَةٍ مُتَاخِمَة لِجِبَالِ الْبَيْت الْمُقَدَّس بَيْنهَا وَبَيْن بِلَاد الْكَرْك والشوبك فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولهمْ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَارْتِكَاب مَا كَانُوا قَدْ اِبْتَدَعُوهُ فِي الْعَالَم مِمَّا لَمْ يَسْبِقهُمْ أَحَد مِنْ الْخَلَائِق إِلَى فِعْله مِنْ إِتْيَان الذُّكُور دُون الْإِنَاث.

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْده وَرَسُوله لُوط عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ لُوط بْن هَارَان بْن آزَار وَهُوَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّة عَظِيمَة فِي حَيَاة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانُوا يَسْكُنُونَ سَدُوم وَأَعْمَالهَا الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّه بِهَا وَجَعَلَ مَكَانهَا بُحَيْرَة مُنْتِنَة خَبِيثَة وَهِيَ مَشْهُورَة بِبِلَادِ الْغَوْر بِنَاحِيَةِ مُتَاخِمَة لِجِبَالِ الْبَيْت الْمُقَدَّس بَيْنهَا وَبَيْن بِلَاد الْكَرْك والشوبك فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولهمْ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَارْتِكَاب مَا كَانُوا قَدْ اِبْتَدَعُوهُ فِي الْعَالَم مِمَّا لَمْ يَسْبِقهُمْ أَحَد مِنْ الْخَلَائِق إِلَى فِعْله مِنْ إِتْيَان الذُّكُور دُون الْإِنَاث .ن

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْده وَرَسُوله لُوط عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ لُوط بْن هَارَان بْن آزَار وَهُوَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّة عَظِيمَة فِي حَيَاة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانُوا يَسْكُنُونَ سَدُوم وَأَعْمَالهَا الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّه بِهَا وَجَعَلَ مَكَانهَا بُحَيْرَة مُنْتِنَة خَبِيثَة وَهِيَ مَشْهُورَة بِبِلَادِ الْغَوْر بِنَاحِيَةٍ مُتَاخِمَة لِجِبَالِ الْبَيْت الْمُقَدَّس بَيْنهَا وَبَيْن بِلَاد الْكَرْك والشوبك فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولهمْ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَارْتِكَاب مَا كَانُوا قَدْ اِبْتَدَعُوهُ فِي الْعَالَم مِمَّا لَمْ يَسْبِقهُمْ أَحَد مِنْ الْخَلَائِق إِلَى فِعْله مِنْ إِتْيَان الذُّكُور دُون الْإِنَاث .

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)

أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ

لَمَّا نَهَاهُمْ نَبِيّ اللَّه عَنْ اِرْتِكَاب الْفَوَاحِش وَغَشَيَانهمْ الذُّكُور وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِتْيَان نِسَائِهِمْ اللَّاتِي خَلَقَهُنَّ اللَّه لَهُمْ مَا كَانَ جَوَابهمْ لَهُ .

وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)

وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ

لَمَّا نَهَاهُمْ نَبِيّ اللَّه عَنْ اِرْتِكَاب الْفَوَاحِش وَغَشَيَانهمْ الذُّكُور وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِتْيَان نِسَائِهِمْ اللَّاتِي خَلَقَهُنَّ اللَّه لَهُمْ مَا كَانَ جَوَابهمْ لَهُ .

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ

إِلَّا أَنْ قَالُوا " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوط " أَيْ عَمَّا جِئْتنَا بِهِ " لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمُخْرَجِينَ " أَيْ نَنْفِيك مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوط مِنْ قَرْيَتكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ " فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَرْتَدِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَأَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى ضَلَالَتهمْ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ .

قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168)

قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ

وَقَالَ " إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنْ الْقَالِينَ " أَيْ الْمُبْغِضِينَ لَا أُحِبّهُ وَلَا أَرْضَى بِهِ وَإِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ ثُمَّ دَعَا اللَّه عَلَيْهِمْ .

رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)

رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ

فَقَالَ " رَبّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ " قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْله أَجْمَعِينَ " أَيْ كُلّهمْ .

فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)

فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ

فَقَالَ " رَبّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ " قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْله أَجْمَعِينَ " أَيْ كُلّهمْ .

إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)

إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ

" إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ" وَهِيَ اِمْرَأَته وَكَانَتْ عَجُوزَ سَوْء بَقِيَتْ فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ قَوْمهَا وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَهُود وَكَذَا فِي الْحِجْر حِين أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُسْرِي بِأَهْلِهِ إِلَّا اِمْرَأَته وَأَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُوا إِذَا سَمِعُوا الصَّيْحَة حِين تَنْزِل عَلَى قَوْمه فَصَبَرُوا لِأَمْرِ اللَّه وَاسْتَمَرُّوا .

ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172)

ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ

وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى أُولَئِكَ الْعَذَاب الَّذِي عَمَّ جَمِيعهمْ وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل مَنْضُود . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا " - إِلَى قَوْله - " وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " .

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ

وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى أُولَئِكَ الْعَذَاب الَّذِي عَمَّ جَمِيعهمْ وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل مَنْضُود . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا" - إِلَى قَوْله - " وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)

كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ

هَؤُلَاءِ - يَعْنِي أَصْحَاب الْأَيْكَة - هُمْ أَهْل مَدْيَن عَلَى الصَّحِيح وَكَانَ نَبِيّ اللَّه شُعَيْب مِنْ أَنْفُسهمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ هَهُنَا أَخُوهُمْ شُعَيْب لِأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى عِبَادَة الْأَيْكَة وَهِيَ شَجَرَة وَقِيلَ شَجَر مُلْتَفّ كَالْغَيْضَةِ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فَلِهَذَا لَمَّا قَالَ : كَذَّبَ أَصْحَاب الْأَيْكَة الْمُرْسَلِينَ لَمْ يَقُلْ : إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ شُعَيْب .

إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)

إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ

إِنَّمَا قَالَ " إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْب " فَقَطَعَ نَسَب الْأُخُوَّة بَيْنهمْ لِلْمَعْنَى الَّذِي نُسِبُوا إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُمْ نَسَبًا وَمِنْ النَّاس مَنْ لَمْ يَفْطِن لِهَذِهِ النُّكْتَة فَظَنَّ أَنَّ أَصْحَاب الْأَيْكَة غَيْر أَهْل مَدْيَن فَزَعَمَ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَام بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أُمَّتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثَلَاث أُمَم وَقَدْ رَوَى إِسْحَاق بْن بِشْر الْكَاهِلِيّ - وَهُوَ ضَعِيف - حَدَّثَنِي اِبْن السُّدِّيّ عَنْ أَبِيهِ وَزَكَرِيَّا بْن عَمْرو عَنْ خُصَيْف عَنْ عِكْرِمَة قَالَا : مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا مَرَّتَيْنِ إِلَّا شُعَيْبًا مَرَّة إِلَى مَدْيَن فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِالصَّيْحَةِ وَمَرَّة إِلَى أَصْحَاب الْأَيْكَة فَأَخَذَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِعَذَابِ يَوْم الظُّلَّة وَرَوَى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَنْ هُدْبَة عَنْ هَمَّام عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى " وَأَصْحَاب الرَّسّ " قَوْم شُعَيْب وَقَوْله " وَأَصْحَاب الْأَيْكَة " قَوْم شُعَيْب وَقَالَهُ إِسْحَاق بْن بِشْر وَقَالَ غَيْر جُوَيْبِر أَصْحَاب الْأَيْكَة وَمَدْيَن هُمَا وَاحِد وَاَللَّه أَعْلَم وَقَدْ رَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة شُعَيْب مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَة بْن هِشَام عَنْ هِشَام بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ رَبِيعَة بْن يُوسُف عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّ قَوْم مَدْيَن وَأَصْحَاب الْأَيْكَة أُمَّتَانِ بَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمَا شُعَيْبًا النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام " وَهَذَا غَرِيب وَفِي رَفْعه نَظَر وَالْأَشْبَه أَنْ يَكُون مَوْقُوفًا وَالصَّحِيح أَنَّهُمْ أُمَّة وَاحِدَة وُصِفُوا فِي كُلّ مَقَام بِشَيْءٍ وَلِهَذَا وَعَظَ هَؤُلَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِوَفَاءِ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان كَمَا فِي قِصَّة مَدْيَن سَوَاء بِسَوَاءٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أُمَّة وَاحِدَة .

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)

أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ

يَأْمُرهُمْ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِيفَاءِ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان وَيَنْهَاهُمْ عَنْ التَّطْفِيف فِيهِمَا فَقَالَ " أَوْفُوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ " أَيْ إِذَا دَفَعْتُمْ لِلنَّاسِ فَكَمِّلُوا الْكَيْل لَهُمْ وَلَا تَبْخَسُوا الْكَيْل فَتُعْطُوهُ نَاقِصًا وَتَأْخُذُوهُ إِذَا كَانَ لَكُمْ تَامًّا وَافِيًا وَلَكِنْ خُذُوا كَمَا تُعْطُونَ وَأَعْطُوا كَمَا تَأْخُذُونَ .

وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)

وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ

" وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم " وَالْقِسْطَاس هُوَ الْمِيزَان وَقِيلَ هُوَ الْقَبَّان قَالَ بَعْضهمْ هُوَ مُعَرَّب مِنْ الرُّومِيَّة قَالَ مُجَاهِد الْقِسْطَاس الْمُسْتَقِيم هُوَ الْعَدْل بِالرُّومِيَّةِ وَقَالَ قَتَادَة الْقِسْطَاس الْعَدْل .

وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)

وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

وَقَوْله " وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ " أَيْ لَا تُنْقِصُوهُمْ أَمْوَالهمْ " وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ " يَعْنِي قَطْع الطَّرِيق كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى" وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ " .

وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)

وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ

وَقَوْله" وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ " يُخَوِّفهُمْ بَأْس اللَّه الَّذِي خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ آبَاءَهُمْ الْأَوَائِل كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام " رَبّكُمْ وَرَبّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ" قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم " وَالْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ" يَقُول خَلْق الْأَوَّلِينَ وَقَرَأَ اِبْن زَيْد " وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا " .

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ جَوَاب قَوْمه لَهُ بِمِثْلِ مَا أَجَابَتْ بِهِ ثَمُود لِرَسُولِهَا تَشَابَهَتْ قُلُوبهمْ حَيْثُ قَالُوا " إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ" يَعْنُونَ مِنْ الْمَسْحُورِينَ كَمَا تَقَدَّمَ .

وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)

وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

" وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا لَهُ إِنْ نَظُنّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ" أَيْ تَتَعَمَّد الْكَذِب فِيمَا تَقُولهُ لَا أَنَّ اللَّه أَرْسَلَك إِلَيْنَا .

فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)

فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

" فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء " قَالَ الضَّحَّاك : جَانِبًا مِنْ السَّمَاء . وَقَالَ قَتَادَة قِطَعًا مِنْ السَّمَاء وَقَالَ السُّدِّيّ عَذَابًا مِنْ السَّمَاء وَهَذَا شَبِيه بِمَا قَالَتْ قُرَيْش فِيمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى " وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا " - إِلَى أَنْ قَالُوا - " أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا " وَقَوْله" وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء " الْآيَة وَهَكَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الْجَهَلَة " فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء " الْآيَة .

قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)

قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ

" قَالَ رَبِّي أَعْلَم بِمَا تَعْمَلُونَ " يَقُول اللَّه أَعْلَم بِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ تَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ جَازَاكُمْ بِهِ وَهُوَ غَيْر ظَالِم لَكُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ بِهِمْ جَزَاء كَمَا سَأَلُوا جَزَاء وِفَاقًا .

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم " وَهَذَا مِنْ جِنْس مَا سَأَلُوهُ مِنْ إِسْقَاط الْكِسَف عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى جَعَلَ عُقُوبَتهمْ أَنْ أَصَابَهُمْ حَرّ عَظِيم مُدَّة سَبْعَة أَيَّام لَا يُكِنُّهُمْ مِنْهُ شَيْء ثُمَّ أَقْبَلَتْ إِلَيْهِمْ سَحَابَة أَظَلَّتْهُمْ فَجَعَلُوا يَنْطَلِقُونَ إِلَيْهَا يَسْتَظِلُّونَ بِظِلِّهَا مِنْ الْحَرّ فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا كُلّهمْ تَحْتهَا أَرْسَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْهَا شَرَرًا مِنْ نَار وَلَهَبًا وَوَهَجًا عَظِيمًا وَرَجَفَتْ بِهِمْ الْأَرْض وَجَاءَتْهُمْ صَيْحَة عَظِيمَة أَزْهَقَتْ أَرْوَاحهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم " وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى صِفَة إِهْلَاكهمْ فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن كُلّ مَوْطِن بِصِفَةِ تُنَاسِب ذَلِكَ السِّيَاق فَفِي الْأَعْرَاف ذَكَرَ أَنَّهُمْ أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا " لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْب وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَك مِنْ قَرْيَتنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتنَا " فَأَرْجَفُوا نَبِيّ اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَهُ فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة وَفِي سُورَة هُود قَالَ " فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة " وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ اِسْتَهْزَءُوا بِنَبِيِّ اللَّه فِي قَوْلهمْ " أَصَلَاتك تَأْمُرك أَنْ نَتْرُك مَا يَعْبُد آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَل فِي أَمْوَالنَا مَا نَشَاء إِنَّك لَأَنْتَ الْحَلِيم الرَّشِيد " قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيل التَّهَكُّم وَالِازْدِرَاء فَنَاسَبَ أَنْ تَأْتِيهِمْ صَيْحَة تُسْكِتهُمْ فَقَالَ " فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة " الْآيَة وَهَهُنَا قَالُوا " فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء " الْآيَة عَلَى وَجْه التَّعَنُّت وَالْعِنَاد فَنَاسَبَ أَنْ يُحَقَّق عَلَيْهِمْ مَا اِسْتَبْعَدُوا وُقُوعه " فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم " قَالَ قَتَادَة : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ اللَّه سَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْحَرّ سَبْعَة أَيَّام حَتَّى مَا يُظِلّهُمْ مِنْهُ شَيْء ثُمَّ إِنَّ اللَّه أَنْشَأَ لَهُمْ سَحَابَة فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا أَحَدهمْ فَاسْتَظَلَّ بِهَا فَأَصَابَ تَحْتهَا بَرْدًا وَرَاحَة فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ قَوْمه فَأَتَوْهَا جَمِيعًا فَاسْتَظَلُّوا تَحْتهَا فَأُجِّجَتْ عَلَيْهِمْ نَارًا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ بَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ الظُّلَّة حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعُوا كُلّهمْ كَشَفَ اللَّه عَنْهُمْ الظُّلَّة وَأَحْمَى عَلَيْهِمْ الشَّمْس فَاحْتَرَقُوا كَمَا يَحْتَرِق الْجَرَاد فِي الْمَقْلَى وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقَرَظِيّ : إِنَّ أَهْل مَدْيَن عُذِّبُوا بِثَلَاثَةِ أَصْنَاف مِنْ الْعَذَاب : أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فِي دَارهمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهَا فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهَا أَصَابَهُمْ فَزَع شَدِيد فَفَرَقُوا أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى الْبُيُوت فَتَسْقُط عَلَيْهِمْ فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الظُّلَّة فَدَخَلَ تَحْتهَا رَجُل فَقَالَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ظِلًّا أَطْيَب وَلَا أَبْرَد مِنْ هَذَا هَلُمُّوا أَيّهَا النَّاس فَدَخَلُوا جَمِيعًا تَحْت الظُّلَّة فَصَاحَ بِهِمْ

صَيْحَة وَاحِدَة فَمَاتُوا جَمِيعًا ثُمَّ تَلَا مُحَمَّد بْن كَعْب " فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم " وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَرِير حَدَّثَنِي الْحَارِث حَدَّثَنِي الْحَسَن حَدَّثَنِي سَعِيد بْن زَيْد أَخُو حَمَّاد بْن زَيْد حَدَّثَنَا حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة حَدَّثَنِي يَزِيد الْبَاهِلِيّ سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة " فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة " الْآيَة قَالَ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ رَعْدًا وَحَرًّا شَدِيدًا فَأَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ الْبُيُوت هَرَبًا إِلَى الْبَرِّيَّة فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَحَابَة فَأَظَلَّتْهُمْ مِنْ الشَّمْس فَوَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَلَذَّة فَنَادَى بَعْضهمْ بَعْضًا حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعُوا تَحْتهَا أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا قَالَ اِبْن عَبَّاس فَذَلِكَ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " أَيْ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ الْكَافِرِينَ الرَّحِيم بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم " أَيْ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ الْكَافِرِينَ الرَّحِيم بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .

وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)

وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْده وَرَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنَّهُ " أَيْ الْقُرْآن الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره فِي أَوَّل السُّورَة فِي قَوْله " وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث " الْآيَة " لَتَنْزِيل رَبّ الْعَالَمِينَ" أَيْ أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيْك وَأَوْحَاهُ إِلَيْك .

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ

" نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين" وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف : اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَقَتَادَة وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَالزُّهْرِيّ وَابْن جُرَيْج وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاع فِيهِ قَالَ الزُّهْرِيّ وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ " قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبك بِإِذْنِ اللَّه مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ " وَقَالَ مُجَاهِد : مَنْ كَلَّمَهُ الرُّوح الْأَمِين لَا تَأْكُلهُ الْأَرْض .

عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)

عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ

" عَلَى قَلْبك لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ " أَيْ نَزَلَ بِهِ مَلَك كَرِيم أَمِين ذُو مَكَانَة عِنْد اللَّه مُطَاع فِي الْمَلَأ الْأَعْلَى " عَلَى قَلْبك " يَا مُحَمَّد سَالِمًا مِنْ الدَّنَس وَالزِّيَادَة وَالنَّقْص " لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ" أَيْ لِتُنْذِرَ بِهِ بَأْس اللَّه وَنِقْمَته عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَكَذَّبَهُ وَتُبَشِّر بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ .

بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)

بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ

وَقَوْله تَعَالَى : " بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين " أَيْ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك أَنْزَلْنَاهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ الْفَصِيح الْكَامِل الشَّامِل لِيَكُونَ بَيِّنًا وَاضِحًا ظَاهِرًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ مُقِيمًا لِلْحُجَّةِ دَلِيلًا إِلَى الْمَحَجَّة قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الْعَتَكِيّ حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن عَبَّاد الْمُهَلَّبِيّ عَنْ مُوسَى بْن مُحَمَّد عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابه فِي يَوْم دَجْن إِذْ قَالَ لَهُمْ " كَيْف تَرَوْنَ بَوَاسِقهَا ؟ " قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ تَرَاكُمهَا قَالَ : " فَكَيْف تَرَوْنَ قَوَاعِدهَا ؟ " قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ تَمَكُّنهَا قَالَ " فَكَيْف تَرَوْنَ جَرْيهَا " ؟ قَالُوا مَا أَحْسَنه وَأَشَدّ سَوَاده قَالَ " فَكَيْف تَرَوْنَ رَحَاهَا اِسْتَدَارَتْ ؟ " قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ اِسْتَدَارَتْهَا قَالَ : " فَكَيْف تَرَوْنَ بَرْقهَا أَوَمِيض أَمْ خَفْق أَمْ يَشُقّ شَقًّا ؟ " قَالُوا بَلْ يَشُقّ شَقًّا ؟ قَالَ : " الْحَيَاء الْحَيَاء إِنْ شَاءَ اللَّه" قَالَ فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَفْصَحك مَا رَأَيْت الَّذِي هُوَ أَعْرَب مِنْك قَالَ فَقَالَ : حُقَّ لِي وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآن بِلِسَانِي وَاَللَّه يَقُول : " بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين " وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ لَمْ يَنْزِل وَحْي إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ تَرْجَمَ كُلّ نَبِيّ لِقَوْمِهِ وَاللِّسَان يَوْم الْقِيَامَة بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّة تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم .

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ

يَقُول تَعَالَى : وَإِنَّ ذِكْر هَذَا الْقُرْآن وَالتَّنْوِيه بِهِ لَمَوْجُود فِي كُتُب الْأَوَّلِينَ الْمَأْثُورَة عَنْ أَنْبِيَائِهِمْ الَّذِينَ بَشَّرُوا بِهِ فِي قَدِيم الدَّهْر وَحَدِيثه كَمَا أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق بِذَلِكَ حَتَّى قَامَ آخِرهمْ خَطِيبًا فِي مَلَئِهِ بِالْبِشَارَةِ بِأَحْمَدَ" وَإِذْ قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم يَا بَنِي إِسْرَائِيل إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمه أَحْمَد " وَالزُّبُر هَهُنَا هِيَ الْكُتُب جَمْع زُبْرَة وَكَذَلِكَ الزَّبُور وَهُوَ كِتَاب دَاوُد وَقَالَ اللَّه تَعَالَى " وَكُلّ شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر" أَيْ مَكْتُوب عَلَيْهِمْ فِي صُحُف الْمَلَائِكَة .

أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)

أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل " أَيْ أَوَلَيْسَ يَكْفِيهِمْ مِنْ الشَّاهِد الصَّادِق عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَجِدُونَ ذِكْر هَذَا الْقُرْآن فِي كُتُبهمْ الَّتِي يَدْرُسُونَهَا وَالْمُرَاد الْعُدُول مِنْهُمْ الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِمَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثه وَأُمَّته كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ " الْآيَة ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ شِدَّة كُفْر قُرَيْش وَعِنَادهمْ لِهَذَا الْقُرْآن أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ عَلَى رَجُل مِنْ الْأَعَاجِم مِمَّنْ لَا يَدْرِي مِنْ الْعَرَبِيَّة كَلِمَة وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَاب بِبَيَانِهِ وَفَصَاحَته لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ.

وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)

وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ

وَلِهَذَا قَالَ" وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ " كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاء فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارنَا " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَة رَبّك لَا يُؤْمِنُونَ " الْآيَة .

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ

وَلِهَذَا قَالَ" وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ " كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاء فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارنَا " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَة رَبّك لَا يُؤْمِنُونَ " الْآيَة .

كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)

كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ

يَقُول تَعَالَى كَذَلِكَ سَلَكْنَا التَّكْذِيب وَالْكُفْر وَالْجُحُود وَالْعِنَاد أَيْ أَدْخَلْنَاهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ .

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ

" لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ " أَيْ بِالْحَقِّ " حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم" أَيْ حَيْثُ لَا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتهمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَة وَلَهُمْ سُوء الدَّار .

فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202)

فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

" فَيَأْتِيهِمْ بَغْتَة" أَيْ عَذَاب اللَّه بَغْتَة .

فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)

فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ

" وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ " أَيْ يَتَمَنَّوْنَ حِين يُشَاهِدُونَ الْعَذَاب أَنْ لَوْ أُنْظِرُوا قَلِيلًا لِيَعْمَلُوا فِي زَعْمهمْ بِطَاعَةِ اللَّه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَأَنْذِرْ النَّاس يَوْم يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب - إِلَى قَوْله - مَا لَكُمْ مِنْ زَوَال " فَكُلّ ظَالِم وَفَاجِر وَكَافِر إِذَا شَاهَدَ عُقُوبَته نَدِمَ نَدَمًا شَدِيدًا هَذَا فِرْعَوْن لَمَّا دَعَا عَلَيْهِ الْكَلِيم بِقَوْلِهِ " رَبّنَا إِنَّك آتَيْت فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ زِينَة وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا - إِلَى قَوْله - قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا " فَأَثَّرَتْ هَذِهِ الدَّعْوَة فِي فِرْعَوْن فَمَا آمَنَ حَتَّى رَأَى الْعَذَاب الْأَلِيم " حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل - إِلَى قَوْله - وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا قَالُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَحْده " الْآيَات .

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ

وَقَوْله تَعَالَى " أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ " إِنْكَار عَلَيْهِمْ وَتَهْدِيد لَهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلرَّسُولِ تَكْذِيبًا وَاسْتِبْعَادًا : اِئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه ; كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَيَسْتَعْجِلُونَك بِالْعَذَابِ" الْآيَة .

أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)

أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ

ثُمَّ قَالَ " أَفَرَأَيْت إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " أَيْ لَوْ أَخَّرْنَاهُمْ وَأَنْظَرْنَاهُمْ وَأَمْلَيْنَا لَهُمْ بُرْهَة مِنْ الدَّهْر وَحِينًا مِنْ الزَّمَان وَإِنْ طَالَ ثُمَّ جَاءَهُمْ أَمْر اللَّه أَيّ شَيْء يُجْدِي عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ النَّعِيم " كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا " وَقَالَ تَعَالَى " يَوَدّ أَحَدهمْ لَوْ يُعَمَّر أَلْف سَنَة وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَاب أَنْ يُعَمَّر " .

ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)

ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ

ثُمَّ جَاءَهُمْ أَمْر اللَّه أَيّ شَيْء يُجْدِي عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ النَّعِيم " كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا " وَقَالَ تَعَالَى " يَوَدّ أَحَدهمْ لَوْ يُعَمَّر أَلْف سَنَة وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَاب أَنْ يُعَمَّر " .

مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)

مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ

ثُمَّ جَاءَهُمْ أَمْر اللَّه أَيّ شَيْء يُجْدِي عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ النَّعِيم" كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا " وَقَالَ تَعَالَى " يَوَدّ أَحَدهمْ لَوْ يُعَمَّر أَلْف سَنَة وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَاب أَنْ يُعَمَّر " .

وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208)

وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ

وَقَالَ تَعَالَى : " وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَاله إِذَا تَرَدَّى " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح " يُؤْتَى بِالْكَافِرِ فَيُغْمَس فِي النَّار غَمْسَة ثُمَّ يُقَال لَهُ هَلْ رَأَيْت خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ رَأَتْ نَعِيمًا قَطُّ ؟ فَيَقُول لَا وَاَللَّه يَا رَبّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاس بُؤْسًا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَيُصْبَغ فِي الْجَنَّة صَبْغَة ثُمَّ يُقَال لَهُ هَلْ رَأَيْت بُؤْسًا قَطُّ ؟ فَيَقُول لَا وَاَللَّه يَا رَبّ " أَيْ مَا كَانَ شَيْئًا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت : كَأَنَّك لَمْ تُؤْثِر مِنْ الدَّهْر لَيْلَة ... إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْت الَّذِي أَنْتَ تَطْلُب ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَدْله فِي خَلْقه أَنَّهُ مَا أَهْلَكَ أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ وَالْإِنْذَار لَهُمْ وَبَعْثِهِ الرُّسُل إِلَيْهِمْ وَقِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ " كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا " وَقَالَ تَعَالَى " وَمَا كَانَ رَبّك مُهْلِك الْقُرَى حَتَّى يَبْعَث فِي أُمّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتنَا " - إِلَى قَوْله - " وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ " .

ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)

ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ

وَقَالَ تَعَالَى : " وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَاله إِذَا تَرَدَّى " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح " يُؤْتَى بِالْكَافِرِ فَيُغْمَس فِي النَّار غَمْسَة ثُمَّ يُقَال لَهُ هَلْ رَأَيْت خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ رَأَتْ نَعِيمًا قَطُّ ؟ فَيَقُول لَا وَاَللَّه يَا رَبّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاس بُؤْسًا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَيُصْبَغ فِي الْجَنَّة صَبْغَة ثُمَّ يُقَال لَهُ هَلْ رَأَيْت بُؤْسًا قَطُّ ؟ فَيَقُول لَا وَاَللَّه يَا رَبّ " أَيْ مَا كَانَ شَيْئًا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت : كَأَنَّك لَمْ تُؤْثِر مِنْ الدَّهْر لَيْلَة ... إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْت الَّذِي أَنْتَ تَطْلُب ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَدْله فِي خَلْقه أَنَّهُ مَا أَهْلَكَ أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ وَالْإِنْذَار لَهُمْ وَبَعْثِهِ الرُّسُل إِلَيْهِمْ وَقِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ " كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا " وَقَالَ تَعَالَى " وَمَا كَانَ رَبّك مُهْلِك الْقُرَى حَتَّى يَبْعَث فِي أُمّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتنَا " - إِلَى قَوْله - " وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ " .

وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)

وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كِتَابه الْعَزِيز الَّذِي لَا يَأْتِيه الْبَاطِل مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه تَنْزِيل مِنْ حَكِيم حَمِيد أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين الْمُؤَيِّد مِنْ اللَّه " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين " ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَمْتَنِع عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه أَحَدهَا : أَنَّهُ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَيْ لَيْسَ هُوَ مِنْ بُغْيَتهمْ وَلَا مِنْ طِلْبَتهمْ لِأَنَّ مِنْ سَجَايَاهُمْ الْفَسَاد وَإِضْلَال الْعِبَاد وَهَذَا فِيهِ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَنُور وَهُدَى وَبُرْهَان عَظِيم فَبَيْنه وَبَيْن الشَّيَاطِين مُنَافَاة عَظِيمَة .

وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)

وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى" وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ " وَقَوْله تَعَالَى " وَمَا يَسْتَطِيعُونَ" أَيْ وَلَوْ اِنْبَغَى لَهُمْ لَمَا اِسْتَطَاعُوا ذَلِكَ قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة اللَّه " ثُمَّ أَنَّهُ لَوْ اِنْبَغَى لَهُمْ وَاسْتَطَاعُوا حَمْله وَتَأْدِيَته لَمَا وَصَلُوا إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنْ اِسْتِمَاع الْقُرْآن حَال نُزُوله لِأَنَّ السَّمَاء مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا فِي مُدَّة إِنْزَال الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه فَلَمْ يَخْلُص أَحَد مِنْ الشَّيَاطِين إِلَى اِسْتِمَاع حَرْف وَلَمْ يَجِد مِنْهُ لِئَلَّا يَشْتَبِه الْأَمْر وَهَذَا مِنْ رَحْمَة اللَّه بِعِبَادِهِ وَحِفْظه لِشَرْعِهِ وَتَأْيِيده لِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ .

إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)

إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى" إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْع لَمَعْزُولُونَ " كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ الْجِنّ " وَأَنَّا لَم¡